آخر الأخبار

«عدن زهرة البركان»: ريم عبد الغني تحكي عن شغفها اليمني

المهرية نت - القدس العربي
الثلاثاء, 27 يونيو, 2023 - 10:50 مساءً

لماذا نلوم الغرب إذا كانت أجيال عربية بأكملها لا ترى من اليمن إلا وجهه التعيس؟ تخلف، فقر، جهل، حرب، وقات، ولا يعرف الكثيرون شيئا عن هذا البلد العريق بجذوره الضاربة في أعماق التربة والتاريخ. هذا ما تقوله ريم عبد الغني في كتابها «عدن.. زهرة البركان» الصادر حديثا عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة، وتُهديه إلى ابنتها الوحيدة ميسان، وإلى أجيال اليمن القادمة، داعية إياهم إلى إخماد البراكين دائما بالورود، وفيه تقول إذا كان الغربي يزهو بناطحات سحاب أسلافه التي بُنيت خلال القرن الماضي، فعليه أن يرى ناطحات سحاب شبام الحضرمية التي يزيد علوّ بناياتها الطينية عن عشر طبقات، رغم أن المستكشفين أطلقوا على مدينة شبام اسم مانهاتن الصحراء، لكنها في الحقيقة بُنيت قبل مانهاتن بخمسمئة عام. هنا أيضا تذكر الكاتبة أنه عند الحديث عن اليمن وعمارته، لا نتحدث فقط عن واحد من أغنى بلاد شبه الجزيرة العربية في الموارد الطبيعية والبشرية، أتاح له سد سبأ الشهير وموقعه الجغرافي طوال 12 قرنُا احتكارَ الوساطة التجارية بين الأمم فقط ، بل نتحدث كذلك عن الأهم وهو الإنسان اليمني الخلاق الذي صنع هذه الحضارة، وفاض حبّا وإبداعا، ساعد على أن تُسمى بلاده بالسعيدة. كما لا يفوت الكاتبة أن تذكر أن محاضراتها ومعارضها في مختلف أرجاء المعمورة كانت عن عمارة اليمن وتراثه، والكتاب المعماري الذي تعمل عليه منذ سنوات يبحث في عمارة حضرموت، ومقالاتها في الدوريات المختلفة تحكي أيضا في معظمها عن اليمن، ما تسميه بالشغف اليمني.

 

شهادة عشق

 

ريم عبد الغني تقول عن كتابها هذا إنه ليس كتابا، بل شهادة عشق لبلد يستحق أن يُعشق، كتبته ونصب عينيها ابنتها ميسان كرمز لجيل يمني واعد، حرام أن يجهل عظمة اليمن الحقيقي، ليتعلم ويزهو بأصله ويدرك جسامة مسؤولياته وينعم بمتعة الانتماء، ومنه نعرّفه أن عدن كانت في منتصف القرن العشرين ملجأ لأحرار شمال اليمن والوطنيين، كمحمد محمود الزبيري، أحمد محمد نعمان، الشيخ سنان أبو لحوم وغيرهم، وظهر فيها الكتاب والشعراء والصحافيون منذ الثلاثينيات، ذاكرة أن التعددية الحزبية ووجود الآخر في عدن كانا نتيجة الوعي الوطني، الذي نما لدى شعوب المستعمرات بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك بتأثير إشعاع ثورة 23 يوليو/تموز 1952 في مصر التي قامت بتصفية القواعد البريطانية من قناة السويس، فأصبحت عدن القاعدة الأساسية البريطانية في الشرق الأوسط، ما أذكى نار المقاومة لدى سكانها من أجل تحقيق الحرية والاستقلال، وتصفية القواعد العسكرية الاستعمارية في عدن التي كانت، كذلك، ميناء هاما للكثير من الشخصيات العالمية، وفيها عاش الشاعر الفرنسي الشهير آرثور رامبو ما يقرب من عشر سنوات، قيل إنه كان يعمل فيها في تجارة السلاح والعبيد، ما جعل الكاتبة لا تستوعب أن يعمل في تجارة القهر والمعاناة شاعر مثله متوهج الأحاسيس، وصل عدن عام 1880، ولأن عدن لا تنسى أصدقاءها ولا تذكر إلا محاسنهم، لذلك أطلقت اسمه على شاطئ جميل في حي التواهي. الكاتبة التي تتعجب قائلة ما أسخف بدايات الحروب، وما أقسى نهاياتها! تقول تعقيبا على من يبالغون في وصفهم للأشياء: هناك لحظات يُعطى فيها إذْنُ الكلام للقلب فقط، ويتظاهر العقل فيها بالسُبات، وتتوقف حواسبنا الإلكترونية، فلا تحظروا عفوية التعبير، فهي الهامش الذي نلوذ به من تدافع سباق المشاعر والكلمات، مخبرة قارئها هنا أن الحياة ترسم أحيانا خطوطا لا مرئية تجمعنا بأشخاص بعينهم، عن قرب أو عن بعد، ومع أننا قد لا نلتقي بهم مرة أخرى، إلا أننا نشعر باستمرار بوجودهم معنا، مؤكدة أن الأرواح المتوهجة في ذات الزمان ليست بالكثرة التي قد نتوقعها، لذا تتلاقي وتميز بعضها غالبا.

 

عجائب الهند

 

الكاتبة ريم عبد الغني تذكر هنا أن مدينة عدن قد اكتسبت، منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، بعض سمات المدينة الهندية التي ميزتها عن بقية المدن في الجزيرة العربية، ذاكرة أن بول موراند أكد في كتابه «طريق الهند» أن المسافر القادم من أوروبا لا يكتشف الشرق إلا عند وصوله إلى عدن، فسوقها يقدم للمسافرين القادمين من أوروبا عينات فاتحة للشهية من عجائب الهند، ويسمح للعائدين بشراء ما لم يتمكنوا من شرائه هناك، كما تذكر وصْف عالم الاجتماع الفرنسي آرثر دي غوبينو قائلا عن عدن إنها مدينة هندية فوق أرض عربية وسط الصخور. هنا نعرف أيضا أن الرحالة الفرنسيين، سواء أكانوا مستكشفين، كتابا، دبلوماسيين، تجارا، باحثين، مغامرين، صحافيين، أو سياحا، هم أكثر من كتبوا عن عدن، منذ أن بدأت رحلاتهم في بداية عصر النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر، ربما لأن عدن التي جاء ذكرها في الإنجيل، تحظى بمكانة خاصة في مخيلة الفرنسيين، وزاد من أهميتها موقعها في طريق التجارة بين الغرب والهند والصين، ثم احتدام الصراع الاستعماري بين فرنسا وبريطانيا في مطلع القرن التاسع عشر واحتلال البريطانيين لعدن عام 1839، مثلما نقرأ أن عدن ربما تكون قد تعلمت منذ القدم أن تحيط نفسها بغلالة خرافية، بسبب تكوينها الذي يجسد لحظة من لحظات جموح الطبيعة، امتزاج الخوف بالأمان، تداخل الماء واليابسة على نحو وحشي، فأحيانا تكون الخرافة وليدة الخوف أو الرجاء. هنا، وفي رحلتها داخل عدن بكل مناطقها وتفاصيلها، تقول الكاتبة، إن عمارة عدن كحال معظم أخواتها من المدن العربية، ضحية استعمار الأمس وفريسة عولمة اليوم المتمردة التي تستهدف ثقافتنا، تلغي الخصوصية والمكان والهوية المعمارية، ولا تأبه للبيئة ولا للمناخ ولا للحاجات والتقاليد، ولا لعلاقة الإنسان بالمكان، متأسفة أن العولمة والفهم الخاطيء للحداثة يئدان نسيج مدننا القديمة الحية، وتدمير النسيج المديني المعماري المميز سيدمر النسيج الاجتماعي المميز هو الآخر على حد قولها، داعية أهل عدن إلى الانتباه بعدما لم تعد معالم عدن موجودة إلا صورا أو أطيافا في رؤوس المعمرين.

 

ملامح الشعوب

 

الكاتبة التي تتساءل أليست العمارة حصيلة فكر الإنسان وتفاعله، مرآة تعكس ملامح الشعوب؟ تقول إن عدن أصبحت رمز التصالح والتقارب والتواصل مع العالم، وترجمت عمارتها ذلك في وجهها الصادق، راصدة ظاهرة تتكرر في أكثر من بلد عربي وهي أن بعض المحافظات تُصدر رؤساء ومسؤولين للدولة دون غيرها، فمثلا محافظة أبين قدمت لليمن الجنوبي ثلاثة رؤساء، إضافة إلى عدد من المسؤولين، كذلك محافظة المنوفية في مصر التي صدّرت أربعة رؤساء جمهورية، سبعة رؤساء حكومة، ستة وزراء حربية، خمسة وزراء داخلية، ستين وزيرا، وكل هؤلاء من المنوفية التي حكمت مصر طوال 46 عاما متصلة. في كتابها، الذي يمكن أن ندرجه ضمن كتب أدب الرحلة، وكتبت فيه عن جزيرة الحرية، حوريات عدن، سر البخور العدني، وعن فسيفساء عدن، تنقلت الكاتبة بين صنعاء وحضر موت وعدن وأبين، راصدة تفاصيل الحياة في عدن قديما وحديثا، دون أن تغفل عن تفاصيل عمارة المكان والإنسان، جاعلة من كتابها هذا شهادة عشق لكل من أراد أن يعرف ما هو أكثر عن عدن خاصة، وعن اليمن بشكل عام.


كلمات مفتاحية:


تعليقات
square-white المزيد في ثقافة وفنون