آخر الأخبار

كيف تعيد دول الخليج تفسير الأمن القومي خارج حدودها البرية؟ (ترجمة خاصة)

المهرية نت - ترجمة خاصة
الأحد, 04 أغسطس, 2024 - 06:43 مساءً

نشرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، مقالًا للكاتب عبدالله باعبود، وهو أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراة، مختص في العلاقات الدولية وشؤون الخليج والشرق الأوسط، تحت عنوان: إعادة دول الخليج صياغة مفهوم الأمن القومي لتجاوز حدودها البرية.

 

وأشار المقال الذي نشرته المؤسسة المهتمة بالاستراتيجيات والتحليلات المستقلة لمساعدة الدول والمؤسسات على مواجهة أصعب التحديات العالمية وتعزيز السلام، إلى طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.

 

وقال الكاتب باعبود: "رغم التقارب النسبي بين إيران ودول الخليج بعد اتفاق المصالحة السعودية الإيرانية الذي توسطت فيه الصين في مارس 2023، فإن الهجوم الإيراني على إسرائيل أثار قلق دول الخليج. وعلى الرغم من أن طهران كشفت عن تفاصيل العملية لجيرانها الخليجيين قبل تنفيذها، إلا أن حجمها وطبيعتها أجبرتا هذه الدول على إعادة تقييم أولوياتها الأمنية".

 

وأضاف: "تكمن المشكلة في إدراك أن تأمين الحدود الإقليمية لم يعد كافياً لحماية الدولة، في ظل المشهد الأمني المتطور، من التهديدات المحتملة. يتطلب الأمن القومي اتخاذ تدابير إضافية، أهمها حماية المجال الجوي والمناطق البحرية، وبناء تحالفات دفاعية مشتركة، والاستثمار في تقنية تكنولوجيا الطائرات المسيرة وأنظمة المراقبة".

 

ويرى الكاتب أن "هذه الجهود قد لا تكون كافية، خاصة بعد اندلاع الصراع. وبالفعل، فإن اندلاع جولة جديدة من القتال بين إيران وإسرائيل سيضع دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحديات كبيرة، خاصة إذا انخرطت الولايات المتحدة في هذا الصراع. ويواجه دول المجلس مهمة صعبة في التعامل مع هذه التحديات الأمنية المتغيرة التي تهدد حدودها وسيادتها. ويجب على دول المجلس تحقيق توازن بين التقارب الدبلوماسي الأخير مع إيران، ومساعيهم المستمرة لبناء تحالف أمني إقليمي يضم إسرائيل والولايات المتحدة، وتوجهاتهم الجديدة نحو الصين وروسيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي".

 

وأكّد باعبود ضرورة أن تعمل دول المجلس على تحقيق توازن بين التقارب الدبلوماسي الأخير مع إيران، ومساعيهم المستمرة لبناء تحالف أمني إقليمي يضم وإسرائيل والولايات المتحدة، وتوجهاتهم الجديدة نحو الصين وروسيا على الصعيد السياسي والاقتصادي.

 

نصف عقد من المخاوف الأمنية المتزايدة

تحت هذا العنوان يقول الكاتب: "كانت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية في 2024 شرارة واحدة في سلسلة من الأحداث التي أربكت دول الخليج وأجبرتها على إعادة حساباتها الجيوسياسية، لا سيما فيما يتعلق بتأمين حدودها. وقد تسبب تراجع الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية ضد أنصار الله في اليمن، بالإضافة إلى التهديد المستمر متعدد الجوانب الذي تشكله الميليشيا اليمنية المدعومة من إيران، في خلق تصور بتضاؤل مظلة الأمن الأمريكية في المنطقة لدى دول مجلس التعاون الخليجي".

 

وتابع: "ورغم بعدها، إلا أن الانسحاب العسكري الأمريكي الفوضوي من أفغانستان أثار حالة من القلق في الخليج. وأدركت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، التي لطالما اعتبرت الولايات المتحدة بمثابة الدرع الأمني، أنه يتعين عليها التكيف مع الوضع الجديد".

 

ومضى قائلاً: "شكّلت التطورات في اليمن لحظة فاصلة عندما قام أنصار الله، ردًا على مشاركة التحالف العربي بقيادة السعودية إلى جانب خصومها في الحرب الأهلية اليمنية، بشن هجوم بطائرات مسيرة على منشأتي بقيق وخريص النفطيتين في السعودية عام 2019. واللافت للنظر هو صمت أمريكا في الرد على هذا الهجوم. وقد نفذ أنصار الله عملية مماثلة استهدفت ناقلات نفط في أبوظبي عام 2022.  مما أدى الانطباع بقلة الدعم الأمريكي القوي للسعودية بعد هجوم 2019 والإمارات بعد ضربة 2022 إلى دفع الرياض وأبوظبي إلى إعادة تقييم اعتمادها على الحلفاء الخارجيين في ضمان الأمن".

 

وبحسب رأي الكاتب "كان تغيير سياسة إدارة الولايات المتحدة تجاه الحرب التي تقودها السعودية ضد أنصار الله أكثر أهمية. ففي فبراير 2021، سحبت الولايات المتحدة دعمها للعمليات الهجومية التي ينفذها السعوديون وحلفاؤهم. وقد شكل هذا القرار تحولاً في السياسة الأمريكية بعيداً عن الدعم غير المشروط للحملة العسكرية للتحالف، والتي كانت موضع انتقادات متزايدة بسبب سقوط الضحايا المدنيين والكارثة الإنسانية. وقد أدى سحب الدعم الأمريكي إلى زيادة الضغط على المملكة العربية السعودية لتغيير نهجها في الصراع والسعي إلى حل تفاوضي".

 

وأشار الكاتب إلى الدور السلبي الذي لعبته الإمارات في اليمن قائلاً: "كانت الإمارات العربية المتحدة قد غيرت مسارها بالفعل في عام 2019، حيث اقتصرت بشكل كبير على رعاية الجماعات والميليشيات السياسية في جنوب اليمن التي ستدين لأبوظبي بالولاء. وتشهد مناطق اليمن غير الخاضعة لسيطرة أنصار الله حالياً تصاعداً في التنافس بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث تستغل كل دولة وكلاء يمنيين لتحقيق أهدافها على حساب الأخرى، بدلاً من التكاتف لمواجهة خصمهما المشترك ظاهرياً".

 

وأضاف: "مع ذلك، تواصل تحركات أنصار الله إثارة مخاوف السعودية والإمارات. وفي محاولة لعرقلة العلاقات الاقتصادية بين الدول وإسرائيل، حتى مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، شن الحوثيون منذ أكتوبر الماضي سلسلة من الهجمات على السفن المارة في البحر الأحمر، وتركز معظمها على مضيق باب المندب الاستراتيجي والذي يعتبر البوابة الجنوبية لقناة السويس".

 

وقال: "رغم إصرار أنصار الله على استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل والسفن الحربية الأمريكية والبريطانية، إلا أن الهجمات طالت سفنًا أخرى، مما أثر على مصالح ما لا يقل عن خمسة وستين دولة".

 

ويرى الكاتب أن ذلك "قد أدى إلى تغيير مسارات السفن وعبورها حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، مما زاد مدة الرحلة بما يصل إلى أسبوعين. ومن شأن استمرار تعطيل حركة النفط والغاز عبر البحر الأحمر بشكل طويل الأمد أن يترك آثاراً وخيمة على أسواق الطاقة العالمية. هذا الأمر من شأنه أن يضر باقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي المعتمدة بشكل كبير على عائدات النفط والغاز".

 

وقال: "وفي ظل مشاركتهم المتزايدة في مشاريع النقل البحري الإقليمية، أصبحت دول المجلس تولي اهتمامًا بالغًا لأمن مياهها.ومن هذا المنطلق، أصبحت السعودية والإمارات تنظر إلى العمليات البحرية لأنصار الله على أنها تهديد أكبر لمصالحها وأمنها من سيطرة الجماعة على أجزاء كبيرة من اليمن".

 

يتابع باعبود: "أكدت الأحداث الأخيرة بين إسرائيل وإيران على الأهمية المتزايدة للحدود الجوية بالنسبة لدول الخليج بشكل عام. ورغم أن الضربات الإيرانية الانتقامية لإسرائيل لم تشكل تهديداً مباشراً لأي من دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها أظهرت قلقاً كبيراً لدى هذه الدول إزاء استخدام طهران للأجواء الأردنية، خاصة في ظل تقاسم الأردن حدوداً مشتركة مع السعودية".

 

وقد حققت إسرائيل والأردن والقوات الأمريكية والبريطانية في المنطقة نجاحاً كبيراً في اعتراض 99% من الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية. وقد أثار هذا الأمر اهتماماً كبيراً في دول الخليج؛ وفق الكاتب.

 

وتابع: "وتجدر الإشارة إلى أن استخدام الطائرات المسيرة بات عنصراً أساسياً في الحروب المعاصرة بفضل مرونتها وفعاليتها وقدرتها على تقديم مزايا تكتيكية. ويُظهر استخدام الطائرات المسيرة المصنعة في إسرائيل وإيران وتركيا ودول أخرى في الصراعات الأخيرة والحالية، بما في ذلك عدوان إسرائيل على غزة والاشتباكات الحدودية بين حزب الله وإسرائيل على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وحرب ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، والحرب الأهلية الليبية، والصراع الروسي الأوكراني، مدى أهمية هذه الأسلحة. وقد أكدت التطورات الأخيرة بين إسرائيل وإيران مجدداً على أهمية الطائرات المسيرة وأنظمة مكافحتها في اعتبارات أمن الحدود في الشرق الأوسط".

 

أعادت الأحداث الأخيرة بين إيران وإسرائيل، ولو بشكل غير مباشر، تسليط الضوء على قضية انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من نفي البلدين رسمياً امتلاك أسلحة نووية، إلا أن إسرائيل يُعتقد على نطاق واسع أنها تمتلك ترسانة نووية، في حين يُقال إن إيران على بعد أسابيع فقط من القدرة على تطوير سلاح نووي. وحذر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أنه إذا قامت إيران بتجميع قنبلة نووية، فإن بلاده ستسعى أيضًا إلى الحصول على مثل هذه الأسلحة؛ وفق المقال.

 

وأضاف: "إن ظهور سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط قد يكون كارثيا، مع ما يترتب على ذلك من عواقب أمنية عالمية واسعة النطاق وعواقب اقتصادية وخيمة".

 

ويرجع الكاتب أن ذلك سيؤدي بشكل كبير إلى تقويض جهود دول مجلس التعاون الخليجي الرامية إلى التخلص من الاعتماد على النفط والغاز، حيث قد يتم صرف الأموال المخصصة للمشاريع التنموية المستدامة على التكنولوجيا النووية، كما سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر فيما يتعلق بالتقارب الأخير مع إيران.

 

يتابع: "نظريًا، سيسمح تقوية الروابط الأمنية مع إسرائيل والولايات المتحدة لدول الخليج بالاستفادة من مظلة أمنية إقليمية أكبر لمواجهة التهديد المتصوّر من إيران ووكلائها. وقد سبقت الإمارات والبحرين بالتطبيع مع إسرائيل قبل اشتعال الأزمة الإسرائيلية الإيرانية، ومن المعروف أن السعودية تتحاور بشأن عقد اتفاق أمني مع واشنطن مقابل الاعتراف الإسرائيلي".

 

وأضاف: "مع ذلك، فإن تحالفًا علنيًا مع إسرائيل من قبل دول مجلس التعاون الخليجي من شأنه أن يزيد من خطر استهدافها من قبل إيران والجماعات الموالية لها في المنطقة. ولعل الدليل على ذلك هو امتناع دول الخليج عن الانحياز في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، وقيامها بدلاً من ذلك بدعوة إلى ضبط النفس المتبادل".

 

كيف استجابت دول الخليج للتحديات الأمنية؟

تطرّق الكاتب عبدالله باعبود إلى ارتباط دول الخليج، في الوقت الراهن، بأمريكا كداعم للأمن لها، وقال: تستضيف غالبية دول المجلس قواعد عسكرية أمريكية وتبقى معتمدة بشكل كبير على الولايات المتحدة في مجال التسليح. إلا أن غياب الرد الحاسم من واشنطن على هجمات أنصار الله ضد السعودية والإمارات دفع الدولتين إلى البحث عن خيارات بديلة للأمن التقليدي الذي توفره أمريكا، خاصة فيما يتعلق بحماية أجوائهما ومياههما. 

 

وأضاف: "ويشمل ذلك تقوية العلاقات مع قوى عالمية صاعدة مثل الصين، وزيادة التعاون مع روسيا، وتعزيز التحالفات الإقليمية. كما كثفت دول الخليج تعزيز قدراتها العسكرية والبنية التحتية الدفاعية الخاصة بها، من خلال استثمارات في الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا العسكرية، وتطوير صناعات دفاعية محلية. ومن المتوقع أن يدفع التوتر الأخير بين إسرائيل وإيران هذه الجهود قدماً".

 

ويرى الكاتب أن "الرؤية الجديدة لمجلس التعاون الخليجي للتعاون الأمني الإقليمي تكشف عن الطموح المتصاعد لدول الخليج في إدارة شؤون أمنها ذاتياً. ويهدف المشروع إلى تمكين الدول الست الأعضاء في المجلس من حماية وإدارة حدودها بشكل أكثر فاعلية. وتشمل مكونات الرؤية مناورات عسكرية مشتركة وأنظمة استخباراتية موحدة وبنى دفاعية متكاملة".

 

وتابع: "يسعى المجلس من خلال تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين وبناء شراكات استراتيجية وحماية الموارد الاقتصادية الحيوية والطاقة إلى تقليل الاعتماد على الأطراف الأمنية الخارجية. مع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة في تمكين دول الخليج من تولي أمنها بشكل كامل يعتمد على تكامل العمليات الإجرائية للأمن الحدودي، والتوافق السياسي بين الدول الأعضاء، والقدرة على التكيف السريع مع التهديدات الأمنية المتغيرة في المنطقة".

 

إلى جانب هذه الجهود الذاتية لبناء منظومة أمنية إقليمية، بدأت دول خليجية عديدة استثمارها بكثافة في صناعاتها الدفاعية المحلية، وغالباً ما تكون بشراكة مع شركات دفاعية عالمية كبرى - مثل شركة بايكار التركية المتخصصة في الطائرات المسيرة - بهدف تعزيز قدراتها الإنتاجية المحلية للأسلحة؛ وفق المقال.

 

أبرمت كل من السعودية والإمارات وقطر صفقات لشراء طائرات مسيرة تركية من طراز بايراكتار، تتضمن إنتاجًا مشتركًا ونقلًا للتكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت شركة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة السعودية اتفاقية مع مجموعة الصين للإلكترونيات للتكنولوجيا لتصميم وتصنيع الطائرات المسيرة بشكل مشترك في المملكة. كما وقعت الإمارات اتفاقية مع شركة الصين الوطنية لتصدير واستيراد تكنولوجيا الطيران لشراء أسطول من الطائرات التدريبية المتقدمة من طراز إل-15. 

 

علاوة على ذلك، اشترت كل من قطر والإمارات طائرات رافال المقاتلة الفرنسية، بينما تفيد التقارير بأن السعودية تدرس شراء طائرات مماثلة. كما تشكل أنظمة مراقبة الحدود مجالًا آخر للتركيز بالنسبة لهذه الدول. وبموجب اتفاقية حديثة بين شركة "آلات"، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، وشركة "داوا تكنولوجي" الصينية، سيتم تصنيع معدات المراقبة في السعودية.  

 

وبالمثل، استثمرت الإمارات في طائرات مسيرة محلية الصنع مزودة بقدرات مراقبة، كما تعاونت مع إسرائيل لتطوير نظام متقدم مشترك قادر على اعتراض الطائرات المسيرة والتهديدات الجوية الأخرى. 

 

يتابع الكاتب باعبود: أدى قرار الولايات المتحدة الأمريكية بوقف دعم العمليات الهجومية التي ينفذها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في الجمهورية اليمنية إلى تأثير كبير وفوري على طريقة قيام الرياض بشن الحرب في ذلك البلد. كما عزز هذا القرار الشعور في أبو ظبي بأن "إعادة الانتشار الاستراتيجي" الذي قامت به في عام 2019، والذي تضمن تسليم بعض المواقع العسكرية للمملكة العربية السعودية والانسحاب من المواجهة المباشرة مع جماعة أنصار الله، كان قرارًا صائبًا. 

 

ومع ذلك، وعلى الرغم من تخفيض مستوى مشاركتهما في الحرب ضد جماعة أنصار الله، تواصل كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تخوضان في كثير من الأحيان منافسة مع بعضهما البعض ومع جماعة أنصار الله نفسها، محاولاتهما للسيطرة على سواحل اليمن. وقد أصبحت الدولتان تعتبران الممرات التجارية البحرية الإقليمية، بما في ذلك تلك التي تمتد خارج المياه الإقليمية، حدوداً استراتيجية تشمل مجالات نفوذهما المنشودة، وحمايتها أمر بالغ الأهمية لمصالحهما الاقتصادية والجيوسياسية. 

 

تحقيقا لهذا الغرض، قامت كل من أبو ظبي والرياض بتمويل وإشراف تطوير البنية التحتية في الموانئ اليمنية الرئيسية (بما في ذلك جزر سقطرى وميون) وكذلك على طول منطقة القرن الأفريقي، بالتعاون مع الحكومات المعترف بها دوليا والميليشيات المحلية.

 

وكلما ترسخت هذه الفكرة في أن الممرات التجارية الإقليمية امتداد لحدودها الوطنية، زاد اعتقاد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بأن الإشراف وحتى السيطرة على الموانئ على البحر الأحمر وخليج عدن أمر أساسي لتعزيز الأمن القومي وحماية المصالح الاقتصادية. 

 

وأشار الكاتب عبدالله باعبود إلى تغير ديناميكيات الأمن. وقال: التوقيع على اتفاق تعاون عسكري بين السعودية وروسيا في أغسطس 2021، تبعها زيارة نادرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض وأبو ظبي في ديسمبر 2023، قد أظهرت عدم وجود رغبة كبيرة في الخليج لعزل روسيا. 

 

وتابع: "وبالفعل، حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على الحياد بشكل واضح في الصراع الروسي الأوكراني، ورفضت فرض عقوبات على موسكو. وبالمثل، يشير توقيع السعودية على اتفاق مصالحة مع إيران بوساطة صينية، إلى جانب الأنباء عن بناء قاعدة عسكرية صينية في الإمارات، إلى تعزيز العلاقات الصينية الخليجية".

 

وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية، دعم مجلس التعاون الخليجي إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مايو 2023، ساعياً إلى المصالحة مع حكومة الرئيس بشار الأسد. وتمثل عودة العلاقات الطبيعية بين دول مجلس التعاون الخليجي ونظام متحالف مع إيران وروسيا تحدياً للجهود البريطانية الرامية إلى صد النفوذ الإيراني والروسي، وقد يُغير ذلك موازين القوى الأمنية الإقليمية. 

 

إن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بحد ذاتها تُظهر تحولاً في سياسة دول الخليج، وذلك في ظل ما تشعر به هذه الدول من تراجع في الضمانات الأمنية الأمريكية. هذه الخطوة تُشكل ضغطاً على العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وتجعل جهود واشنطن لعزل طهران أكثر تعقيدًا. 

 

رغم ذلك، يجب الحذر من المبالغة في تأثير هذه التغيرات. إن التحولات في الأوضاع الأمنية بدول الخليج تعكس تراجعاً وليس انهياراً في الشراكة الأمنية مع واشنطن. فبالرغم من التقارب مع إيران و"محور المقاومة" المدعوم من طهران، وكذلك تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، فإن بعض دول الخليج عززت روابطها مع إسرائيل بدعم أمريكي. 

 

وأشار الكاتب في مقاله إلى موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على احتمالية بيعها لصواريخ باتريوت الاعتراضية للسعودية وصواريخ ثاد للإمارات، مما يشير إلى استمرار قوة الروابط الدفاعية بين واشنطن من جهة والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى. 

 

وقال: خلاصة الأمر من كل هذا، هي أن دول الخليج لا تتردد في في الحد من بعض الجوانب في علاقاتها السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة حتى مع استمرارها في تعزيز جوانب أخرى، وزيادة تعاونها مع إسرائيل مع تجنب التحالف معها، وذلك مع سعيها لتنويع شراكاتها الدولية. 

 

في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب بشكل متزايد، أضحت دول المجلس مضطرة إلى اتباع نهج أكثر مرونة في صنع القرار المتعلق بالشؤون الأمنية والسياسة الخارجية على حد سواء.

 

الخلاصة

يتطرق الكاتب باعبود في خلاصة مقاله إلى التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران ويقول إنه أدى "إلى تفاقم المخاوف الأمنية في منطقة الخليج، وعجل بتطور مفهوم الأمن الحدودي الذي بدأ يتشكل منذ عام 2019، عندما لاحظت دول الخليج تراجعاً في استجابة الولايات المتحدة للهجمات التي شنتها جماعة أنصار الله على الأراضي السعودية".

 

وأضاف: "كما أظهر التصعيد بين إسرائيل وإيران الترابط الوثيق بين التهديدات الأمنية عبر الحدود. وإن استخدام إيران للأجواء الأردنية لتنفيذ هجوم انتقامي على إسرائيل، بالتزامن مع تعطيل أنصار الله للملاحة في البحر الأحمر، كشف عن تحول جذري في مفهوم الأمن".

 

وأشار باعبود أن الأمن لم يعد مقتصراً على الحدود الجغرافية، بل يشمل الأبعاد الجوية والبحرية والرقمية. وبالنسبة لدول الخليج، مثل السعودية والإمارات وقطر، فإن هذه التطورات تفرض ضرورة إعادة النظر في سياساتها الخارجية والدفاعية. 

 

وتابع: "ورغم أهمية التحالفات التقليدية، فإن دول الخليج، التي ما زالت تحتفظ باتفاقيات أمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، تبحث عن ترتيبات أمنية جديدة مع الصين. وكمُكمل لهذا النهج، تسعى هذه الدول إلى تعزيز آليات الدفاع المشتركة بينها".

 

واختتم الكاتب بالقول: "وفي الوقت نفسه، تستثمر دول الخليج في الصناعات العسكرية المحلية، بما في ذلك أنظمة مراقبة الحدود والطائرات المسيرة والأمن السيبراني".

 

* للإطلاع على المادة الأصلية كاملة من هنا




تعليقات
square-white المزيد في ترجمات