آخر الأخبار
مجلة أمريكية تسلّط الضوء على "فشل الغزاة" في حل أزمة الكهرباء باليمن (ترجمة خاصة)
الاربعاء, 29 مايو, 2024 - 07:05 مساءً
نشرت مجلة ذا كريدل الأمريكية، مقالاً للكاتبة مودة إسكندر، وهي صحفية متخصصة في الشأن الخليجي، سلّطت فيه الضوء على واقع الخدمات الأساسية.
وقالت الكاتبة إن عدن تواجه أزمة كهرباء حادة "نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والفساد والتخريب المتعمد من قبل التحالف السعودي الإماراتي، مما يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي والحرارة الشديدة والاضطرابات العامة. لكن حكومة صنعاء المنافسة قد تكون بيدها مفتاح حل هذه الأزمة اليمنية الملحة".
وأضافت: "رغم كونها العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والتي تحظى بدعم السعودية والإمارات، تشهد مدينة عدن تصاعدًا في عدم الاستقرار الاقتصادي وارتفاعًا في معدلات التضخم. كما تعاني المدينة من اشتباكات عنيفة وعمليات الاختطاف والاغتيالات".
تزيد هذه التحديات، التي تتفاقم بسبب الصراع المستمر على الشرعية، من المعاناة السنوية لسكان المحافظة الجنوبية بسبب أزمة الكهرباء، خاصة خلال أشهر الصيف الحارقة؛ وفق الكاتبة.
وتقول إسكندر: تغرق عدن في ظلامٍ دامس نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي الذي يصل إلى 22 ساعة متتالية ودرجات حرارة تتجاوز الـ 40 درجة مئوية، مما أدى إلى احتجاجات شعبية واسعة النطاق. فقد جعل الحر الذي لا يُطاق المدينة تتأرجح على الحافة، مما يُسلط الضوء على فشل الغزاة في حل مشكلة الخدمات الأساسية التي تفاقمت بسبب تأثير حربهم المستمرة على المواطنين اليمنيين.
وتتابع: رغم من محاولات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا لقمع المتظاهرين بالقوة وإطلاق النار، إلا أن الاحتجاجات امتدت إلى محافظات حضرموت ولحج وأبين، وعمد المتظاهرون بعد أن قطعوا عدة طرق وأضرموا النار في الإطارات ضمن احتجاجاتهم، إلى اتهام قوات التحالف بممارسة "عقاب جماعي" بحقهم. وقد وصل غضب الشعب من دور الحكومة الموالية للتحالف إلى ذروته، حيث حاصر المتظاهرون قصر المعاشيق، مقر الحكومة، وطالبوا بقطع المياه والكهرباء عنه تضامنًا مع معاناة الجنوبيين.
أسباب الأزمة
تتعدد أسباب أزمة الكهرباء في عدن، إلا أن أبرزها يكمن في الفساد وسوء الإدارة وإهمال صيانة قطاع الكهرباء المتدهور. وفي الوقت الحالي، يفوق الطلب على الكهرباء بكثير على قدرة محطات توليد الطاقة في المدينة؛ وفق المجلة.
وتوضح الكاتبة في مقالها لمجلة ذا كريدل: يبلغ الطلب على الكهرباء في عدن إلى 700 ميغاواط سنويًا، في حين أن قدرة إنتاج محطات التوليد لا تتجاوز 500 ميغاواط. علاوة على ذلك، فإن معظم منشآت الطاقة في المدينة تعتمد على وقود الديزل الباهظ الثمن، والذي يستهلك 60% من إعانات الحكومة المالية.
وتشير أن قطاع الكهرباء في عدن يعاني من سوء إدارة المشاريع الكهربائية، إضافةً إلى إهمال صيانة القطاع المتدهور لسنوات. أضف إلى ذلك، انتشار الفساد بشكل كبير في القطاع، مما يجعل الكهرباء سلعة تجارية تدرّ أرباحًا كبيرة على الشخصيات المؤثرة، تقدر بملايين الدولارات سنويًا.
وإلى جانب ذلك – تقول الكاتبة مودة- تتم عرقلة مشاريع الاستثمار والتطوير، مثل إنشاء محطات توليد الطاقة باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
وتحدث الصحفي اليمني محمد القاعدي لـ "ذا كرادل"، قائلاً: إن سوء الإدارة والفساد وانعدام صيانة محطات الكهرباء وخطوط النقل، بالإضافة إلى اختلاس المشتقات النفطية المخصصة لتوليد الطاقة، هي الأسباب الجوهرية للأزمة.
ويرى القاعدي أن جوهر الأزمة يكمن في الرغبة المشتركة لكل من السعودية والإمارات في إبقاء مشكلة الكهرباء قائمة لأغراض استثمارية سياسية. يرى القاعدي أن الأزمة باتت ورقة مساومة بالنسبة للبلدين، يتم توظيفها من خلال وكلائهما في عدن.
وتقول إسكندر إن المجلس الانتقالي يسعى جاهدًا لتصوير الحكومة المعينة من قبل السعودية بأنها فاشلة في تقديم الخدمات الأساسية لعدن، بينما تتهم الأخيرة المجلس الانتقالي الجنوبي بعرقلة جهودها.
وعلى الرغم من امتلاك اليمن ثروة نفطية، تعاني البلاد بشكل لا لُزُوم له من أزمة كهرباء، ولا سيما في المناطق الجنوبية الغنية بالنفط والموارد الطبيعية، تضيف: الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تفاقم هذه الأزمة في المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي الإماراتي، مقارنة بالمحافظات الشمالية في حكومة صنعاء التي يسيطر عليها أنصار الله.
تتابع الكاتبة "يطرح هذا التناقض تساؤلاً مُلحًا: كيف يمكن لمناطق غنية بالنفط، تسيطر عليها اثنتان من أغنى دول غرب آسيا، أن تعاني من وطأة الحر الشديد في ظل انعدام خدمات الكهرباء الأساسية؟".
أزمة مفتعلة
وبإختصار، هذه " أزمة مفتعلة " تم تدبيرها بقرار سياسي سعودي إماراتي يهدف إلى تقويض الخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبالتالي عرقلة أي تقدم محتمل في هذه المناطق.
وعلى عكس المتوقع، فإن هذا القرار المتعمد يهدف إلى الحفاظ على سيطرتهم السياسية وحماية مصالحهم في جنوب البلاد.
يوضح الصحفي اليمني أحمد الحسني لـ "ذا كرادل" أن مشكلة الكهرباء في عدن لم تعد مجرد قصور في توفير الخدمات، بل أصبحت أداة سياسية يستخدمها التحالف لإجبار السكان على الخضوع.
تمثّل أزمة الكهرباء جانب واحد من عدة جوانب أخرى للمشاكل التي تواجه اليمن، بما في ذلك عدم الاستقرار الأمني، وانهيار قيمة العملة، وانقطاع الرواتب. هذه المشكلات مجتمعة هي التي دفعت الشعب اليمني للانتفاض ضد التحالف.
تداخل الأزمات مع بعضها: أدى انهيار العملة وأزمة البنك المركزي إلى شح الموارد المالية اللازمة لشراء وقود الديزل لتشغيل محطات الكهرباء، والتي تتطلب ميزانية ضخمة تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
لا تقتصر أزمة الكهرباء على ضعف قدرة توليد الطاقة، بل تتعداها لتشمل نقص الوقود والقيود المالية. مما جعل مسألة الكهرباء بمثابة مستنقعٍ يلتهم موارد مالية ضخمة.
تعد الوعود بتحويل عدن إلى "دبي الثانية " من خلال الترويج لمشاريع وهمية، دليلاً آخر على عرقلة التحالف لأي حلول. يقدّم الحسني أدلة تشير إلى أن إصلاح قطاع الكهرباء يعتبر خطًا أحمرًا بالنسبة للتحالف.
كذلك، يعتبر اتهام المجلس الانتقالي الجنوبي للسعودية في وقت سابق باحتجازها مولدات كهرباء متجهة إلى عدن في ميناء جدة دليلاً آخرًا. الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو قيام البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن بمصادرة المولدات المخصصة لإعادة تأهيل مطار عدن الدولي، بحجة عدم توافقها مع نظام الكهرباء بالمطار.
وبالمثل، جلب الإمارات لمولدات معطلة وقديمة غير صالحة للعمل في القطاع، دليل آخر على عرقلة جهود تحسين الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، لم تفِ أبوظبي بوعدها ببناء محطة طاقة شمسية بقدرة 120 ميجاوات.
تدمير متعمد
تتابع المجلة الأمريكية سرد واقع الكهرباء في عدن بالقول: تواجه أزمة الكهرباء في عدن تحديين رئيسيين، التدمير المتعمد للقطاع منذ بداية الحرب على اليمن في مارس 2015، والنهب الممنهج لموارد النفط في البلاد من قبل التحالف السعودي الإماراتي.
وتضيف: تعرّضت أكثر من 13 محطة كهرباء في محافظات عدن ولحج وشبوة وأبين للتدمير منذ عام 2015. استهداف مصافي النفط بشكل متعمد أدى إلى تفاقم ازمة الكهرباء، ما اضطر الحكومة للتعاقد مع شركات خاصة (موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي) لتوليد الكهرباء. وقد الاعتماد على القطاع الخاص لتوليد الكهرباء إلى إرهاق البنية التحتية المتدهورة أصلاً.
وتقول: بسبب قيام التحالف السعودي الإماراتي بنهب النفط بشكل منهج في الجنوب اليمني، اضطرت الحكومة اليمنية لاستيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء. هذه المشكلة تتعارض مع قلة القيود المالية التي تعاني منها الحكومة. ووفقًا لتقديرات سلطات حكومة صنعاء فإن خسائر قطاع النفط والمعادن في اليمن تجاوزت 45 مليار دولار خلال ست سنوات من الحرب.
وتؤكد الكاتبة والصحفية مودة إسكندر: لم يقتصر دور التحالف على نهب النفط، بل قام أيضًا بعرقلة وصول الوقود والمشتقات النفطية إلى اليمن. مما أدى إلى نقص حاد في إمدادات الطاقة، وارتفاع هائل في أسعار الوقود والكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، تورط التحالف في عمليات تهريب منظمة للنفط اليمني، ونهب ما يزيد عن 9 مليارات دولار منذ اندلاع الحرب.
وبعد أن سيطرت على حقول النفط في محافظات جنوب وشرق اليمن، استخدمت الرياض عدة خطوات لنهب النفط اليمني، حيث حصل السعوديون على اتفاقيات لاستغلال قطاعات المثلث الأسود النفطية في مأرب وشبوة والجوف.
علاوة على ذلك، أوقفت السعودية عمليات التنقيب عن النفط الجديدة في محافظتي الحديدة والجوف، وفرضت قيودًا صارمة على صادرات النفط والغاز اليمني، بهدف توفير الوقود لمرتزقتها.
نهب ثروات اليمن
بالأرقام؛ يتم نهب ما يُقدّر بـ 120.000 برميل نفط يوميًا، أي ما يعادل 12.5 مليون برميل سنويًا. يمكن أن تغطي إيرادات يومين فقط من إنتاج النفط اليمني رواتب موظفي الدولة لشهر كامل. إلا أن هذه الأموال يتم تحويلها إلى البنك السعودي الوطني.
يسيّطر التحالف على موانئ النفط والغاز، مما يحول دون قيام حكومة مجلس القيادة الرئاسي بتصدير الموارد والاستفادة من عائداتها. كما تحتجز القبائل والميليشيات المسلحة التي يمولها المجلس الانتقالي الجنوبي شاحنات إمدادات الوقود المتجهة إلى محطات توليد الكهرباء في عدن وذلك في محافظتي شبوة ومأرب.
وبالتالي، تُحرم المناطق الجنوبية من استخراج النفط الخام من حقول مأرب وحضرموت وشبوة وتكريره في مصافب عدن وصافر بمأرب. من شأن تكرير النفط في تلك المصافي إنتاج الديزل والوقود اللازم لمحطات الكهرباء، وتجنب الحاجة إلى الاستيراد بأسعار مُبالغة وجودة رديئة.
وكما يصف المحلل السياسي طالب الحسني الوضع لمجلة " ذا كرادل": تكمن أزمة الكهرباء في سببين رئيسيين. الأول، هو قرار أمريكي خليجي، سعودي تحديدًا، يهدف إلى منع اكتشاف المزيد من آبار النفط في اليمن منذ التسعينات.
على الرغم من قدرة اليمن على إنتاج مليوني برميل يومياً، إلا أنها لا تصدر سوى 400 ألف برميل يومياً. هذا الحظر، الذي تم بتواطؤ مع النظام السابق، أدى إلى تدهور البنية التحتية ومنظومة الخدمات في اليمن. أما السبب الثاني فيرتبط بصراع القوى الإماراتي السعودي.
يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي، بتوجيهات من أبوظبي، على إبقاء عدن دون خدمات لإلقاء المسؤولية على الحكومة المدعومة من السعودية.
يشير الحسني إلى أن حكومة صنعاء المعارضة تغلبت على الأزمة من خلال تعزيز محطة كهرباء الحديدة الساحلية. على الرغم من اختلاف حجم المدينتين وكثافة السكان بينهما، إلا أن صنعاء تمكنت من حل مشكلة الكهرباء لأكثر من 80% من سكان اليمن.
فرض الردع
في أكتوبر من 2022، لجأت القوات المسلحة المتحالفة مع أنصار الله إلى سياسة ردع جديدة لوقف نهب ثروات اليمن. فقد هدّدت هذه القوات باستهداف ناقلات النفط المتجهة إلى الموانئ التي يسيطر عليها التحالف والفصائل التابعة له.
كما حذّرت شركات النفط والشحن الأجنبية من المخاطر المترتبة على استمرار نهب النفط اليمني، الذي كان يمول 80% من الموارد العامة في البلاد قبل الحرب.
وفي إطار جهودها لتخفيف الأزمة، اتخذت حكومة صنعاء خطوات للسماح بتزويد محطات الكهرباء في عدن بالوقود من قطاعات النفط في محافظتي شبوة ومأرب. كما قدمت صنعاء أيضًا لعدن عشرات الخزانات من الغاز البترولي المستورد، معربة عن استعدادها لتزويد خصومها في الجنوب بالوقود.
يقترح الحسني أن تساعد صنعاء في إصلاح وإعادة تأهيل محطة كهرباء عدن وتزويدها بالمشتقات النفطية، على غرار ما تم القيام به مع محطة كهرباء الحديدة. كما توجد ضغوط على مأرب لتوفير وقود الديزل وتفعيل دور القطاع الخاص لتنظيم أسعار فواتير الكهرباء.
تتضمن جهود التخفيف من أزمة الكهرباء في اليمن عدة إجراءات. تشمل الردع ومبادرات توفير الوقود وإعادة تأهيل البنية التحتية. وتعتبر الإجراءات الاستباقية والردع الاستراتيجي الذي تتخذه الحكومة الفعلية في صنعاء أمراً بالغ الأهمية لمعالجة الأزمة وإعادة الاستقرار إلى المناطق المتضررة.
وتختتم المجلة بالقول: ومع ذلك، فإن حل هذه القضية يتطلب إرادة سياسية قوية على المدى الطويل وإجراءات منسقة لضمان حلول مستدامة لقطاع الطاقة في اليمن.