آخر الأخبار
كيف غيّرت حرب غزة الرأي العام في عُمان ضد حلفاء السلطنة الغربيين؟.. موقع بريطاني يجيب
عمانيون يتظاهرون في العاصمة مسقط دعما لغزة
السبت, 09 مارس, 2024 - 02:13 صباحاً
قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن حرب غزة وأزمة البحر الأحمر وضعت سلطنة عمان في موقف صعب مع حلفائها الغربيين التقليديين، الذين يُنظر إليهم الآن كمعتدين بتمكينهم "إسرائيل" من ارتكاب إبادة جماعية.
وأضاف الموقع، في مقال للكاتب جو جيل، الصحفي المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، والذي عمل في كل من لندن وسلطنة عُمان، "أن المزاج السائد في مسقط هذه الأيام، كما وجدته في زيارة أخيرة لها، هو بالتأكيد معاد للغرب، فهذه عمان، المعروفة بلطفها الذي لا يخلو من المجاملات".
وأكد الكاتب، أن "الحرب التي تشنها اسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا ضد الفلسطينيين في غزة حولت الرأي العام العماني ضد حلفاء السلطنة الغربيين".
وفي هذا الشأن، قال قاسم، صاحب ورشة لإصلاح السيارات من مسقط، والذي ألقى باللوم أيضًا على الولايات المتحدة في تسليح إسرائيل في حربها على الفلسطينيين: "المشكلة في الدول الغربية هي أنها تروج لصورة سيئة عن العرب والمسلمين. هذا ليس عدلاً".
وقالت لينا شحادة، وهي فلسطينية تعيش في السلطنة وترتدي الكوفية بفخر على كتفها الأيمن، لموقع ميدل إيست آي: "فلسطين متجذرة بعمق في قلوب العمانيين، وذلك ليس امرا جديدا عليهم بدأ لتوه اليوم.
ويقول العمانيين "هذا ما تعلمناه منذ المهد في رياض الأطفال، خريطة وعلم فلسطين مطبوعان، يعلمونهم ذلك - ترى الأطفال يرسمون العلم الفلسطيني في مدارسهم".
وكانت أكثر شخصية بارزة صريحة تعبر عن آراء الشعب حول الحرب في غزة هو مفتي عمان الكبير الشيخ أحمد بن حمد الخليلي. عندما رحب في نوفمبر/ تشرين الثاني باستيلاء الحوثيين على سفينة شحن في البحر الأحمر.
وقال الخليلي في منشور على إكس إنه يدعم "جهاد" الحوثيين ودعا "كل الشعب اليمني الشقيق إلى التوحد حول هذه المبدأ الديني العظيم لدعم المظلومين والمضطهدين من إخواننا في فلسطين."
هذا ليس موقف الحكومة العمانية، الحليف الغربي الذي يحافظ على علاقات غير رسمية لكن طويلة الأمد مع إسرائيل. لكن المفتي من أكثر الشخصيات شعبية في البلاد، وتصريحاته بشأن حرب غزة وحصار الحوثيين للبحر الأحمر تتماشى مع قطاعات كبيرة من الرأي العام.
ويقول مراقبون إن ديناميكية القوة بين سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق الذي تولى السلطة بعد وفاة السلطان الراحل قابوس بن سعيد عام 2020، والمفتي الذي يشغل منصبه منذ عقود، تمنحه الأخير درجة من الاستقلالية عن الحكومة. كما اكتسبت تصريحاته القوية المؤيدة للمقاومة شعبية خارج عمان.
ووفقاً لموقع "ميدل إيست آي"، تحظى مقاطعة السلع الغربية بشعبية واسعة النطاق في سلطنة عمان، حيث تؤثر على أمثال ستاربكس وكارفور وماكدونالدز، مع تصاعد عدوان إسرائيل على قطاع غزة.
وأضاف "عكست الخطوة العمانية المتمثلة في الموازنة بين الحفاظ على علاقتها مع الغرب وإفساح المجال للغضب الشعبي بشأن حرب غزة في خطاب حديث لوزير الخارجية السيد بدر البوسعيدي القاه في جامعة أكسفورد.
وقال البوسعيدي الشهر الماضي إنه على غرار جيرانها، تعاني عمان من عواقب الأزمة في غزة، وأن وقف إطلاق النار ضرورة إنسانية واستراتيجية. كما دعا إلى مؤتمر دولي طارئ للاعتراف بدولة فلسطينية.
ومما يلفت الانتباه قول الوزير إنه لا يمكن القضاء على حركة "حماس" كما اكتشفت إسرائيل في خمسة أشهر من قصف غزة حتى تحولت إلى ركام، مضيفاً ان "حركات التحرر الوطنية كحماس متاصلة بعمق شديد في مجتمعاتها. ستبقى قضيتهم حية بغض النظر عن عدد التضحيات التي تقوم بها. لذلك، إذا كان لابد من سلام، فيتعين على صانعي السلام إيجاد طريقة للتحدث معهم. والاستماع إليهم ".
وانتقد البوسعيدي الافتراض الغربي بأن شعوب الشرق الأوسط مقيدة بالفكر الطائفي لدرجة أنها غير قادرة على اصدار نوعية الأحكام المعقدة التي اعتادت عليها شعوب الغرب الليبرالي، وأن هذه النظرة خاطئة ومتعالية. مضيفا ان: "التعددية ليست امتيازًا للنخبة الغربية بل هي جزء حيوي من تاريخ وواقع العالم العربي".
وكانت هذه التعليقات موجهة بوضوح إلى حلفاء عُمان في الولايات المتحدة وبريطانيا، الذين أدانوا حماس ودعموا حرب إسرائيل للقضاء عليها في غزة، وهو ما لم يحقق هدفه بينما قتلت عشرات الالاف من الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال، بحسب موقع "ميدل إيست آي"ز
الحفاظ على تحالف مع المملكة المتحدة
ظاهريًا، تظل العلاقات بين بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة، وسلطنة عمان قوية، حيث قامت المملكة المتحدة ببناء قاعدة تدريب جديدة بالقرب من ميناء الدقم العماني وتوسيع قاعدتها البحرية هناك، بجانب القاعدة البريطانية يوجد ميناء الحاويات التجاري، الذي يتم بناؤه في الغالب بأموال صينية.
في حين أدانت عمان الفظائع الإسرائيلية في غزة وعارضت الغارات الجوية على الحوثيين اليمنيين، تظل الدولة عقدة رئيسية في الوجود العسكري البريطاني والأميركي في الخليج.
وحسب "ميدل إيست آي"، تظل بريطانيا أكبر مستثمر في عمان، على الرغم من أن هذا الاستثمار يتركز بشكل أساسي في قطاع النفط والغاز، حيث تتمتع لندن منذ فترة طويلة بحقوق تفضيلية للتنقيب عن النفط والغاز وتصديرهما، بفضل نفوذها التاريخي في مسقط.
في المقابل، تحتل الصين المرتبة الأولى تجاريا، حيث تصدر عمان 80 في المائة من نفطها وغازها إلى الصين. واللافت للنظر أن المملكة المتحدة لم تعد من بين أكبر 20 شريك تجاري مع مسقط، وفقًا لإحصاءات التجارة الصادرة عن مكتب الجمارك العماني لعام 2021، التي اطلعت عليها ميدل إيست آي.
والامر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمملكة المتحدة، هو أن العمانيين الذين تحدث إليهم موقع "ميدل ايست آي" قالوا إن الدعم البريطاني لتدمير الإسرائيليين لغزة منذ أكتوبر جعل "المملكة المتحدة واحدة من أكثر الدول المكروهة في العالم" بين العمانيين العاديين، جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة.
ففي اجتماع عقد في موسكو بين ولي العهد العماني، ذي يزن بن هيثم آل سعيد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ديسمبر، قال ولي العهد، نجل السلطان: "أشاركك في جميع تقييماتك فخامة الرئيس بوتين للوضع الدولي الحالي، في المقام الأول فيما يتعلق بالحاجة إلى إنهاء النظام العالمي الظالم الحالي وسيطرة الغرب، فضلاً عن بناء نظام عالمي جديد وعادل، وعلاقات اقتصادية بدون معايير مزدوجة".
وفي الثاني عشر من يناير، عندما شنت الولايات المتحدة وبريطانيا غارات جوية أولى على اليمن، أعلنت عُمان منطقة حظر جوي لجميع الطائرات العسكرية الغربية المتجهة إلى اليمن، كما أفادت الجزيرة.
تشير عدد الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين عُمان والمملكة المتحدة -حيث قام وزير الخارجية ديفيد كاميرون بزيارة إلى مسقط في نهاية يناير، وزيارة البوسعيدي إلى بريطانيا، ثم "زيارة خاصة" للسلطان هيثم إلى المملكة المتحدة في نهاية فبراير -إلى أن الطرفين يرغبان في التأكد من عدم تأثير التوترات بسبب دعم المملكة المتحدة لحرب إسرائيل وضرباتها على اليمن على هذه العلاقة التاريخية.
دور عُمان في أزمة البحر الأحمر
وبشأن تطورات الأزمة في البحر الأحمر، قال موقع "ميدل إيست آي"، إن الأزمة هناك تضع عُمان في موقف خاص، فيما يتعلق بالتجارة البحرية عبر طريق الشحن الرئيسي على طول سواحلها وصولًا إلى مضيق باب المندب في البحر الأحمر.
مع استهداف السفن الغربية، خاصة السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا، من قبل الحوثيين، ترسو سفن الحاويات المتجهة إلى الغرب في صلالة، التي تديرها الشركة الدنماركية ميرسك، التي استخدمت الميناء العماني الجنوبي لإعادة توجيه الكثير من شحناتها.
يقول شحادة، النائب الأول للاتصالات في شركة موانئ عُمان أسياد للموقع: "نحن نعلم أن الكثير من السفن، حتى لو لم تكن لها علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة أو دول غربية أخرى، تتوقف في صلالة، فلديها الكثير من المخاوف إذا ما فكرت في العبور عبر البحر الأحمر".
وأضاف "في الأوقات العادية، كانت السفن تتوقف في جدة في طريقها إلى ساحل البحر الأحمر السعودي؛ ولكن بسبب الأزمة، يبدو أن صلالة مكتظة بالسفن بالكامل ويوجد الكثير من الازدحام في الميناء.
وتابع شحادة حديثه: "يتم استخدام صلالة لإعادة الشحن بدلاً من التوقف في جدة فمن الأسلم عدم التوقف في البحر الأحمر... أو التوقف في صلالة أو صحار".
ويمكن أيضًا نقل الحاويات للشحن البري، وتُسهِّل "أسياد" العُمانية ذلك داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وفقًا لما قاله شحادة.
وأردف: "هناك أيضًا الكثير من الاهتمام، على الأقل من الجانب التجاري، بأننا نتابع السفن التي تتوقف في صلالة... أي سفن تُعيد توجيهها إلى صلالة، نحتاج إلى معرفتها".
واستطرد: "يمكن للسفن أن تتخفى تحت أعلام أخرى في محاولة لإخفاء الملكية، كما فعلت إيران في محاولتها للالتفاف على العقوبات الأمريكية على صادراتها النفطية. ولكن ذلك لم يمنع ذلك الحوثيين من استهداف السفن استنادًا إلى المعلومات المتاحة للجميع، سواء كانت صحيحة أم لا.
وفقا للكاتب جو جيل، فإن علاقة سلطنة عمان مع أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء ممتدة، وبالتالي لن يتم استهداف شحنها. وقد استضاف مسؤولون عُمانيون محادثات بين الحوثيين والسعوديين للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن، ومرافقة أول وفد سعودي علني الى صنعاء في أبريل 2023 وأول وفد حوثي عام للرياض في سبتمبر.
في هذه الأيام، على عكس الأيام الماضية، فإن عُمان والسعودية متماشية بشكل أكبر في مواقفها الإقليمية، كما هو الحال في اليمن، حيث توصلت السعودية إلى اتفاق هدنة مع الحوثيين بعد ثمانية أعوام من الحرب، وحيث ترى الرياض أيضًا شرق اليمن كبوابة لخطوط أنابيب النفط إلى المحيط الهندي.
المهرة التي تقع شرقي اليمن، على الحدود العمانية، تحظى بدعم من قبل مسقط، حيث تمنح الجنسية العُمانية لشخصيات بارزة بما في ذلك ابن اخر سلاطين المهرة الذي تم منحه الجنسية العمانية.
ونقل "ميدل إيست آي"، عن محلل عُماني (لم يسميه) القول: "لم تتماشَ عُمان مع رؤية الإمارات للسيطرة على جنوب اليمن من خلال القوى الانفصالية في عدن.فهم يرغبون أن يكون اليمن موحدًا، ولا يريدون وجود جماعة انفصالية في الجنوب." وواجهت عُمان تمردًا انفصاليًا في ظفار عبر الحدود، قبل نصف قرن تقريبًا.
شعبية الحوثيين
وأوضح المحلل العُماني، انه منذ فرضهم حصارًا على البحر الأحمر لجميع الشحنات المرتبطة بإسرائيل، والتي توسعت لتشمل معظم الشحنات الغربية، بعد الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضدهم، أصبحت جماعة أنصار الله، في الشمال الأكثر شعبية في العالم العربي، كما قال المحلل العماني.
أما بخصوص كيف يرى الشباب العماني المستقبل، وكيف ينظرون إلى الغرب في ظل حرب غزة، والضربات الجوية الأمريكية البريطانية على اليمن، والاشتباكات في البحر الأحمر؟، أجاب المحلل العماني "إن الحرب في غزة تجعل الأمر مقنعًا للغاية بأن الطريقة الوحيدة لتغيير هذا الظلم الذي يحدث امامنا هو أن يكون لديك حركة مثل الحوثيين، وحزب الله، وحماس".
مجرد الشعور بأن الأمور لا يمكن تغييرها سلميا، وأنه لا يوجد عدالة، نتج عن تقاعس الحكومات العربية فيما يتعلق بغزة، ودور الولايات المتحدة في دعم الحرب الوحشية لإسرائيل. "سيكون لهذا عواقب، حتى في بلد مثل عُمان"، يحذر المحلل.
وأضاف "لأن الحكومات العربية الرسمية لا تفعل شيئًا، وهذا أمر خطير جدًا. إن الحرب في غزة تخلق جوًا يجعل الأمر مقنعًا للغاية بأن الطريقة الوحيدة لتغيير هذا الوضع الظالم الحالي هي أن يكون لديك حركة مثل الحوثيين، وحزب الله، وحماس - إذا لم تكن عنيفًا بما فيه الكفاية، فلن يحترمك أحد؛ إذا ما حاولت فقط أن تكون سلميًا، فلا يوجد طريقة لتغيير أي شيء."
وفقًا لاستطلاع رأي في يناير حول الحرب على غزة، يرغب معظم الناس في المنطقة في أن تقاطع حكوماتهم "إسرائيل" وتقدم المساعدات لغزة، ولكن لديهم آراء سلبية حول مواقف النظم العربية من الحرب:
رأى ثلثهم سياسات دولة الإمارات والسعودية بشأن غزة سيئة أو سيئة للغاية. ورأى الغالبية العظمى أن الولايات المتحدة وبعد ذلك إسرائيل بوصفهما التهديد الأكبر. معظم الذين شاركوا في الاستطلاع بنسبة 59 في المئة يعتقدون أن السلام مع إسرائيل مستحيل. وذلك يعني بطبيعة الحال المزيد من الحروب.
ويقول المحلل العماني، إن "الخطاب نفسه الذي كان ينتشر خلال غزو العراق يعود مجددا،" مضيفاً "إنه نفس الجو حين أصبحت داعش شعبية، حيث أصبح حزب الله شعبيًا في عام 2006 عقب هجوم إسرائيل على لبنان وبعد ذلك، استفاد كل هؤلاء الشخصيات مثل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق أبو مصعب الزرقاوي، أسامة بن لادن، من هذا الجو الذي خلقته هذه الحكومات الفاسدة والضعيفة، وبدعم الولايات المتحدة نفسها- حيث تمتلك عقيدة بأنه لا يمكنك تغيير الأمور بسلام".
وتابع: "يجب على العالم بأسره اليوم أن يشعر بالقلق حيال هذا الوضع، لأنه سيكون له عواقب وتداعيات أكبر بكثير مما هي عليه الآن."