آخر الأخبار
بعد نحو 200 سنة من اكتشافها...مادة على وشك تغيير العالم
الثلاثاء, 01 أغسطس, 2023 - 01:18 صباحاً
لا أحد يعرف من الذي اكتشف مادة "بيروفسكايت" perovskite. جمعت عينة من الكريستال [بيروفسكايت نوع من الكريستال] في جبال الأورال في روسيا في أوائل القرن التاسع عشر، قبل أن تشق طريقها إلى مختبر عالم المعادن الألماني غوستاف روزه، الذي أطلق عليها اسمها [بيروفسكايت] رسمياً في عام 1839. لم يكن يعرف هذه المادة آنذاك، ولكن خصائصها الاستثنائية حظيت بالإشادة بعد مرور نحو 200 سنة، ذلك أنها تعد بإحداث ثورة في مجال الطاقة المستخرجة من مصادر طبيعية متجددة.
بدأ التعرف إلى إمكانات هذه "بيروفسكايت" في عام 2009، عندما شرع الباحثون في اليابان في إجراء تجارب صغيرة على المادة بغية استكشافها، ووجدوا أن تسليط ضوء ساطع عليها أدى إلى إطلاق شحنة كهربائية صغيرة. يومها، استطاع فريق البحاثة توفير 3.8 في المئة فقط من كفاءة تحويل الطاقة [النسبة بين الطاقة المستفادة من آلة إلى الطاقة المستهلكة] على سطح صغير، أي جزء بسيط من نحو 20 في المئة من كفاءة الألواح الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون، ولكن الاكتشاف أفضى إلى مجال بحثي جديد.
بحلول 2017، وبفعل التقدم الباهر كانت معدلات الكفاءة قد تجاوزت فعلاً 22 في المئة، مما حمل البروفيسور الرائد في الفيزياء فالي فارديني من "جامعة يوتا" الأميركية إلى وصفها بـ"المادة المعجزة". كذلك وصفها علماء آخرون بـ"المادة العجيبة" القادرة على تحقيق أهداف صافي الصفر الطموحة من الانبعاثات الحرارية التي حددها الخبراء آنذاك، ما دام في المستطاع تحقيق إمكاناتها خارج المختبر.
في مايو (أيار) من العام الحالي، سجلت كفاءة لوح شمسي ذي حجم تجاري رقماً قياسياً جديداً، مما جعل الإنتاج الضخم أخيراً قريب المنال. حققت هذا الإنجاز شركة "أوكسفورد بي في" Oxford PV البريطانية الناشئة، التي سجلت رقماً قياسياً عالمياً في الكفاءة بلغ 28.6 في المئة، مستخدمة تصميماً ترادفياً مصنوعاً من "البيروفسكايت" والسيليكون [أي أن مادة "البيروفسكايت" فيه تشكل رديفاً مكملاً للمواد التي تؤلف الخلايا الشمسية التقليدية، وأساسها مادة السيليكون]، ويتوسل المادتين كلتيهما لالتقاط الطاقة من أجزاء مختلفة من الطيف الشمسي.
الآن، تعمل الشركة المنبثقة من "جامعة أكسفورد" على تسويق هذه التكنولوجيا، بغية بدء الإنتاج الواسع النطاق في مصنع في ألمانيا لاحقاً هذا العام. إذا كتب لها النجاح، ستكون الشركة قادرة على تلبية الطلبات الأولى للزبائن بحلول منتصف عام 2024.
في الحقيقة، بلغت الألواح الشمسية المصنوعة من السيليكون الحالية حدودها القصوى. في تصريح أدلى به إلى "اندبندنت" قال كبير مسؤولي التكنولوجيا في "أكسفورد بي في" كريس كيس إن "هذه المادة ليست بمعجزة. صحيح أنها فريدة ولكن فرادتها ناتجة من العلم. التطورات في هذه المادة عبارة عن تلاعب بالذرات على المستوى الذري".
قال الدكتور كيس إن لدى شركته خريطة طريق لدفع معدل كفاءة ألواحها الشمسية التجارية إلى ما يزيد على 30 في المئة خلال العامين المقبلين، مضيفاً أن تصاميم شركته ستكون مناسبة لاستخدامها على أسطح المنازل وفي مزارع الطاقة الشمسية على نطاق المرافق. إلى جانب التخزين الكافي للبطارية، ستكون هذه المعدلات كافية لتلبية الطاقة المطلوبة لسكان المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
يبلغ الحد النظري الأقصى لهذه الخلية الشمسية متعددة الوصلات 43 في المئة، أي أكبر كثيراً من الحد النظري الأقصى البالغ 29 في المئة للخلية المصنوعة من السيليكون وحده. يعتقد العلماء أنهم يستطيعون الوصول إلى نحو 90 في المئة من هذا الحد النظري، لا سيما أن الأنظمة الصغيرة من هذه الألواح سبق أن بلغت معدلات كفاءة أكبر من 33 في المئة في ظروف المختبر.
سجل باحثون من "جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا" ("كاوست" KAUST) في المملكة العربية السعودية الرقم القياسي [في كفاءة تحويل طاقة خلية شمسية ترادفية]، مؤسسين بذلك معياراً مرجعياً بعد الاستفادة من مبالغ مالية ضخمة من التمويل الحكومي المخصص لتكنولوجيات الطاقة النظيفة بغية مكافحة الأضرار الناجمة عن استغلال احتياطات النفط المهولة في البلاد.
قال المدير المساعد الموقت لمركز الطاقة الشمسية التابع لـ"جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا" ستيفان دي وولف، إن السعي في تحقيق أرقام قياسية جديدة "خطوة بالغة الأهمية في تحقيق أهداف الطاقة المتجددة بسرعة، من أجل مكافحة تغير المناخ".
على رغم أن "البيروفسكايت" أكثر المعادن وفرة على الكوكب، إذ تشكل 38 في المئة من كتلة الأرض، علماً أن معظمها مدفون في أعماق طبقة الوشاح من باطن الأرض، فإن البيروفسكايت المستخدم في الخلايا الشمسية يصنع بالكامل من مواد شائعة من قبيل البروم bromine والكلور chlorine.
بناء عليه، يكون إنتاجها أقل كلفة كثيراً من إنتاج خلايا السيليكون، ولكن حتى وقت قريب، واجه العلماء صعوبات جمة في جعلها متينة بما يكفي لإنتاجها على نطاق واسع. للأسف، تتدهور كفاءتها بسبب الماء والحرارة والأوكسجين، في حين أن الألواح الشمسية التجارية تتعرض لهذه العوامل بشكل متكرر.
وفق الدكتور كيس، "التحدي الأكبر حتى الآن قوة التحمل والموثوقية. [تتمتع هذه التكنولوجيا] بالفعل بكفاءة كبيرة، أعلى كثيراً من كفاءة خلايا السيليكون الحالية، لذا نبذل معظم جهودنا في البحوث والتطوير على تعزيز الموثوقية، وليس الكفاءة."
في العادة يبلغ العمر التشغيلي للألواح الشمسية التجارية نحو 20 عاماً، وهو الهدف الذي حددته "أكسفورد بي في" بالنسبة إلى ألواح الجيل التالي. باستخدام اختبار الإجهاد المتسارع لمنتجها، تدعي الشركة الناشئة أن عمر الخلايا الشمسية البيروفسكايتية- السليكونية الأولى التي ستكون في متناول الزبائن سيتراوح بين 20 و30 عاماً.
إذا حققت النجاح في هذا المشروع، ستكون الشركة الأولى في العالم التي تنتج على نطاق واسع مثل هذه الألواح الشمسية العالية الكفاءة. ومن بين الشركات الأخرى التي تأمل في تحقيق إنجازات مماثلة الشركة الصينية الناشئة "رينشاين سولار" Renshine Solar، التي تعكف على تصميم لوح شمسي مصنوع من "البيروفسكايت" فحسب، زاعمة أنها قادرة على تصنيعه بنصف كلفة خلايا السيليكون. يعد الحد النظري الأقصى البالغ 33 في المئة لكفاءة خلايا البيروفسكايت الشمسية (PSCs) متواضعاً نسبياً مقارنة مع الخلايا البيروفسكايتية- السيليكونية الترادفية، لكن شركة "رينشاين سولار" تدعي أن مصنعها سيعمل بكامل طاقته بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل.
كذلك أظهرت "البيروفسكايت" إمكانية ابتكار طرائق جديدة لتعزيز كفاءة الألواح الشمسية بشكل أكبر، إذ كشف "المختبر الوطني للطاقة المتجددة" التابع لوزارة الطاقة الأميركية (NREL) أخيراً عن لوح شمسي جديد ثنائي الوجه قادر على توليد الكهرباء من طاقة الشمس من الوجهين كليهما الأمامي والخلفي. من خلال حصاد أشعة الشمس المنعكسة [بمعنى أنه يمكنها أيضاً امتصاص الطاقة التي تنعكس على الأرض]، يرفع الجهاز إنتاج الطاقة الإجمالية للوح الشمسي بنسبة تصل إلى 20 في المئة.
تشمل التطورات الحديثة الأخرى التي تنطوي على "البيروفسكايت" ألواحاً ذاتية الإصلاح يسعها استرداد 100 في المئة من كفاءتها الأصلية بعد تعرضها للضرر نتيجة إشعاع الفضاء. بخلاف الطاقة الشمسية، من شأن "البيروفسكايت" أن تطرح آثاراً ضخمة على مجالات كثيرة من البطاريات إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية، إذ يزعم بعض العلماء أن في مقدورها زيادة سرعة الإنترنت ألف مرة.
ربما يبقى اكتشافها الأساس في جبال الأورال غامضاً إلى الأبد، ولكن تحقيق إمكاناتها الحقيقية على نطاق عالمي ربما يثبت أنها معجزة. البروفيسور فارديني، الذي كان العالم الأول الذي يصفها بالمادة المعجزة قبل ست سنوات، أخبر "اندبندنت" أن أحدث التطورات تظهر كيف أن تسخير الخصائص الرائعة لـ"البيروفسكايت" قد أفضى فعلاً إلى تحول جذري في مصادر الطاقة المتجددة. وقال "لقد حققت حلماً".