آخر الأخبار
توقف تصدير النفط ..التحدي الحوثي الذي يبدد آمال الحكومة ويثير ذعر المواطن(تقرير خاص)
هجمات الحوثيين توقف تصدير النفط في الموانئ جنوبي البلاد
الأحد, 18 ديسمبر, 2022 - 09:57 صباحاً
تحد كبير جداً أشهره المتمردون الحوثيون في وجه الحكومة اليمنية الغارقة أساساً في بحر من التحديات من خلال استهدافهم للموانئ النفطية في المحافظات المحررة وتعطيل تصدير النفط، آخر عصب في بنية الاقتصاد اليمني المتهالك، والمصدر الأكبر للعملة الصعبة في البلاد .
دشن الحوثيون هذه الحرب الجديدة عبر مهاجمة ميناء الضبة النشط في محافظة حضرموت ومينائي قنا والنشيمة في محافظة شبوة، بالطائرات المسيرة ، ومنعوا عدداً من ناقلات النفط الأجنبية من الاقتراب من منصات الشحن منذ نهاية الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في البلاد خلال الفترة بين الثاني من أبريل والثاني من أكتوبر الماضي ، وذلك في سبيل فرض اشتراطات سياسية جديدة ترفضها الحكومة اليمنية، ويصفها المجتمع الدولي بالمتطرفة.
وتشترط جماعة الحوثي على الحكومة اليمنية دفع مرتبات الجنود المقاتلين تحت مظلتها، إلى جانب الموظفين المدنيين، من واردات النفط، وهو الأمر الذي قصم -ولا زال- ظهر مباحثات تمديد الهدنة التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، حيث أنه يضع مجلس القيادة الرئاسي أمام خيارات ضيقة ، ليست الحرب أسوأها بنظر محللين .
وكان المجلس الرئاسي قد بادر إلى تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية في سياق الرد على الهجمات الأخيرة، إلا أن هذه الورقة قُرئت كهروب من المواجهة العسكرية التي يُجمع المراقبون على كونها السبيل الأجدى لردع الجماعة المدعومة من إيران .
انتكاسة غير متوقعة
الهجمات دفعت عدداً من القطاعات النفطية لتعليق عملية إنتاج النفط مع امتلاء الخزانات بسبب توقف التصدير، مثل القطاع 9 في منطقة الخشعة في وادي حضرموت، وقطاع "جنة هنت" في عسيلان شبوة ، كما دفعت عدداً من الشركات الأجنبية العاملة في استخراج النفط والتنقيب عنه إلى التفكير في تعليق عملها في اليمن مجدداً .
هذه التطورات تمثل انتكاسة كبيرة لجهود الحكومة اليمنية التي أعلنت منتصف العام الحالي عن اتفاقها مع 5 شركات أجنبية للعودة إلى البلاد من أجل تشغيل القطاعات النفطية المعطلة بسبب الحرب المستعرة منذ 2015 بين جماعة الحوثيين المدعومة من إيران من جهة والحكومة اليمنية وتحالف السعودية والإمارات من جهة أخرى .
وكانت الحكومة اليمنية قد كشفت عن زيادة مبشرة في إيراداتها من النفط في ظل الارتفاع العالمي في أسعار الخام ، حيث وصلت الإيرادات في النصف الأول من العام الحالي إلى 739.3 مليون دولار ، بحسب تقرير للبنك المركزي اليمني في عدن ، علماً بأن كمية النفط المصدرة خلال العام الحالي تراوحت بين 55 إلى 60 ألف برميل ، وهي أقل من نصف الكمية التي اعتاد اليمن تصديرها قبل اندلاع الحرب .
وعود معلقة
ويأتي سعي الحكومة لرفع الصادرات النفطية ضمن "برنامج إصلاح اقتصادي" تعد به منذ تشكيلها أواخر العام 2020 من أجل وضع حد لانهيار قيمة الريال اليمني التي بلغت في أكتوبر العام الماضي قاعاً غير مسبوق بأكثر من 1,700 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد، لتقفز الأسعار بتأثير ذلك إلى حد جنوني .
وعلى الرغم من أن الوعود الحكومية بإصلاح الاقتصاد، مضافاً إليها الوعود الجديدة التي ترافقت مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل الماضي، لم تحرز تقدماً ملموساً على أرض الواقع، إلا أنها أوحت بوجود تحركات من نوع ما، الأمر الذي أبقى على حالة من التفاؤل في السوق ساهمت- إلى جانب عوامل أخرى- في إبقاء قيمة الريال اليمني طوال العام الحالي في وضع أفضل من العام الذي سبقه.
وكانت السعودية والإمارات قد وعدتا برفد البنك المركزي في عدن بملياري دولار في إثر قيامهما بإجبار الرئيس اليمني السابق عبده ربه منصور هادي على تسليم صلاحياته لمجلس رئاسي بناء على توافق غير معلن بين الدولتين، فضلاً عن مليار و300 مليون دولار إضافية على هيئة منحة وقود ومشاريع تنموية أخرى .
ويعتقد خبراء اقتصاديون أن من شأن الهجمات الحوثية على موانئ النفط وتعطيل أكبر رافد للخزانة بالعملة الصعبة أن يعيد الهلع إلى السوق ، خصوصاً مع استمرار تعثر الجهود الحكومية في تحصيل الدعم المالي الموعود من قبل حلفائها في الرياض وأبو ظبي، والذي تحاول الدولتان التنصل منه بأي طريقة كما يشي بذلك بطء الإجراءات والاشتراطات "غير الواقعية" التي تفرضانها على الحكومة اليمنية .
أزمة رواتب جديدة في الأفق
لا يُستبعد أن يكون من ضمن تداعيات إيقاف تصدير النفط عجز الحكومة اليمنية عن دفع مرتبات الموظفين المدنيين خلال الأشهر القادمة، وهو احتمال "مخيف جداً" بالنسبة لعبد الحكيم السامعي ، مدرس اللغة العربية في إحدى المدارس الحكومية جنوبي محافظة تعز .
ويشرح السامعي للمهرية نت كيف أن عودة شبح إيقاف المرتبات يحيي في نفسه ذكريات سوداوية تعود للعام الأول للحرب عندما انقطعت المرتبات تماماً وعانى الموظفون ظروفاً معيشية بالغة في القسوة واضطرار بعضهم لمزاولة أعمال أخرى بدون أي خبرة وبالحد الأدنى من الأجر ، قبل أن تُستأنف عملية صرف المرتبات لاحقاً .
" توقفتُ عن التدريس تحت ضغط الحاجة ، واتجهتُ إلى محافظة إب للعمل في محل مواد بناء لدى أحد الأقارب، وكنت أتقاضى أجراً أشعر أني لا أستحقه لأنني لا أمتلك الخبرة الكافية في المجال، وهو ما دفعني للمغادرة بعد شهر واحد ."
وعلى الرغم من أن المرتبات الحالية لا تفي بالحد الأدنى من احتياجات الموظفين الأساسية في ظل جنون الأسعار ، إلا أن السامعي يرى أن وجود "دخل منتظم مهما كان ضئيلاً أمر لا غنى عنه في الظروف الحالية" مؤكداً أن "الشعور بالأمان الناجم عن الثقة بوجود مرتب نهاية الشهر وحده يكفي لمنح الموظف الكثير من الطمأنينة" .