آخر الأخبار
عبدالعزيز المقالح.. سيرة حافلة لشاعر غزير ومثقف مناضل (تقرير خاص)
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح
الثلاثاء, 29 نوفمبر, 2022 - 09:40 صباحاً
بعد قرابة تسعة عقود من الزمن، يحط الناقد والأديب اليمني الدكتور عبدالعزيز المقالح رحاله إلى جوار ربه، عن عمر ناهز ال85 عاماً، تاركًا وراءه إرثًا ثقافيًا وأدبيًا زاخرًا، تتجسد من خلاله روح اليمن الضاربة في التاريخ وتطلعات اليمنيين المستقبلية نحو الحرية والحداثة.
وقال بيان صادر عن الصفحة الرسمية للمقالح في موقع فيسبوك"ننعي للشعب اليمني والعربي وللإنسانية جمعاء رحيل شاعر اليمن ومفكرها الكبير والأب الروحي الوطني، المعلم والرمز التنويري المناضل الدكتور عبد العزيز المقالح رحمه الله رحمة الأبرار".
وأضاف البيان "تعازينا لأولاده وأهله وأصدقائه وزملائه وقرائه وتلامذته، ولنا جميعاً، في هذا الفقد العظيم".
وتابع البيان " غادر المقالح هذه الدنيا الفانية، وهو حي في قلوب وفكر ووجدان الأجيال القادمة إلى أن يشاء الله".
بدورها، أصدرت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة بيانا جاء فيه " ننعي إلى اليمنيين، وإلى الأوساط الثقافية العربية أديب اليمن الأكبر المناضل الأستاذ الدكتور عبدالعزيز صالح المقالح بعد ما يزيد عن 85 عاما، قضاها في التحصيل العلمي والعملي، وفي الجانب الإعلامي الإذاعي، وفي النضال الوطني والعمل الأكاديمي والأدبي والثقافي".
وأضاف البيان" ووطننا الحبيب يمر بأصعب منحنياته التاريخية، تغادر دنيانا هذه الهامة الفكرية والأدبية السامقة التي خلدت اسمها عميقا في التاريخ بإنجازاتها الكبيرة والمتنوعة، وقد انتمت إلى اليمن فكرا وروحا وهوية، مخلفة آلاف التلاميذ الأوفياء الذين يواصلون مسيرته اليوم في مختلف مناطق اليمن".
ولفت البيان إلى أن" المقالح من أبرز الأكاديميين من جيل الرواد، خاصة بترؤسه لجامعة صنعاء بين 1982 و 2001م، ورئاسته لمركز البحوث والدراسات اليمنية، وأيضا رئاسته للمجمع اللغوي اليمني، وعضويته في المجمعين اللغويين بالقاهرة ودمشق، ومؤخرا مستشارا ثقافيا في رئاسة الجمهورية حتى وفاته".
وبدأ المقالح -المولود عام 1937- مسيرته الشعرية منذ مرحلة مبكرة في حياته، إذ كانت سنوات طفولته محطة انطلاق بدأ فيها أولى محاولاته في كتابة الشعر، فكانت مجموعة " دموع في الظلام" باكورة تجاربه الشعرية، والتي دشن بها إنتاجاً شعرياً غزيراً رافقه حتى سنواته الأخيرة .
ولم يقتصر إنتاج المقالح على الشعر، بل اتجه إلى النقد الأدبي وأثرى المكتبة اليمنية الفقيرة إلى هذا العلم الأساسي لأي نهضة ثقافية عبر عشرات الدراسات التي لاقت صدىً كبيراً داخل الوسط الثقافي اليمني، وامتدت تأثيراتها إلى خارج الحدود، مثلها مثل مجموعاته الشعرية .
ضمير الأدب اليمني
الدكتور عبدالعزيز المقالح، هو ضمير ووجدان الأدب اليمني بالنسبة للكاتب الشاب صلاح الواسعي الذي يرى في المقالح أيضاً "روح الشعر والقصيدة اليمنية" حد تعبيره.
وعلى الرغم من القالب الحديث الذي اختاره المقالح لبناء قصائده ، حيث يعد من رواد شعر التفعيلة في الوطن العربي، إلا أن جزءاً كبيراً من قصائده تضج بالرموز المستعارة من الحضارة اليمنية العريقة، كما توحي بذلك عنواين دواوينه مثل "مأرب يتكلم" و "عودة وضاح اليمن" و "رسالة إلى سيف بن ذي يزن" .
ويضيف الواسعي للمهرية نت : "هناك حضور طاغ لليمن تاريخاً وحاضراً في شعر المقالح ، ولا غنىً لكل من يريد استكناه روح هذه البلاد العميقة، وصراعاتها وتطلعاتها وآمالها وآلامها الحالية من الوقوف طويلاً بين يدي المقالح "، مشيراً بشكل خاص إلى قصيدة "لابد من صنعاء"، وهو الإسم الذي اختاره المقالح أيضاً لأول دواوينه الشعرية مطلع السبعينات .
وفي سياق حديثه، يرى الواسعي أن كون الدكتور المقالح هو "أحد رموز الحركة الوطنية" يضفي مكانة خاصة لشعره الذي يجسد " تاريخ النضال في سبيل صناعة الجمهورية اليمنية".
حياة حافلة وتكريم مستحق
يُعتبر الدكتور عبدالعزيز المقالح أحد أبرز الأكاديميين اليمنيين من جيل الرواد، لاسيما بعد ترؤسه لجامعة صنعاء، منذ العام 1982 و حتى عام 2001، بالإضافة لرئاسة مركز البحوث والدراسات اليمنية التابع للجامعة نفسها.
كما شغل المقالح منصب رئيس المجمع اللغوي اليمني، في الوقت الذي كان فيه عضوًا في المجمع اللغوي في كلٍ من القاهرة ودمشق، كما سُمي مستشاراً ثقافياً لرئيس الجمهورية اليمنية في وقت لاحق.
وخلال حياته، رفد المقالح المكتبة اليمنية والعربية بـأكثر من 33 إصدارًا أدبياً وشعرياً وتأريخياً وفكرياً، بالإضافة للمئات من الدراسات والأبحاث المنشورة، ومئات التقريظات للعديد من الأعمال لمؤلفين وباحثين ناشئين يمنيين وغير يمنيين.
وفي بيانها الناعي للمقالح ،اعتبرت وزارة الإعلام والثقافة اليمنية أن المذهب الشعري للفقيد "اتسم بطبيعته الجامعة بين الأصالة والمعاصرة، فكان ذلك سبباً كافياً لتكتب عنه العشرات من الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية التي تناولت إبداعه الأدبي والشعري خلال مسيرته العلمية".
وحظي المقالح بالكثير من الاحتفاء العربي والدولي أيضاً ، مثل حصوله على جائزة اللوتس التي كانت تُمنح من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، ووسام الفارس من السفارة الفرنسية، فضلاً عن جائزة سلطان العويس للإبداع .
وعلى مدى ثمانية عقود ونصف، لعب المقالح دورًا بارزًا في قيادة القصيدة اليمنية إلى الفضاء العربي، ليدين له الشعراء الشباب بالأبوية الرمزية، بعد أن أرسى مفاهيم الشعر ورسخها لأكثر من سبعين عامًا من الإبداع المتواصل، نقداً وشعراً .
وكان المرض قد نال من المقالح خلال العقدين الأخيرين، فضلاً عن الاضطرابات السياسية التي خلفت يأساً كبيراً في نفسه كما تشي قصائده الأخيرة ، لكنه مع ذلك ظل ملازماً لصنعاء ، رافضاً مغادرتها حتى للاستشفاء أو التكريم.