آخر الأخبار
"إب" اليمنية حيث الأمواج الخضراء المتحركة
محافظة إب
الجمعة, 25 أغسطس, 2023 - 06:10 مساءً
تشكل مدينة إب الواقعة وسط اليمن متنفساً ومزاراً طبيعياً لآلاف الزوار القادمين إليها من المحافظات المجاورة، فقد منحتها الطبيعة مشهداً يسر الناظرين عبر مجموعة من المدرجات الخضراء والهواء النقي خلال فصل الصيف الذي يشهد حركة سياحية ونشاطاً ملحوظين داخل المدينة وأريافها.
التنوع النباتي لمدينة إب جعلها أيضاً تبدو كحلة خضراء بديعة تعانق الغيوم رؤوس جبالها وتزهو الطبيعة فيها وتتألق في مشاهد آسرة وبديعة تجسد مكنون الجمال الطبيعي الخلاب والآسر.
تقع المدينة اليمنية في جنوب العاصمة صنعاء (على بعد 180 كيلومتراً) منها، وتتميز بربيعها الأبدي، بفضل معدل تساقط الأمطار العالي لديها، والذي منحها مدرجاتها الخضراء المعروفة بعدد النبات الهائل، وقدر عدد النباتات التي سجلت في منطقة وادي عنة بنحو 769 نباتاً تتبع 110 فصائل منها 31 متوطنة، و27 شبه متوطنة.
وتشبه نباتات منطقة الوادي كثيراً نباتات المرتفعات الغربية متوسطة الارتفاع على ضفاف الأودية الواقعة على سفوح التلال التهامية، وفقاً لدراسة قام بها الصندوق الاجتماعي للتنمية اليمني.
ومن الجانب الآخر، تحتفظ "إب" بآثارها التي أبقت قيمتها التاريخية، حيث كانت إب مدينة القرار السياسي للدولة الصليحية التي اتخذت من "جبلة التاريخية" عاصمة لها عام 1141م، والتي عرفت قديماً بمدينة الثجة نسبة إلى كثرة سقوط الأمطار عليها في شهر أغسطس (آب) من كل عام.
وفي مدينة جبلة التاريخية لا يزال بعض شواهدها التاريخية رمزاً حتى هذه اللحظة. مدينة جميلة تختزل في جنبات بنايات عتيقة فناً ومعماراً يمثلان مراحل مزدهرة من تاريخ اليمن، وقد اتخذتها الملكة أروى بنت أحمد الصليحي عاصمة لها، وكانت الملكة من النساء القلائل اللاتي بلغن منصباً رفيعاً وقيادياً في العصر الإسلامي، بل وجمعت بين القيادة الدينية والسياسية، مما جعل منها الشخصية الأكثر دبلوماسية وحضوراً في عهد المملكة الصليحية.
متعة وفن وطبيعة
في مدينة اللواء الأخضر يستشعر الزائر بأنه أمام أمواج خضراء متحركة أو رسم إبداعي لا مثيل له، وتعرفت على انطباعات عدد من الزوار القادمين إليها.
يقول طلال المدير في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "إنه قدم من عدن في نزهة سياحية"، ويرى "أنها ملهمة بالنسبة إليه". أما النازح من مدينة تعز صادق العلواني فيعتبر أن الطبيعة الخضراء أنسته أوجاع الحرب، حيث يقضي أوقات الفراغ سائحاً متنقلاً في جنبات المدينة ومعالمها الطبيعية السياحية.
وتشتهر إب بأوديتها، وأهمها وادي عنة ووادي الدور، والمعروفة بزراعة أشجار البن والمانغو وقصب السكر والزيتون وأشجار الصبار، ويتميز وادي عنة بجريان المياه خلال فصلي الربيع والصيف، وخصوبة التربة والأشجار الباسقة، وتوجد بعض الطيور النادرة.
وفي عام 2009 تم إعلان الواديين الشهيرين الدور وعنة، محميتين طبيعيتين بهدف الحفاظ على الحياة الطبيعية والزراعية فيهما.
ويرى المتخصص في تراث وفنون اليمن محمد اليوسفي أن "إب حاضرة في عدد من الروائع الغنائية اليمنية، سواء أوديتها أو جبالها وشواطئها"، إذ ألهمت طبيعتها الشعراء والمطربين.
ويستطرد اليوسفي "هذا ما نجده في موشح (وامغرد بوادي الدور من فوق الأغصان) للقاضي علي بن محمد العنسي، والذي ترنم به عدد كبير من المطربين، ومع الاستماع لهذا الموشح لا يلبث السامع إلا أن يحلق بعيداً، حيث جريان المياه وتمايل الأغصان وسحر الطبيعة. نشعر بذلك ونحن نسمع موشح (وامغرد بوادي الدور) بصوت فضل اللحجي وبصوت الآنسي والسمة وأبوبكر سالم وطه فرع وأيوب".
أما وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان فيشير إلى أن "في إب ثمة جبل ساكن في قلبها اسمه جبل ربي، ووحدها إب من تفردت بهذا الاسم، وامتازت بهذا القرب وبهذه الحميمية والصفاء والنقاء، وبهذا المقام، مقام القرب عدا عن ذلك، لا بد أن تصعد جبل ربي".
ويعد شلال المشنة الذي يتدفق أثناء سقوط الأمطار، ويشكل متنزهاً طبيعياً للزوار، وإلى جانبه مرتفعات جبل مشورة، من أبرز المعالم الطبيعية في المدينة.
آمال وتحديات
مأساة المدينة السياحية ليست طارئة، وليس أقلها تردي الخدمات، إذ تعاني الشوارع والطرق الرئيسة والفرعية الإهمال، وتنتشر الحفر الكبيرة في معظمها، ويزداد الوضع سوءاً خلال موسم سقوط الأمطار. ويأمل زوار المدينة وسكانها في تحسين الخدمات المتهالكة.
وفي وقت سابق، انتقد الصحافي جمال عامر في منشور له على "فيسبوك"، السلطة المحلية في إب على أثر تردي الخدمات، قائلاً "إنها تضم جيشاً من الوكلاء يترأسهم المحافظ، ويتمثل الإنجاز الأهم لهؤلاء في تنظيم حصولهم على المكافأة الشهرية، أما المدينة التي لا يمكن الوصول إليها إلا باجتياز حفر عميقة فتبدأ من مدخلها الشمالي من مديرية يريم، ولا تنتهي بالمدينة التي أصبحت قرية كبيرة يضج أهلها بمر الشكاوى جراء انعدام الخدمات بمقابل جور ما يفرض عليهم من الواجبات والضرائب التي طاولت أصحاب الصناديق الصغيرة، ومن لم يحل عليهم الحول، إضافة إلى جبايات تحمل تسميات مختلفة".
المعاناة ترافق جبلة التاريخية منذ عقود، وهي اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الاهتمام من قبل الجميع، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المباني التاريخية الموجودة فيها مهددة بالسقوط والانهيار، وقد سقط منزلان تاريخيان أحدهما في العام قبل الماضي يعود لأكثر من 500 عام، والآخر في العام الماضي".
وتحتضن إب آلاف النازحين القادمين من محافظات يمنية مختلفة جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ 2014، ووفقاً لإحصاءات محلية وصل عدد النازحين في المدينة إلى أكثر 226 ألف شخص.