آخر الأخبار
سبتمبر الذي هد أكبر قلعة كهنوتية
مراحل التاريخ قد لا تشبه بعضها البعض، وفيها تأرجحت الروح الثورية والتحررية بين القوة والانحسار، ومنذ أن قررت الشعوب العربية التحرر من هيمنة المستعمر، كان قرارا نابعا من تفوق تلك الروح، حيث كان العرب يناضلون من أجل استعادة مجدهم ، وانتصرت الثورات في أكثر من دولة مما أقلق القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية وأدواتهم من القوى الرجعية العربية، الذين شكلوا معا طوق القضاء على المشروع العربي والإسلامي.
وبحكم أهمية الجزيرة العربية وما تختزنه في باطنها من ثروات نفطية ومعدنية، كرافد لتشكيل نهضة عربية قادمة، مثلت ثورة سبتمبر القوة الحقيقية للقضاء على المخطط الاستعماري والصهيوني المعيق لأي نهضة عربية في المنطقة.
ثورة 26 سبتمبر التي هدت أكبر قلعة كهنوتية في الجزيرة العربية، وتكالبت عليها كل تلك القوى، مثلت انتصارا حقيقيا على حاضنة الرجعية العربية والمشروع الاستعماري الصهيوني، وكشفت الغطاء على الصهاينة العرب ، والتاريخ سجل في صفحاته مواقف الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر ومواقف مضادة من أطراف عربية ما زالت لليوم تكن العداء ليس لسبتمبر بل لكل الثورات التحرر في الوطن العربي وعلى رأسها سبتمبر وأكتوبر.
وفي الداخل كان للصفوة من النخبة المثقفة من الأكاديميين والمتخصصين في السياسة وعلم الاجتماع وكبار الشعراء والأدباء مواقف ما زالت ماثلة ، في التغني وإثراء سبتمبر في كتاباتهم وأشعارهم وتحليلاتهم ورواياتهم، وأجمل ما قال شاعرنا الكبير البردوني عن سبتمبر في مطلع قصيدة ذات يوم
فقنا على فجر يوم صبي .......فيا ضحوات المنى إطربي
أتدرين يا شمس ماذا جرى؟........سلبنا الدجى فجرنا المختبي
ستظل سبتمبر نبراسا يضيء مسار أي تحول سياسي، وأهدافها ما زالت برنامج عمل مسار هذا التحول، ومهما حدث من خذلان للثورة، والتآمر عليها في تصفية الكفاءات من قيادات الثورة ، وإعادة تموضع أذناب ينفذون المخطط، فلا قلق على ثورتنا الخالدة، فما زال رجال الثورة يقارعون أعداءها بالسلاح في جبهات القتال أو بالذاكرة الطرية عن الحقبة السوداء من تاريخ الأئمة، سنتذكر الجهل والمرض والفقر والعزلة.
سيحمي سبتمبر كل أبناء الشعب الذين هب آباؤهم وأسلافهم لنصرتها من كل بقاع الأرض جنوبا وشمالا، أحفاد لبوزة ثورة أكتوبر ببندقية سبتمبرية، وأحفاد الزبيري والنعمان ومحمد علي لقمان، وأبناء عدن التي كانت مسرحا للتخطيط لثورة 48م التي هيئة لسبتمبر، وقراء صحيفة فتاة الجزيرة منبر سبتمبر في مقارعة الإمامة والكهنوت، ورجال تعز السند والمدد للثورتين سبتمبر وأكتوبر.
لم تكل ولم تمل القوى الاستعمارية وأدواتها الرجعية في التآمر على سبتمبر وأكتوبر معا، ومنذ الوهلة الأولى وبعد فشل حصار صنعاء، وجهت سهام المؤامرة على الجنوب، ومحاولة تأسيس كيان استعماري تحت الوصاية البريطانية، رفضته عدن والمجلس العمالي نواة الحركة الوطنية اليمنية.
وقرر المستعمر وضع المعوقات أمام أي ثورة ومنها سبتمبر وأكتوبر ، و نفذت سياسة فرق تسد الاستعمارية لتمزيق النسيج الاجتماعي في عدن باعتبارها مدينة الوعي الثوري، والحراك السياسي والنشاط العمالي، وحدث ما حدث بعد الاستقلال.
إنهاك الدولة الفتية في عدن، وتدمير البنية السياسية والاقتصادية والتنوع الفكري والثقافي، ساهم في تصفية القوى الحية والفاعلة والصادقة في التحرر والاستقلال، مما ارتهن النظام بالجنوب لقوى الشرق، وارتهن الشمال لقوى الغرب، في صراع الحرب الباردة، تمكنت القوى الرجعية من الشمال وتدمير الجنوب، وحتى مشروع الوحدة اليمنية حلم اليمنيين لم يسلم من مؤامراتهم.
واليوم في ذكرى الثانية الستين لسبتمبر هل نستوعب الدرس ونقطع دابر تلك الفتن، لنعيد للمجتمع روحه الثورية ونستعيد النظام الجمهوري والتحرر من الوصاية والتبعية، ونعيد ترتيب البيت اليمني بشقيه الجنوبي والشمالي بحيث لا ضرر ولا ضرار، ولا سقوط وانحسار لخدمة أعداء الثورة والجمهورية.
*المقال خاص بالمهرية نت *