آخر الأخبار
هل اكتمل سيناريو تفكيك التراب اليمني؟!
خلال الأيام القليلة الماضية حملت الأخبار عديد مؤشرات تقول ، مجمل القراءات لمعطياتها ، أن أطراف الصراع في اليمن باتوا على ضعفهم ، الذي هندَّس له باكراً رعاة الحرب في دول الإقليم ، أقرب أكثر من أي وقت مضى على اقتسام البلاد ، بموجب تفاهمات للرعاة الإقليميين أنفسهم ، وستصير هذه التفاهمات متحققة على الأرض، بعد تهيئة ظرف ووقت اخراجها.
(*) إحكام جماعة الحوثيين قبضتها على المناطق التي بقت تحت سيطرتها العسكرية والادارية لسنوات والإيغال في نهجها الاستبدادي والعنصري حيال سكان هذه المناطق ، وأيضاً استعادتها منذ مطلع العام الجاري لعديد مناطق حيوية في الجوف وصنعاء والبيضاء ،كانت قوات الشرعية قد حررتها منها ومن قوات حليفها السابق على عبد الله صالح في سنة الحرب الأولى، لتُمكِّنها هذه المتغيرات على الأرض من الضغط الشديد على محافظة مأرب النفطية لإسقاطها ، والأهم هو إعادة تموضعها السياسي كطرف لم يزل بإمكانه اللعب على أكثر من ورقة ، بما فيها ورقة الابتزاز البيئي التي أشهرتها مؤخراً في وجه الجميع، فيما يتصل بخزان صافر النفطي العائم في منطقة رأس عيسى بالقرب من مدينة الحديدة ، والمهدد بالتشقق بسبب عدم صيانته لسنوات طويلة وبداخله كميات كبيرة من النفط الخام التي ضُخت اليه عبر الأنبوب الرئيس من محافظة مارب ، وترغب الجماعة ببيع الكميات التي بداخله لصالحها مقابل السماح لهيئات دولية بصيانته ، قبل أن يتسبب بكارثة بيئية كبرى في منطقة البحر الأحمر، أبرز أضرارها أن 115 جزيرة يمنية في البحر الأحمر ستفقد تنوعها البيولوجي وستخسر موائلها الطبيعية، وأن 50 8ألف طن من كمية المخزون السمكي الموجود في المياه اليمنية سيتعرض للتلف داخل البحر الأحمر، ومضيق باب المندب وخليج عدن، وأن قرابة 200 الف صياد يمني قد يفقدون مصدر دخلهم الوحيد في مناطق الصيد اليدوي حسب تقرير "حلم أخضر".
(*) ما قام به المجلس الانتقالي الجنوبي ابتداء من أغسطس 2019 حين طرد الحكومة الشرعية وإسقاط معسكرات الحماية الرئاسية في مدينة عدن والمعسكرات التي تتبعها في محيط عدن " لحج وأبين" ، وفرضه تالياً ،وبضغوط إمارتية ، على الحكومة الذهاب الى اتفاق مشبوه برعاية السعودية في الرياض في ذكرى انقلاب 5 نوفمبر الشهير، في ظاهره حمل حلاً للإشكال الدامي داخل معسكر الشرعية ، لكن في مآلاته الباطنة فرض المجلس كقوة على الأرض ، يُستطاع تسييرها من رعاة الإقليم لإعادة انتاج توازنات جديدة داخل الخارطة السياسة والعسكرية في البلد المتهتك .
وبعد خمسة أشهر من المراوحة والتلكؤ في تنفيذ الاتفاق لأسباب فُسِّرت بعدم توافق الفرقاء على آليات تنفيذ بنوده، استغل المجلس الانتقالي كارثة السيول التي ضربت عدن ومحيطها في ابريل 2020 وما ترتب عليها من مشاكل بيئية وصحية ، والأهم استغلاله لرخاوة الشرعية وتخبطها ليعلن الادارة الذاتية على عدن ولحج و وبعض الضالع وأبين، فاستدعت هذه الخطوة تحشيد الشرعية لقواتها في منطقة "شُقرة " بأبين مقابل تحشيد مواز للمجلس الانتقالي في "زنجبار" و"الشيخ سالم" في ذات المحافظة لتنفجر معركة ، أرادت لها دولتا التحالف " السعودية والإمارات" أن تكون تنفيساً للطرفين المتناحرين دون غلبة لأحدهما، وحتى تستطيع السعودية جرهما مرة أخرى لمفاوضات جديدة لصياغة بنود اتفاق جديد ، أخذ من الاتفاق القديم اسمه فقط بعد ثمانية أشهر من التوقيع عليه، وفيه تتكشف الشرعية كحالة وهم وخواء كبيرين .
المريب في الأمر أنه وأثناء عملية التفاوض استولت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على جزيرة "سقطرى" بتواطؤ من القوات السعودية ، التي دخلت الجزيرة قبل عامين من الآن كحل للإشكالات التي كانت قائمة بين السلطة المحلية والقوات الإماراتية وقت كانت متواجدة في الجزيرة حين ذاك ، في خطوة قرئت بأنها جزء من حزمة تفاهمات "سعودية إمارتية" ومنها تمكين المجلس الانتقالي من الجزيرة التي ترغب الإمارات في الاستحواذ عليها ، مقابل أن تضغط بدورها على حلفائها في المجلس لتنفيذ اتفاق الرياض ، الذي تريده السعودية هي الأخرى عنواناً ايجابياً لديبلوماسيتها الناعمة في تطويع الأطراف لتنفيذ سياساتها الخارجية واستراتيجياتها الأمنية التي لم تزل تتعرض لهزات متلاحقة ، منذ تورطت أجهزتها الأمنية والاستخباراتية في تصفية الكاتب الصحافي جمال خاشقجي في مبنى القنصلية السعودية في مدينة "اسطنبول" التركية في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
(*) القوات الموالية لحزب الإصلاح في محور تعز العسكري تدخل مدينة "التربة" مركز "مديرية الشمايتين " في الحجرية بواسطة قوات الشرطة العسكرية في مطلع تموز يوليو الجاري ، وتتمركز في مواقع عسكرية كان اللواء 35 مدرع يتموضع فيها في "جبل صبران" وبعض المرتفعات الجبلية المطلة على مديرية الوازعية المحاذية لمناطق باب المندب، بحجة فرض الأمن وملاحقة مطلوبين أمنيين على ذمة قضايا اختلالات وفساد !!
فبعد أشهر من تصفية قائد اللواء عدنان الحمادي مطلع شهر ديسمبر 2019 في ظروف غير طبيعية في منزله في منطقة بني حماد في مديرية المواسط ، بعد أشهر طويلة من التحريض عليه من قبل وسائل إعلامية محسوبة على الإصلاح، صار باستطاعة الحزب البرجماتي التمدد غرباً الى مناطق التماس مع قوات المجلس الانتقالي وقوات حراس الجمهورية التي يقودها طارق محمد عبد الله صالح ابن شقيق الرئيس السابق الذي صفاه حلفاؤه الحوثيون مطلع ديسمبر 2017. حسابات حزب الاصلاح في هذه العملية هو فرض نفسه كطرف متواجد على أرضٍ لها مدلولها الرمزي الكبير في الأدبيات السياسية اليمنية ، وتُعزِّز موقعه في خارطة الانقسام التي أنتجتها سنوات الحرب، وجعلت الجغرافيا تتوزع بين الأطراف المتناحرة.
(*) قبل عامين من الآن وتحديداً في 7/7 / 2018 كتبت موضوعاً تحت عنوان " اليمن.. الملشنة وتوازن الضعف " قلت في جزء منه " لم يكن ينقص الحالة اليمنية سوى أن يتلملم موالو صالح من العسكريين الصغار ،الذين نفذوا بجلودهم من صنعاء بعد تصفيته من قبل حليفهم الحوثي في 4 ديسمبر 2017 ، في تكتل ميليشاوي أطلقوا عليه اسم " حراس الجمهورية " ، والمشتقة تسميته من مرموزهم العسكري "الحرس الجمهوري" ، الذي قاده لسنوات نجل صالح الأكبر ، وتشتت في الجهات ، أولاً مع تبديل اسمه في عملية الهيكلة ، وانتهاء بذوبانه في جسم الميليشيا الانقلابية ، كمقاتلين ملبوسين بالإذعان.
التكتل الجديد تشكل ويعمل بإمرة "الكفيل" الإماراتي، ولا علاقة له بوزارة الدفاع والجيش الوطني ،ويقاتل بكثير من الثأر الرمزي، ضد حليف الأمس ، وبقليل من الولاء لمشروع استعادة الدولة ، لأن قائده طارق صالح حتى اليوم لم يعترف صراحة بشرعية الرئيس هادي، التي يخوض الجميع معركتهم تحت رايتها ".
هذه القوات صارت تتحكم بشريط التهريب التاريخي الذي قامت عليه سلطة علي عبد الله صالح من باب المندب في محافظة تعز الى منطقة الدريهمي وميناء الفازة التاريخي في محافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، ويعاد فرضها كقوة على الأرض في حسابات اقتسام المغانم، وليس استعادة الدولة.
(*) الشرعية التي يعاد توظيف قيمتها السياسية والأخلاقية وكيانها القانوني في عملية فساد وتكسُّب من المحسوبين عليها في قيادة الصف الأول وقيادات الأحزاب الموالية لها ، وتحضر فقط كعلم وصور للرئيس البائس في بعض المباني الحكومية في "مأرب وتعز وسيئون وشبوة "، بعد أن تأكلت في وعي اليمنيين، الذين أملوا عليها كثيراً في قيادة الجميع نحو انهاء الانقلاب و استعادة الدولة هي، في هذا الوضع ، الطرف الأضعف بين هذه المكونات ، لان الولاءات المتعددة داخلها لـ "لسعودية والإمارات وقطر وتركيا وعمان" وبؤس رأسها ، وفساد دائرته القريبة ، تجعلها عبئاً على مشروع اليمنيين جميعهم.
(*) السعودية ماضية في مشروعها الاستحواذي على المهرة ، لتنفيذ حلمها القديم بإيجاد موطئ قدم لها على بحر العرب والمحيط الهندي ، وممراً لنفطها بعيداً عن مضيق هرمز، والأخطر عملها الدؤوب على تفكيك اللحمة " السُقطرية المهرية" ببعديها الثقافي والحضاري ، بتمكين الإمارات من الجزيرة ، وأيضاً فرض سلطات مواليها من المشايخ والقادة العسكريين والواجهات الاجتماعية والقبلية والدينية في مربع الثروة " مأرب وشبوة وحضرموت" بتفاهمات مع الامارات، التي هي الأخرى ماضية وببجاحة في مشروعها التمددي الاستحواذي في الشريط المائي والجزر اليمنية في بحر العرب والمحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر بواسطة وكلائها، الذين صنعتهم لهذا الغرض.
ختاماً:
الواضح في عملية التقاسم ، التي تتعاظم على الأرض يوماً بعد آخر أن هندستها تقوم على أساسات طائفية ومناطقية وجهوية ، وأن أطراف التقاتل الداخلي ليست أكثر من أدوات رخيصة لأطماع طرفي التحالف " السعودية والامارات" مقابل أطراف أخرى "أيران وتركيا وقطر" وجميعها تُصَّفي حسابات جيوسياسية واقتصادية وعسكرية على الأرض الفقيرة التي أرتضى وكلاء الحرب وامراؤها أن يبنوا مشاريع رعاتهم وأولياء نعمهم على حساب الدم اليمني ووحدة التراب المقدس لأرضه.
المقال خاص بموقع المهرية نت