آخر الأخبار
الظلم ظلمات يوم القيامة
الناظر لحالنا اليوم، يرى أننا لم نتعلم من تجاربنا، وأن مآسينا والظلم الذي عانينا لم يرتق بنا لمصاف الدول المحترمة.
الدول المحترمة الظلم فيها من أقسى وأسوأ المشاعر التي يمكن أن تدخل إلى قلب الإنسان وتجرحه، وفي الغالب يكون لدى الظالم الشعور بالكبر، حيث لا يراعي حق المظلوم، ويرى أنه محق في انتهاك حق غيره، فينسى قدرة الله عليه، ويغفل حقوق الناس، ليجعل من المجتمع ظالما ومظلوما، والمظلوم يبقى مستيقظا يدعو الله، ولا يغفل الله تعالى عن حق المظلوم، بقوله( و عزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، فأصبح الظالم بعيدًا عن رحمة الله.
كلنا نرفع أيدينا للسماء دعوة برفع الظلم، ونمارسه كلا من موقعه، بجهالة كالفاجر في الخصومة، يسبق لسانه عقلَه، وطيشه حلمَه، وظلمه عدلَه، لسانه بذيء وقلبه دنيء، يتلذذ بالتهم والتطاول والخروج عن المقصود، الفاجر في الخصومة يزيد على الحق مائة كذبة، وترونه كالذباب لا يقع إلا على المساوئ، ينظر بعين العداوة، يعد محاسن الناس ذنوبًا.
وللأسف أننا غارقون بالفجور بالخصومة لحد الثمالة، تجاربنا مريرة بالفجور، معظم حياتنا وسنوات عمرنا منذ الاستقلال قضيناها فجورا في الخصام، وكل عام نكتشف تسمية جديدة للخصوم، والقابض على الحكم بالحديد والنار يعطي الحق لنفسه الوطنية، والآخرين يعدهم من الخونة والمتآمرين الأعداء ، وهم مجرد خصوم لا يتفقون معه بالأفكار والرؤى، كان يمكن أن يشكل معهم تنوعا يثري الحياة، في شراكة وفق المشتركات التي تجمعنا.
اليوم الوطن ينهار بسبب الفجور في الخصومة ، فجور يشعر برعب الآخر المختلف، ويشكل أدوات قمعه باستدعاء أدوات القمع نفسها التي تضرر منها، فنشهد استدعاء أدوات القمع القذرة، التي تشكل خلايا الظلم والاختطافات والاغتيالات، تحت عناوين مختلفة قد ترضي غرور من اغتر بالسلطة، وفقد البصيرة ليقرر أنه صاحب الحق في السلطة والثروة، والآخرين لا حق لهم ولا يستحقون ، في عقلية تعيد إنتاج الظلم، عقلية يتشكل منها الطغاة والمستبدون، وبهم يحتمي الفساد والمفسدين والإرهاب والترهيب.
كل الثورات الإنسانية انطلقت من أجل الخلاص من الظلم، ومن العار الحديث عن انتصار مازال الظلم جاثما على الناس، الناس المختلفين فكريا وعقائديا وطائفيا وعرقيا، يمثلون نسيج المجتمع والطيف السياسي والثقافي والعقائدي والعرقي لهذا المجتمع، بألوانه البراقة ، التي تقدم لوحة جميلة للمجتمع ، لوحة جمالها في انضباطها القانوني، واحتكامها للمواثيق والدساتير التي تعطي الحق للجميع الممارسة السياسية والشراكة ، في وطن تحكمه الأنظمة والقوانين.
كل مأساتنا أننا لم نتخلص من الظلم، ظلم الحاكم للمحكوم ، ظلم النفوذ الذي يتشكل في أروقة السلطة، وفي بطانة القادة ، من خلال سوء اختيار الكادر، الخوف من الآخر جعل البعض يختار من ذوي الثقة ، والثقة لدية هم ذوي القربة والقرية، ومن النادر نجد من يختار من ذوي المقدرة، وهناك فرق أن تختار جاهلا خيرا من خصم عاقل، والجاهل إن خاصم فجر، والعاقل يعي مقدار الإثم الذي قد يرتكبه بالفجور ومتزن في تعاملاته ، بالجهل ساد الفجور وساد الظلم .
المؤسف أن يترك للبطانة أمر البلد، لتشكل نفوذا يشكل خطرا على العلاقات العامة، فينتابهم الطمع والجشع، يمارسون البسط والسطو وغيرها من الممارسات، وبفرز الكراهية ، فالكراهية والظلم يشكلان مجتمعا ممزقا يعود سلبا على السلطة .
لا حل اليوم إلا بالخلاص من الظلم والقهر، من خلال الخلاص من أدوات الجهل التي تفجر بالخصومة مع الآخر ، لا حل إلا بالتسامح والتصالح ، لإرساء مجتمع يسوده السلام والسلم الأهلي ، وذلك بتفعيل أدوات العدالة واستقلاليتها لتحقق الإنصاف بين الناس والعدل.
*المقال خاص بالمهرية نت *