آخر الأخبار

القوى السياسية واستعادة الدولة

الأحد, 19 مايو, 2024

لا نختلف من أن دولة المؤسسات هي الحل، والدولة في الاصطلاح السياسي مشروع سياسي، ومنذ فجر النهضة العربية الحديثة، تشكل وعي بضرورة تأسيس دولة ضامنة للحقوق والواجبات، تضبط العلاقات وإيقاع الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية، وتنظم الاختلافات بما يخدم الصالح العام، لإثراء المجتمع القادر على أن ينهض ليواكب تطورات العصر.

ومن أسس تكوين الدولة هي المدنية، كعقد اجتماعي بين الإرادات الحرة للمجتمع، يتنازلون فيها عن قدرتهم على تنفيذ أحكام الطبيعة بذواتهم، وفي إطار جماعاتهم (العرقية والسلالية، الطائفية والمذهبية)، ليضعوها في الإطار العام، بما يشكل مجتمعا سياسيا أو مجتمعا مدنيا.

الدولة مهما كانت، تظل مؤسسة يمكن إصلاحها، ولا دولة هي الفوضى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هي واقعنا الأليم وحالة البؤس المسيطرة على بعض العقول، وفقدان العقد الاجتماعي المنظم للعلاقات والضابط لإيقاع الاختلاف، فكلا يغني على ليلاه، مما أحدث حالة من الانقسام، التي شكلت عثرات ومعوقات الانطلاق، وأعطت فرصة لاستجرار الماضي بكل صراعاته وثاراته، وشلت حركة الحاضر القادر على صناعة تحول لمستقبل أفضل.

كان التحدي الوحيد وما زال أمامنا هو ترسيخ فكرة الدولة كمشروع سياسي، وكان الرهان على أدوات التنمية السياسية(الأحزاب)، التي يجب أن تعيد ترتيب أوضاعها، وكل جماعة تملك مشروعا سياسيا تنظم نفسها في إطار سياسي، ليكن الجميع في مستوى التحدي، الأحزاب هي مجموعة الأفكار التي يجب أن تتبلور لتنتج لنا فكرة الدولة العادلة وضامنه للحريات والحقوق، تنهي حالة الاقتتال والصراعات السلبية، لنعيش بسلام وأمان واستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، في بيئة منتجة قادرة أن تنافس العالم المتطور، تستوعب كل الكوادر والكفاءات والمهارات، لتتوقف حالة الهجرة أو الموت جوعا في بلد تتناحر فيه الجماعات على اتفه الأسباب، القوي يدوس على الضعيف.

اليوم تجتمع القوى السياسية، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وهي بادرة طيبة لإعادة إنعاش العملية السياسية، ولو في المناطق المحررة كبداية، مهما كان ضعف تلك الأحزاب، هي بداية ليستعيد البلد نشاطه السياسي، وتتنافس تلك الأحزاب لتطلق لنا أفكار ومشاريع، بداية لحوار سياسي وفكري مهم ينهي حالة العنف وزفرات الموت وسفك الدماء، لتنهي الصراعات والبينية واقتتال الإخوة ، والفوضى التي وفرت بيئة صالحة للفساد والنهب والبسط والاستئثار بالسلطة والثروة، تنهي حالة من الانتهاكات والاتهامات والتخوين والتكفير، للبدء في مرحلة بناء الدولة التي ننشدها.


الحوار السياسي هو الناجع والأصلح لمن يحمل مشروعا سياسيا، ولديه قضية عادلة، في الحوار تتقارب الرؤى ويتوافق الناس على الخير، من يرفض الحوار هو من يعتقد أنه قادر بالعنف أن يفرض واقعا على الآخرين تقبله، وهو مخطئ.

علينا أن نستوعب دروس الماضي والعبر، منذ الاستقلال ونحن في اقتتال والنتائج وخيمة، واليوم تسع سنوات من العنف، لم نحصد غير الموت والدمار والفشل، حجم تراكمات العنف تطحننا، وهي تستنفر حالة الثأر والانتقام، ويتم صب الزيت على النار، لتشتعل حرائق تدمر ما تبقى من خير على أرض المعمورة.

العنف في بلد متخلف متعصب قبلي، يستنفر أسوأ ما في ذلك التخلف والتعصب والقبلية والسلالية، وينعش الكراهية بكل قذارتها، ويطلق روائح نتنة لم نعهدها في حياتنا، حتى العقيدة اليوم تنقسم لمذهب والمذهب ينقسم لجماعات، منابرنا تطلق التخوين والتكفير والكراهية، غاب صوت العقل والمنطق بغياب الفكر والسياسة الحصيفة والدولة الضامنة للعدالة والحريات والمواطنة، الدولة الضابطة للعلاقات والمنظمة للاختلاف في دستور وعقد اجتماعي متفق عليه.


*المقال خاص بالمهرية نت *