آخر الأخبار
الجلسة الرائعة
كنت البارحة في مدينة الجود والكرم قلنسية، وشاءت أقدار الله أن تجمعنا بأخ من مصر مدرس في قلنسية منذ أربع سنوات، اسمه محمد حنفي.
تبادلنا معه أطراف الحديث، وسألناه عن أشياء كثيرة، وصل بنا الحديث إلى ذكريات حصلت له في سقطرى لا يمكن نسيانها، فذكر لنا بعض المواقف، منها:
- أخبرنا أنه في بداية الأمر تفاجأ بوجود لغة غريبة لا يفهم شيئا منها، وهي اللغة السقطرية. ثم ما زاد الأمر تعقيداً أن الطلاب لا يفهمون لهجته المصرية، فعندما يقول للطالب مثلاً: أعد (أقعد)، أو: أوم (قُم)، أو: خش (ادخل)، لا يستجيب الطالب، لأنه لا يفهم ما يقصد.
اضطره ذلك إلى استخدام العربية الفصحى لتقريب الفهم للطلاب، وهذا ما حصل.
وقاله إنه أفاده ذلك في ممارسة الفصحى، حتى إنه كان يخاطب أهله بالفصحى عندما يتصل بهم، مما جعلهم يستغربون من فعله.
- في أيامه الأولى في سقطرى دعي هو وزملاؤه المصريين إلى حضور وليمة عرس في إحدى البوادي، وتأخر الغذاء قليلًا، مما تسبب في جوعهم. بعدها تم تقديم أحجار لهم وضعت أمامهم، تفاجأوا من هذا الفعل، وما الغرض من هذه الأحجار وماذا نفعل بها؟.. لعلها طقوس خاصة لا نعلمها، لكنهم أخذوا ينظرون إلى الآخرين من أهل البلد، فشاهدوهم يقربون الأحجار ويضعونها أمامهم، ففعلوا مثلهم.
وما هي إلا لحظات فإذا بصحون توضع أمامهم، وفي كل صحن مجموعة من العظام المنزوعة اللحم. فقال في نفسه: هذا التعب كله وهذا التأخير وما بنا من جوع ثم لم نحصل إلا على وجبة مكونة من مجموعة عظام لا تسمن ولا تغني من جوع! يا له من تعب ومعاناة!.
قال: ولا ندري ماذا نفعل بتلك العظام، لكننا لاحظنا أهل البلد يهشمون العظام بالحجارة ثم يستخرجون ما بداخلها وما عليها من اللحم القليل. ففعلنا مثلهم وعرفنا الغرض من تقديم الأحجار.
وما هي إلا لحظات فإذا بصحون العظام والأحجار ترفع، ويتم إدخال صحون أخرى تحتوي على اللحم والشحم والأرز.
ولمن لا يعرف عن هذا فإنه من عادات السقطريين وأعرافهم تقديم العظام قبل الوجبة، ويسمى هذا (قرحم).
- ذكر أنه في إحدى العزائم وبعد أكل الأرز واللحم قدم لهم خوص النخل (سعف النخل)، حيث يعطى كل شخص شيئًا من تلك الخوص، فاستغربنا هذا ولم ندر ما الغرض منه، لكنه ربما شيء من الطقوس التي لا بد منها، فأخذ كل منا نصيبه ماسكًا إياه. لنعرف بعدها أن الغرض منه هو تصفية وتنظيف الأسنان بتلك الخوص من بقايا اللحم.
- ذكر أنه تمت دعوتهم في رمضان للإفطار في بيت لشخص سقطري، ومع أذان المغرب تم تقديم التمر والقهوة والشاي والمشروبات والشربى والخبز المتعدد الأنواع. قال: فأكلنا حتى شبعنا ثم ذهبنا للصلاة وبعدها عدنا إلى السكن، وكان قريباً من البيت التي فطرنا بها، بعد دقائق نتفاجأ بشخص يدق الباب، فإذا به شخص أرسله صاحب البيت طالبًا منا العودة إلى منزله.
أخذتنا الحيرة، ماذا يريد صاحب المنزل؟، وما الغرض من عودتنا إلى بيته؟، لكننا لبينا الطلب. وما إن وصلنا حتى عاتبنا على الذهاب من المسجد وعدم العودة. لنكتشف بعدها أن العشاء لم يبدأ بعد، لتأتينا صحون الأرز واللحم.
وقال إنه من عاداتهم في مصر أن يتم تقديم الأكل كله مع أذان المغرب في رمضان، وكنا نعتقد أن عادة السقطريين مثل عادتنا، ولهذا ذهبنا.
هذه أربعة مواقف أمتعنا بها هذا الشاب المصري.
وللأمانة فهو شاب مرح لطيف اجتماعي، يعكس دماثة وأخلاق الشعب المصري الرائع.