آخر الأخبار
جنوب اليمن وثقافة الإقصاء
الحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن قضيتنا في جنوب اليمن وصلت لمرحلة حرجة، فقدت فيها أهم أركانها وهي عادلة القضية(في تجاوز مهين للقيم والمبادئ والاخلاقيات)، وبحكم توظيفها إقليميا ودوليا، أغدق عليها بالمال والسلاح والدعم الغير محدود، حتى اثخنت بعدد غير محدود من أصحاب المصالح والمنافع، والمزايدين والمتنطعين، والبارعين في دق الطبول وحمل المباخر، واشتغلت عليها بروباغندا الآلة الإعلامية الغربية وأدواتها العربية، لضرب أي مشروع تغيير وتحول يخرج اليمن من براثن القوى التقليدية والقبلية والسلالية، ليعيد إنتاج تلك القوى على شكل أدوات يتم توظيفها اليوم لصالح الأطماع والمنافع.
مهما حاولنا الخوض في هذا الواقع المتوحش اليوم بالعنف ضد الآخر المختلف، لندعو إلى تعزيز دور المجتمع المدني الغني بالتنوع الفكري والثقافي، وأهمية تعايش هذا التنوع( الذي امتازت به عدن في مجدها )، للتوافق على وطن يستوعب كل أبنائه، وطن تبدأ فيه حركة تنمية عقلية وفكرية، ترسم لنا مسار التحول السياسي والتغيير لمستقبل أفضل، نصطدم بالأدوات الرثة التي سادت اليوم بفعل التوظيف الإقليمي للقضية، ومعظمها أدوات ترفض الآخر ، ومثخنة بصراعات الماضي وأحقاده وثاراته، ومعركتها مختلفة ليست معركة وطنية تستدعي شراكة الجميع، بل معركة تصفية حسابات والتسابق على السلطة والثروة، لتستبد على الاخرين وتخضعهم لسلطة الامر الواقع بالعنف والاكراه.
ولهذا يسود الفساد بكل أشكاله ، ومن الصعوبة اليوم أن يعمل العقل دون أن يتصادم مع كم هائل من الجهل والتخلف، ويصعب عليه إطلاق عدد من أسئلة الواقع، وإن أطلقها يتهم بالعداء ويصنف بتصنيفات الامزجة الفاسدة، ومع الأسف صار العقل النقدي للواقع اليوم متهم مع سبق الإصرار والترصد.
الفاسد اليوم قادر على أن يصنع تحالفات، ومن يفكر في محاربة الفساد سيجد نفسه وحيدا يصارع هوامير الفساد المتوحشة، واذيالها من القوى العفنة التي تتسلق ما هو سائد لتقتات على ما يرمى لها من فتات، وكم هائل من المزايدة والتنطع باسم القضية والزعيم والقائد المفدى، كلها تسميات لا علاقة لها بالدولة والحكم الرشيد، بل هي وسائل تدمير للمجتمع المدني والتنوع وتعكير التعايش والعيش الكريم، أدوات تحتكر السلطة والثروة، لتجعل من البقية مجرد رعاع في حكم لا يرعى حق الآخر وحقوق المواطنة، لتعود الفجوة بين الحاكم والمحكوم، بعودة فكرة الاقطاع والكمبرادور على شكل أمراء حرب وسلطة، ورعاية من الفقراء الفاقدين للكرامة وأبسط حقوق المواطنة، ينتظرون ما يرمى لهم من اعانات ومعونات، لتتشكل قوى رأسمالية جشعة تحتكر كل شيء حتى أسلوب الحياة والسياسة والاقتصاد.
ومع الأسف في هذا الواقع تكثر الحماقات، وصدق المتنبي بقوله (لكل داء دواء يستطبّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها)
فاليوم تنتشر الجهالة التي تسمح بانتهاك كرامة الاخر بإهانته واتهامه جزافا، كما يتعرض لتصنيف أحمق ، من مزايد أحمق يرى نفسه وطنيا والأخرين عملاء، جنوبي والآخرين دخلاء، ويبدأ يصنف الناس بانتماءات سياسية معادية، ويعد العدة لصحيفة اتهام، يبدأ بتشوية السمعة، والمشكلة إذا ارتبط هذا الأحمق بقضيتك الأهم التي تخاف عليها من التشقق والانقسام، وإن تركته يسبح بحماقته قد يصيب القضية بسهامه السامة.
لا نجاح لأي مشروع ولا انتصار لأي قضية ما لم يديرها العقل، الذي يطلق الأفكار، دون ذلك ستستمر الحماقة مهددة لجوهر القضية وعدالتها، عندما تجد العقلية الاقصائية فرصتها للتنمر على الآخرين ، والضحية وطن وإنسان وقضية.
*المقال خاص بالمهرية نت*