آخر الأخبار

اليمن في مهب رياح التوحش الإمبريالي

الثلاثاء, 30 أبريل, 2024

ما يدور في بلدي اليمن يستدعي أن نتعلم كيف نحب بعضنا لنحب وطننا، ما نراه اليوم مجرد حب ناقص ومتهور، حب للذات والمنطقة والطائفة والجغرافيا، وهذا ما جعلنا نقف على مفترق طرق، تائهين فاقدي القرار والاختيار، حتى صرنا مجرد أوراق هشة تحركها رياح القرية الكونية التي يتم الترويج لها من قبل الامبريالية العالمية، التي تديرها الشركات الاحتكارية الكبرى عن طريق تفجير الأزمات والحروب، وتفكيك الدول، لتتحول لمجرد أسواق ومولات لتصريف منتجاتها.


الملاحظ أن الامبريالية العالمية في طورها الأخير من التوحش، الذي جعلها تتدخل في شؤون البلدان النامية، وتعيد تموضع أدواتها الرثة، في سلطات أمر واقع تنفذ المخطط بقرارات تدمر فكرة الدولة الوطنية، وتستبدلها بدولة تحكمها احتكارات المال، ومن يملك المال يملك الإعلام ويدير السلطات في البلد.


من تلك القرارات إنشاء مصارف تتحول في فترة وجيزة لبنوك، وتسلم لها مهام وأسرار الدولة، ابتداء من رواتب الموظفين، العسكريين والأمنيين والمدنيين، كشوفات تضم هياكل وظائف الدولة التي كانت تعتبر من أسرار الدولة، وتسريبها كان يصب في تهمة الخيانة الوطنية، اليوم صار هيكل مؤسسات الدولة وكشوفات موظفيها بيد مصارف وبنوك خاصة وفي متناول من يريد من استخبارات الأصدقاء والأعداء ، وصرنا بلدا بدون رداء وطني عورته مكشوفه للصديق والعدو.


آخر قرار اتخذ من قبل وزير الخدمة المدنية والتأمينات الذي يعتبر آخر مسمار في نعش مؤسسات الدولة، هو تحويل مرتبات المتقاعدين المدنيين من البريد العام للمصارف والبنوك الخاصة، يستهدف البريد العام كمؤسسة دولة ، التي يفترض تنميتها اقتصاديا لترفد خزينة الدولة، مثلها مثل مؤسسات الدولة الإيرادية، يراد لها اليوم أن تفقد ما تبقى لها من أهم مصدر دخل يعزز من مكانتها الاقتصادية، وبالتالي تضرب الدولة في مؤسسات التي ترفد خزينتها بالمال، لصالح رأس مال يتشكل بدعم خارجي، ليكن قوة اقتصادية تخدم أجندة ذلك الخارج، المشكوك في أمره ، ما بين الدول الشقيقة والدول العدوة، يبقى القرار داخلي ولكنه بإيعاز خارجي، ظاهره دعم رأس المال الوطني، وباطنه ضرب مؤسسات الدولة، لتكن الدولة النقطة الأضعف في العملية برمتها، تديرها احتكارات اقتصادية تنفذ المخطط بمسميات مختلفة ومنها العولمة.


نحن نسير في مخطط خطير يستهدف ضرب كل ما هو وطني، الدولة الوطنية والسيادة الوطنية والقرار الوطني، لنتحول لمجرد سوق مستهلك لمنتجات تلك الدول، فما يحدث من كثرة إنشاء للمولات والأسواق، المترافق مع ضرب المؤسسات الإنتاجية والإيرادية هو مسار المخطط المرسوم، في تدمير كل ما يخدم الاقتصاد المحلي من مصانع ومعامل ومؤسسات إيراديه إنتاجية ، ليتحمل الرأس المال والاحتكارات مسالة تصريف المواد للشركات الدولية الكبرى التي تتحكم اليوم في سياسة العالم وتدير صراعات العالم وحروبه لصالح بقائها متربعة في احتكار الاقتصاد العالمي.


نحن أمة لا نسأل ولا نبحث بجد في بعض القرارات المتخذة من قبل سلطات الأمر الواقع المفروض علينا، وهي قرارات تبدو أنها نتيجة طبيعية للحرب القائمة، وهي مخطط مرسوم يستهدف كيان الدولة وسيادة البلد ومصير ومستقبل الأمة. 



لا نسأل لماذا تتعطل مرتكزاتنا الاقتصادية ومقومات البلد، مثل الميناء والمصافي والمملاح والاصطياد السمكي والسياحة وغيرها من مصادر الدخل القومي، الذي هي اليوم منتهكة، منها ما هو معطل ومنها ما هو مصادر، تعطيل ميناء عدن ومملاح عدن ومصافي عدن، مخطط قطع شريان اقتصاد مهم لمدينة تتوسط العالم وتملك المقومات ما يعيد دورها كمركز اقتصادي هام ترفد خزينة الدولة واقتصاد البلد، بينما سواحلنا وبحارنا مستباحة من قبل شركات دولية تدمر الثروة السمكية، والسياحة حدث ولا حرج عن شركات تنتهك سيادة البلد وتعبث في مقوماته السياحية وسقطرى مثال.


الهدف أن نبقى بلد لا يملك دولة حقيقية تديره سياسيا واقتصاديا، وأمة متسولة تنتظر من هذا العالم المتآمر عليها أن يقدم لها سلة غذائية وإعانة مالية، بلد نخبته السياسية والثقافية غارقة في صراعات وانقسامات وتصنيفات ومشاريع صغيرة مدمرة لوحدته وتماسكه، لنبقى مجرد جماعات متناحرة فاقده للسيادة والإرادة، وتديرها استخبارات دول، أمة لن تنهض من كبوتها ما لم تصحو من غفوتها وتعيد ترتيب أولوياتها ومواقفها من الدولة الوطنية.



*المقال خاص بالمهرية نت *