آخر الأخبار
اليمن ولقمة الخانوق
تخطئ أسر الحكم في دول الخليج في معاداة اليمن، وترتكب الخطايا في خوضها حربا مبنية على الكبرياء، تفتقد فيها لأي مبرر أخلاقي وقيمي للحصول على دعم شعبي أو أهداف واضحة قابلة للتنفيذ.
من لا يعرف اليمن أرضا وإنسانا، يغرق في وحل مؤامراته، ويتوه في أدغال من الحرب الغامضة غير محسوبة العواقب، يتلقى فيها الضربات المتتالية من كل الاتجاهات، اليمن أرض تقاتل مع أهلها، وشعب لا يمكن ترويضه بسهولة، تتغير مواقفه مع كل متغير يخدم وطنه ومصالح الأمة.
حكمة هذا الشعب أنه يوهم أعداءه ليكسب الوقت الكافي ليضرب ضربته الموجعة، في اليمن سادت حضارات ثم بادت، وهذا يستدعي قراءة تاريخ تلك الحضارات، ليعرف الواهمون أن اليمن ليس لقمة صائغة، بل إنها لقمة الخانوق.
من يقرأ التاريخ سيعرف أن اليمن هي مصدر التحولات السياسية والاقتصادية في الجزيرة العربية على مر التاريخ، فيها سادت دول الحضارة القديمة منذ دولة سبا وحمير ومعين.. وفيها نشأت فكرة الدولة، والثورة والجمهورية والديمقراطية، في رحمها تخلقت حركات التحرر في المنطقة، اليمن هي البلد التي انتصرت على المستعمر، ورفضت القبول بمشاريعه الخادعة، وانتصرت على الإمامة والمشاريع السلالية والجهوية والفئوية والمناطقية.
مهما توهم أصحاب هذه المشاريع أنهم قد رسخوها على الأرض، تنقلب على رؤوسهم في لحظة زمنية فارقة، وتعيد تصويب المسار للمشروع الوطني الجامع.
هل تستوعب السعودية والإمارات تاريخ هذا البلد القديم والحديث، وتدرك أن تدخلها السافر سيكون عليها وابلا، واليمن قادر أن يصنع تغييرا حقيقيا، ويستطيع أيضا أن يغير من الخارطة الجغرافيا للمنطقة.
وأعتقد أنهم مستوعبون لذلك، فالسعودية تعرف جيدا مواصفات الإنسان اليماني، تعرف الرأس المال والكادر والمهني والعامل والموظف ودورهما في تنمية السعودية ، والإمارات تدرك أن تأسيسها كدولة خطط له المستعمر بأدوات يمنية( فرقة عسكرية من جيش الليوي بقيادة حيدرة امسعيدي تم تكليفها بمهمة ضبط قطاع الطرق والعصابات التي كانت تتقاتل في ساحل عمان لتشكل منها دولة وظيفية تم تسميتها دولة الإمارات العربية المتحدة)، بديل لمشروع الجنوب العربي الذي رفضتها القوى التحررية في عدن، وما زال يتذكر جيل الستينات والسبعينات في كل دول الخليج دور عدن الثقافي والسياسي والاقتصادي المؤثر عليها، وما زال متحف الكويت يحتوي على أول سفينة نقل بضائع دخلت الكويت اشتراها تاجر كويتي من عدن، ومازال يتذكر العمانيون أن السلطان قابوس تلقى تعليمه في عدن، وقال كلمته المشهورة أنه يحلم أن تكون مسقط شبيهه بعدن، وما زال يتذكر كل خليجي استقبالهم للقادمين من عدن وهم محملين بما لذ وطاب وكل جديد عرفه العالم.
لم يكن لهذه الأرض التي ما زالت الأحافير تكشف عن تاريخ عظيم لمملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم في المرتفعات والتهائم أو مملكة حِميّر، وظفار ويريم، ويكفي اليمن تاريخ الملكة بلقيس والملكة أروى بنت أحمد ، وما يمثله هذا التاريخ من رقي حضاري في دور المرأة اليمنية في إدارة شؤون الدولة.
فهل يعقل أن بلدا يملك كل هذا الإرث الحضاري والتاريخ الإنساني، لا يستطيع النهوض؟ إنه يستطيع ولكنه أصبح ضحية مؤامرة دولية في صراع دولي أكبر من المنطقة، هذا الصراع بالضرورة سيحدث واقعا يعيد تقويم المنطقة بما يخدم المقومات الاقتصادية والسياسية للأرض والإنسان ، التي ستعيد لليمن مجدها، وإن غدا لناظره لقريب، ستعود عدن رائدة وتعود اليمن بكل مقوماتها السياسية والثقافية والاقتصادية ، ولن يصح إلا الصحيح.
*المقال خاص بالمهرية نت*