آخر الأخبار
عبقريون أميون في سقطرى !
ليس من المبالغة إذا قلنا إن المجتمع السقطري عامة مجتمع عبقري نادر العبقرية، وهذا التعميم ليس رأيا فرديا بل هو صادر من النقاشات والآراء التي جمعناها من المعلمين الذي علموا في سقطرى أو من عملوا أو ودربوا أفرادا من المجتمع السقطري خارجها، وأيضا من خلال عملنا الطويل في التدريب والتعليم.
بلغة النسب وحتى لا يكون الكلام عاما فإنه يمكن أن تكون نسبة الأذكياء من الطبقة الوسطى في سقطرى 60 % كما يمكن أن تصل نسبة الدهاة أو من هم في مستوى العبقرية20 % وتصل نسبة الخارقين في الذكاء إلى 15 %، والبعض من هؤلاء عندما لم يتجاوب الواقع مع عبقريتهم ولم يستوعبهم من حولهم أصيبوا بالجنون، حتى صار أمر التعليم بالنسبة للبعض معقدا وصار هؤلاء الخارقون مضرب المثل عند كثير من الناس في أن العلم الكثير أو الذكاء الحاد طريق إلى الجنون.
وبناء على هذه النظرية دعا كثير من الناس إلى عدم الازدياد من التعليم، النسبة المتبقية والتي تشكل 5% لمن هم من دون هذا المستوى أو من هم محدودو الذكاء والمغفلين.
كان من المفترض أن يعيش هذا المجتمع حياة مختلفة عن بقية العالم حياة متخلفة جاهلة بسبب العزلة التي عاشها فترة من الزمن حجبت عنه العلم والحضارة، وكافة وسائل الحياة، ولكن كان هذا المجتمع جبارا فكسر هذه العزلة وواكب الحضارة وتطورها وتعايش مع كافة الثقافات والديانات.
إن من يتتبع النتائج والإمكانات والمعطيات التعليمية في سقطرى سيجد أنها أدت إلى ثمرة من الغريب الحصول عليها، أو لنقل إن الإمكانات المتاحة لا تؤدي إليها، فعندما تتتبع سير الطلاب حاليا ممن درسوا في الخارج أو الداخل على نفقتهم أو ممن حصلوا على المنح الخارجية أو الداخلية، ستجد أن كثيرا منهم تميزوا في دراستهم وحصلوا على مراكز عليا، وصاروا قادة للطلاب في جامعاتهم، وبالتدقيق فيما حصل عليه هؤلاء من التعليم في سقطرى فإنه كان من المفترض أن لا يستطيعون تجاوز الامتحانات التمهيدية أو الأساسية الأولى من السنة الجامعية، ففي كافة المراحل التعليمية التي درسوها في سقطرى لم يتجاوز ما درسوه 50 % من المنهج العلمي منذ أولى ابتدائي إلى الانتهاء من المرحلة الثانوية.
حقيقة النماذج التي تميزت في المجال العلمي كثيرة ولسنا هنا بصدد سرد قصص المتميزين والمتفوقين من السابقين أو اللاحقين، فهؤلاء أكثر من أن يحيط بهم مقال، ولكننا نركز الحديث حول العباقرة الشباب ممن لم يزالوا بيننا ونعرفهم ونعرف سيرهم ممن لم يحصلوا على التعليم إطلاقا، أو ممن لم يتجاوز في دراسته الإعدادية، ومن هؤلاء من اكتشف موهبته بنفسه أو فرضت عليه الحاجة أن يكون ماهرا في مجالات عدة.
تجد من هؤلاء طبيب ناجح يفوق الدارس المتخصص في عمل العمليات الصغرى، وشق الجروح، وتخييط الثقوب والفجوات التي تحدث في الجسم نتيجة الحوادث، ويقوم بجبر الجسور، ويقوم بكل ذلك بأدواته التقليدية البسيطة، ومن غير الممكن أن يصدق القارئ أن أحدهم يخلع الأسنان والضروس بواسطة عيدان صغيرة يحدها ويحفر بواسطتها ويخلعها من غير تخدير ومن دون أن يؤلم من يعالجه!
شاب آخر أعرفه يقوم بإصلاح الأعطال الفنية والميكانيكية في وسائل المواصلات المتنوعة دون أن يتلقى تدريبا من أحد بل هو ليس موظفا في أي مجال حكومي، ولم يتلق التعليم البتة، وقد قام بتحويل محركات الديزل إلى بترول أو العكس وتحويل آليات قديمة كبيرة إلى آليات حديثة أقل منها حجما.
أحد هؤلاء المهندسين حول الماكينة الزراعية إلى سيارة تقله حيثما أراد، وهناك من اكتشف العديد من الأدوية الطبيعية وتغلب على العديد من الأمراض وهو لا يجيد القراءة والكتابة.
وما زلت أقف مندهشا من فتى لم يتجاوز تعليمه الصف الثامن الإعدادي كان يعمل متعاقدا في أحد المكاتب الخدمية يقوم بتسديد الفواتير وإيداع الأموال وسحبها... وكان الناس يقفون طوابير للوصول إلى الشباك الذي يعمل عنده، حقيقة أبهر الجميع بسرعة كتابته على الكيبورد، وحفظه العجيب للوحة المفاتيح وللأرقام التي يكتبها والأموال التي يودعها والأشخاص الذين يتعامل معهم.
وعندما لم يف هذا المكتب بحاجة هذا الشاب انطلق إلى سوق العمل الحر فصار يعمل في البناء فكان مهندسا يخطط ويرسم العمارات والشقق ويقوم بالبناء بنفسه، وبنائه مدهش حقا، وبالإضافة إلى ذلك يعمل نجارا وسباكا وكهربائيا وسائقا لشاحنة ويتقن العديد من المهارات والفنون والأعمال الحرفية والمهنية !
ومن أمثال هذا الشاب في سقطرى كثير وكثير، ولكل واحد من هؤلاء قصة نجاح باهرة كان من المفترض أن تخلد، وتشجع، ولكن لم يحصل من ذلك شيء ولم يحالفهم الحظ في الاهتمام فقد خذلتهم الدولة وغاب عنهم التشجيع وحكمتهم الحثالة، ورمتهم الحياة في سلة النسيان.
*المقال خاص بالمهرية نت *