آخر الأخبار
مفاوضات الرياض تتزامن مع ذكرى سقوط صنعاء.. ما الذي تغير؟
في مثل هذه الأيام قبل تسع سنين، كانت جحافل الحوثيين تسحق بوابات العاصمة صنعاء، وتستبيح المدينة المترقبة.
وفي لحظة ضعف وغفلة من التاريخ وشتات يمني خائر سقطت صنعاء تحت أقدام هؤلاء.
دخلوها متغطرسين بالانتقام، مرددين شعار صرختهم، المليء بالموت والتوعد، في ليلة سوداء، يلفها الحزن، وكأنها لحظة من قيامة، أو جنازة موحشة تتجه إلى القبر تحت جنح الظلام المخيف.
سقطت صنعاء، ثم سقطت باقي المدن اليمنية تباعا، لتبدأ حينها أكثر الفترات بؤسا وظلما في حياة اليمنيين.
حياة دفع ثمنها اليمن بكل مواطنيه، رجاله ونسائه وأطفاله، أرضه وسمائه وبحره، وما من شبر إلا ونادى ربي مسني الضر، حضرت الحرب، وتشظت البلاد، وتغيرت ملامحها جذريا، ليصل الوضع حد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأكثر الحروب نسيانا من العالم أيضا.
واليوم وفي ذات التوقيت يصل أولئك المنقلبون في صنعاء قبل تسع سنوات إلى العاصمة السعودية الرياض، في ثوب الانتصار ليقدموا أنفسهم دعاة سلام، ويفاوضون بغبار المعارك التي خاضوها، ليضعوا شروطهم النهائية للحرب، استعدادا لحقبة جديدة سيكونوا هم في طليعتها، بعد أن تجذروا وصاروا هم الوطن والوطنية كما يزعمون.
ما الذي تغير إذاً؟
وكيف انقلبت الموازين؟ فاولئئك الذين فروا من انقلاب أيلول 2014 إلى الرياض مؤمنين بمعركتها لاستعادة الشرعية ووصفوها بالشقيقة تحولوا إلى ركام مركون، وأولئك الذين وقفوا بوجهها وهاجموا أراضيها ونعتوها بالعدوان صاروا ضيوفا مفضلين.
لاشيء يحضر هنا، سوى تلك الأرواح المسحوقة، والدماء المسكوبة، والأنفس المظلومة، والبطون الخاوية التي كانت ضحية الحرب القذرة، وأطرافها المتعددون.
تلك الحرب التي حولت الحياة إلى جحيم، وسكنت في كل بيت يمني، وتركت خلفها كوابيس وآلام يصعب نسيانها.
اليوم وبعد كل هذا الإرهاق والخسارة في الجسد اليمني تتساقط الشعارات، ويلتقي الخصمان وجها لوجه، وقد صاروا أصدقاء، يبحثون عن نهاية للخلاص من مغامرتهم المجنونة، ويطبعون الحياة بألوانهم ومزاجهم، ويرتبون للمستقبل الذي يرضيهم، بعد أن يهيلوا التراب سويا على كل ما اقترفوه من جرم بحق بلد كان يطلق عليه يوما باليمن السعيد.
أما السلام فيحضر اليوم كمبادرة تسعى لتقديم الخلاص الأخير، للحفاظ على ما تبقى من أنفس وأرواح، ويفتح نافذة أمل لمن ظل شاهدا على ثماني سنوات من الظلام، والأمر مرهون بأطراف الحرب نفسها، فهل من فجرها يمكن أن يكون جزءا من إخمادها؟ أم أن على اليمنيين أن يدفعوا الثمن مرتين، ثمن الحرب، وثمن السلام.