آخر الأخبار

وردةٌ في الجحيم!

الجمعة, 15 سبتمبر, 2023

على قارعة الطريق تمشي مطرقة رأسها إلى الأسفل، تنظر لملابسها بحسرة الفاقد وأسف العاجز، لم تستطع أسرتها شراء الزي المدرسي لها هذا العام، فاضطرت إلى أن تلبس القديم، ذاك الذي اقتنته لها أمها قبل ثلاث سنوات، قد كبرت عليه كثيرًا، هي تراه أنه أصبح غير مناسبٍ لها؛ لأنه قصير عليها إلى درجة أنه يلفت نظر زميلاتها وكل من يراها، تذهب إلى المدرسة في وقت متأخر، وتخرج من الفصل الدراسي في وقت متأخرٍ أيضًا لتتحاشى نظرات زميلاتها القاتلة لها، لسان حالها يقول: هل كان فرضًا علينا أن نقتني هذا الزي كل عام؟ ، ما الذي سيؤثر على مستوانا التعليمي إذا ما جئنا بملابسنا العادية؟ ، ما هذه الضوابط التي تؤذينا ولا يشعر من فرضها بهذا الوجع الذي نقاسيه إثرها.

خطواتها متثاقلة كثقل الأهوال على كاهلها، تحمل بيديها مجموعةً من الكتب وقد ضمتها بشريط علية لاصق كان بديلًا عن الحقيبة التي أصبحت اليوم تكلف قرابة عشرين ألف ريال، اقتربتُ منها فبادرتني بابتسامة تحمل البراءة وتوحي بالوجع الذي تحمله تلك الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الاثنتي عشرة سنة، سألتها عن اسمها؟ فأجابت "وردة"، وصدق كثيرًا من أسماها هذا الاسم فهي وردة بكل ما تعني الكلمة من معنى، تقاسيم وجهها تحمل جمالًا أرهقته قساوة الواقع وظروفه الأليمة، سألتها في أي صف دراسي هي؟ فأجابت: في الصف الخامس، دار بيننا حوارٌ شعرت من خلاله أنني أحاور فتاة في العشرين من عمرها، إنها تتسم بنضج كبير وعقلانية قد لا تجدها عند من عمرها في العشرين، كانت تسرد لي حكاية الوجع الذي يحل بها وبالكثير من الطالبات من بنات صفها من اللاتي لم يستطعن شراء الزي المدرسي ولا شراء الحقيبة والكراسات اللازمة للفصل الدراسي هذا العام، تخبرني عمن تركن المدرسة كرهًا نظرًا لأوضاع أسرهن المعيشية القاسية، تقول: كلما جاء عامٌ يكون أسوأ من الأول يجعلنا نتحسر على العام الذي مضى لأننا كنا نحصل فيه على بعض المتطلبات، تذم الحرب، ولا أعتقد أن أحدًا يحب هذه الحرب اللعينة إلا أولئك الذين استفادوا منها في ملئ بطونهم وجيوبهم وحساباتهم البنكية، أولئك وحدهم الذين أحبوا هذه الحرب اللعينة؛ بل ويحبونها حبًا جما؛ فلا يريدون زوالها؛ لأنها أخرجتهم من ظلمات الفقر إلى نور الغنى الفاحش وإن كان ذلك على حساب آلاف من الأرواح التي أزهقت بسببهم، أخبرتني الصغيرةُ أن أباها اشترى هذا العام فقط كراستين وقلمًا واحدًا لها ولكل واحد من إخوانها الأربعة، ثم قالت" هاتين الكراستين قمت بتقسيمهما حتى تكفيا لمواد المدرسة كلها وأنا أحاول أن أصغر في حجم الخط حتى تكفي الأوراق فترة طويلة، فأبي قال لنا أن نقتصد وننظم كتبنا وإذا ما حالفه الحظ بالحصول على عمل فسيشتري لنا أكثر من هؤلاء.

افترقنا في الطريق، هي ذهبت نحو منزلها وأنا أفكر في ذاتي وأسأل نفسي كم يوجد في اليمن مثل" وردة" كم من ورود جميلة أذبلهن جحيم الواقع الأليم؟ ، كم من الفتيات اللاتي لم تستطع أسرهن إلحاقهن بالمدارس؟ لقد أصبح الحديث عن التعليم في اليمن حديثًا عن جرح غائرٍ تلقى العديد من الطعنات؛ فكلما تحدثت عنه كأنك تزيده اتساعًا!
 

المزيد من إفتخار عبده