آخر الأخبار

بكاءُ الزهور!

السبت, 08 يوليو, 2023

قبل عشرين عامًا  وفي ذات صباح، غادر أبي قريتنا الصغيرة ودموع أمي على جفونها حرقةً  على فراقه، كانت تودعه وهي تحمل كسيًا في يدها وضعت فيه الكثير من الكعك الذي حضرته على تنور الحطب في اليوم الأول، وقارورةً  صغيرةً  من السمن البلدي وبعضًا من ملابس أبي  طوتها بإحكام، وخيطًا  وميزانًا، كان أبي قد شدد عليها في الحفاظ عليهما؛  لأنهما عدَّتُه في العمل الذي سيذهب إليه.

  غادر أبي المنزل بعد أن طبع على خدي قبلة، وذهبت أمي معه،  توصله إلى طريق السيارة، هكذا هي عادة نساء قريتي...  تعبر المرأةُ  عن حبها لزوجها عندما تذهب معه أثناء سفره، تحمل عنه الكيس ويمشيان في الطريق يودعان بعضهما إلى أن تأتي سيارة النقل، وعندها يكون الوداع الآخير، وداع بالنظرات والتلويح فالرجل يذهب لسفره والمرأة تعود  إما إلى البئر لتحمل الماء في قارورة كانت قد أخذتها معها، أو تذهب إلى الوادي لتجلب طعمًا للماشية.

في كل مرة كان يغادر بها أبي القرية،   كانت أمي تذرف الدموع، لكني  لم أكن أرى في وجهها  القلق عليه، كنت أرى حبًا واهتمامًا لا أكثر من ذلك، كانت تدرك جيدا أنه سيذهب للعمل وسيعود بعد سبعة أو ثمانية أشهر، وما ينتابها وقتذاك كان حزنًا على فراقه.

عشرون عامًا مضمت وها هي أمي  تتلمس التجاعيد التي تزين  يديها الجميلتين، وأبي توقف عن الذهاب للمدينة واكتفى بالبقاء في شعاب القرية يتفقد  الأرض ويزرعها، تغيرت الأحوال كثيرًا وما تزال الدموع ترافق عيني أمي بكل حين، إن عينيها تدمعان باستمرار، ولكن هذه المرة مع كل دمعة تفارق عينيها يظهر على وجهها الكثير من القلق والتوتر،  إن لها أبناء يغادرون  القرية ويعودون إليها، وكم تحزن حين تودعهم، تقلق كثيرًا عليهم، كيف لا وقد أدخلت الحرب اللعينة إلى هذا الوطن الكثير من المصائب والويلات، تفشت ظاهرة الاغتيال والاختطاف، وكثر القتل العمد، وما عاد أحد في مأمن...  الموت أصبح قريبًا من الإنسان هنا حتى لكأنه  أصبح يعد كم يتنفس الإنسان،  ويحسب كم عدد دقات قلبه في الدقيقة الواحدة،  غُيِّبَ  الكثيرُ من الأبرياء خلف القضبان، بقوا  هناك يتعذبون إزاء تهم هم أبرياء منها كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، والأمهات  يتعذبن كثيرًا ويعشن في هم وحزن وكدر.

ليست أمي وحدها من تبكي وتقلق وتحن كثيرًا عندما يغادر أبناؤها منزلها؛  بل الكثير من النساء هنا في بلدي المتعب  أصبحن يبكين أكثر مما يضحكن، يقلقن أكثر مما يبتسمن، ترافق الدموع نساء بلدتي كما ترافق قطرات الندى وجه الزهور، تبكي الزهور البشرية هنا أكثر مما تبكي زهور الحدائق، يتألمن كثيرًا كما تتألم الزهور لحظة قطافها، شاءت الحرب أن تصب جحيمها على قلوب اعتادت على اللطف زمنًا طويلًا،  فلا سامح الله من أيقظ الحرب وأشعل فتيلها.

*المقال خاص بالمهرية نت*

المزيد من إفتخار عبده
سيول مخيفة تزيد مأساة اليمنيين!
الاربعاء, 07 أغسطس, 2024
رحيل هنية وجع للأمة!
الاربعاء, 31 يوليو, 2024
خيبة أمل جديدة للشعب!
الاربعاء, 24 يوليو, 2024