آخر الأخبار
فوائض مالية عربية وعذابات شعب عربي
كنت في وزارة المالية عند تحقيق الوحدة عام 1990، وأتذكر تماما أن مالية صنعاء هي من تحملت مجمل نفقات الوحدة والدولة اليمنية الموحدة وأعبائها، حينذاك، بما في ذلك، أعباء عدة مليارات من الدولارات، كانت ديونا مستحقة على الشطر الجنوبي، حينذاك، للاتحاد السوفيتي، وغيره.
الإشارة هنا ليست من قبيل المن، على غرار ما يفعل الانفصاليين، ولا من قبيل الافتراءات والمبالغات، كما يفعلون أيضا، لكنها حقيقة تستطيع قيادة وزارة المالية في عام 1990 وما بعدها، بيانها بالتفاصيل والأرقام!
ما يزال معظم قادة وزارة المالية عام 1990، على قيد الحياة، ويستطيعون الإيضاح والتفصيل.
أقول هذا فقط بمناسبة ما يدور الآن وما يظهر من حقائق خلاف ما يزعم الانفصاليين؛ وأظنه حان الوقت لكسر حواجز الصمت ليعلم الشعب اليمني الحقائق كلها، فالانفصاليون وحدهم يتكلمون منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولا تقول الحقيقة، وإنما يراكمون الزيف الذي سمم عقولا كثيرة، وغرر على كثير.
وفي الحقيقة؛ لم ينظر عقلاء اليمن، وأحرارها، في الشمال والجنوب، إلى وحدة اليمن، من منظور مالي أو اقتصادي، على أهمية ذلك، بما في ذلك ثروة النفط والغاز، المحدودة في اليمن أصلا، والزائلة أيضا، وإنما من منظور استراتيجي وطني أشمل وأعمق. وكان اليمنيون في شدة الفقر، وانعدام البترول والغاز، يسعون إلى تحقيق الوحدة، بلا كلل. ولن تمنع النكبة التي تعيشها اليمن واليمنيون الآن ، والتشرد، الذي تسبب فيه الحوثي، وضاعفه المشروع الانفصالي وداعموه من خلف الحدود، أن يتمسك اليمنيون بوحدة بلادهم واستقلاله، فالشرف اليمني لم يمت ولن تموت المشاعر الوطنية اليمنية، بل ستبقى أبد الدهر كما كانت عبر القرون والحقب، وإدراك اليمنيين لأهمية وحدة بلدهم واستقلاله، وسلامة أراضيه، وتمسكهم بذلك لن تلغيها المؤتمرات والرغبات الخارجية، التي تمول وتدعم المشروع الانفصالي.
وندرك أن مشروع تجزئة اليمن، كانت وما تزال رغبة خارجية، منذ وطأت أقدام الإنجليز شواطئ عدن الحبيبة قبل أكثر من مئة وثمانين عاما، وقد تلتقي رغبات ومصالح الخارج مع تطلعات داخلية في السلطة، ولو على قرية أو منطقة صغيرة؛ ولم تعدم المبررات في الماضي وهي لن تعدم في الحاضر. كان سلاطين الجنوب، يقولون للإمام؛ نحن مثلك يحق لنا أن نكون ملوكا وأمراء؛ قال ذلك صالح بن حسين العوذلي، للرويشان، وفقا لكتاب شهادات من الريف، وقاله سلطان لحج، وأمير الضالع، وفقا لكتاب هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن، وتمسك بذلك كثير، ابن عم الإمام، شريف بيحان، الأكثر قربا وتقربا للإنجليز وإخلاصا لهم، كما يؤكد الإنجليز أنفسهم في مذكراتهم، في سبيل رغبته وأطماعه في السلطة، وكانت الحرب والصراع بينه وبين ابن عمه إمام صنعاء على أشده، وفي حين كان يدعم شريف بيحان الإنجليز بالعتاد العسكري والمال، والسياسة، بل يتدخلون عسكريا ضد الإمام بشكل مباشر، كان الإمام يفضل الشريف برفع شعار وحدة الأراضي اليمنية، أما الانفصاليون، اليوم، فدعاواهم طويلة وعريضة، تعززها دعاوى ودعم ودعايات من خلف الحدود، على غرار ما يفعل جماعة "خلفان!" وبعض المثقفين المتصلين بصوابين السياسة ومكاتب الأجهزة.
وكان يمكن أن لا يكون لدعاوى الانفصاليين أثر يذكر لولا الدعم الخارجي متعدد الأوجه، والترتيبات التي تشكل عدوانا على الشعب اليمني. وللأسف، هذه المرة، تأتي المؤامرات على وحدة اليمن، من أشقاء عرب، يملكون فوائض مالية، توظف لعذابات شعب عربي شقيق؛ الذي هو اليمن، وتلك سابقة ستضاف إلى مهازل عصرنا وجيلنا العربي المنكوب التائه بلا قيادة عربية ملهمة ، أو مشروع عربي نموذج يلهم ويحتذى.
ويعبر عن خيبة أحوال العرب، في عصرنا وجيلنا، ما يجري في اليمن، وعلى وجه الخصوص تبني دعم مشروع التجزئة في اليمن، وطريقة التعاطي مع أبعاد أزمته التي تسببت فيها جماعة دينية طائفية متطرفة.