آخر الأخبار

مرة أخرى ..عن اللون الغنائي التعزي وتأسيساته !!

الجمعة, 10 مارس, 2023

خصصت قناة بلقيس مساء الاربعاء الماضي حلقة خاصة عن الفنان عبد الباسط عبسي تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، كون باسط من أكثر الفنانين اليمنيين تعبيراً عن معاناة المرأة ابتداء من تأديته لأغنية "مسعود هجر"  مطلع سبعينيات القرن الماضي  وصولاً إلى أغنية " أمر الكؤوس" .. طلب مني الحديث عن اللون الغنائي التعزي وامكانية تجاوز محليته الجغرافية إلى أفق عربي، وامكانية اسهام أغاني الفنان عبد الباسط  في ذلك.



ركزت حديثي منذ البداية حول سؤال اللون الغنائي التعزي بخصوصيته الحُجرية،  منطلقاً من تتبع تاريخي لظهور شعراء ينتمون لبيئة جغرافية متقاربة في ريف الحجرية، وكتبوا نصوصاً غنائية بلهجات تلك القرى المعزولة في ذلك الوقت، حملت هم الإنسان فيها مع قضايا الهجرة والفراق، والتي تكتوي بها بدرجة رئيسية الزوجات والامهات ، ولم تهمل مثل هذه النصوص أسباب الهجرة ذاتها مثل الاستبداد، والجوع.



لم ينس هؤلاء الشعراء أيضاً حنينهم للأرض التي ارتبطوا بها، بوصفهم أبناء فلاحين، ولم ينسوا أيضاً مهاجل القرى وأغنيات الجدات والامهات ، فاستحضروها بكثير من الشغف وأعادوا توظيفها  في النصوص، التي صارت بأصوات فنانين رواد أغنيات ذائعة يتغنى بها اليمنيون في كثير من مناطق اليمن بتنوعها الثقافي.


حملت الأغاني تلك الكثير من الرسائل السياسية والاجتماعية ، لتصير بمجملها تأسيساً للون غنائي شديد الخصوصية، صار مع السنين  تراكما مهماً  لا يمكن تجاهله حين  تٌقرأ الخارطة الغنائية الممتدة لستة عقود، والتي أثراها شعراء مثل سعيد الشيباني، وعبدالله سلام ناجي، وعبده عثمان محمد، وأحمد الجابري والفضول والصريمي والفتيح وغيرهم ، ونقلتها حناجر فنانين مثل: المرشدي واحمد قاسم وفرسان خليفة واسكندر ثابت أولاً  وأيوب طارش وعبد الباسط عبسي لاحقاً.


ركزت في مساهمتي في هذه الحلقة على التأسيسات الباكرة لهذا اللون، عارضاً لجملة الأفكار التي سبق وطرحتها للنقاش في أكثر من مناسبة وخصوصاً تلك التي اُنتجت في مقالة عنوانها " على ماذا تأسس اللون الغنائي التعزي بخصوصيته "الحُجرية؟


والتي رأيت أنها ابتدأت مع أواخر خمسينيات القرن الماضي مع قصائد الدكتور سعيد الشيباني، التي وجدت طريقها إلى أصوات مطربين ذائعين في ذلك الوقت مثل المرشدي الذي غنَّى رائعته (يا نجم يا سامر) ويا (طير يا رمادي)، ثم أعقبه الفنان فرسان خليفة بتلحين وأداء مجموعة من القصائد، منها: "طير الحمام"، و"ريح الشروق"، و"ياخي الصغير"، وغيرها، ليصل تعاونه إلى صوت ثالث، وهو الفنان أحمد بن أحمد قاسم في عديد من النصوص، منها: "من العدين يالله"، و"حقول البن"، و"اليوم والله واليوم دائم".



في ذات الفترة أو بعدها بقليل، سيلمع اسم شاعر ثانٍ كتب بذات اللون وتعامل مع ذات المطربين، وأعني هنا الشاعر عبدالله سلام ناجي، الذي صار بعد ذلك أحد أساطين الكتابة بهذه اللهجة، وأبرز المؤثرين في لاحقيه من الشعراء الذين كتبوا بهذا اللون.


إلى جانب الشاعرين الشيباني وسلام، يمكن تسمية شاعر ثالث ظهر في تلك الفترة هو عبده عثمان محمد الزبيري، وكتب بعض النصوص الغنائية بلهجة ريف الحجرية وجدت أيضًا طريقها إلى أصوات المطربين إسكندر ثابت وأحمد بن أحمد قاسم، ولا يمكن بحال من الأحوال إغفال اسم شاعر رابع ظهر في ذات فترة تكوين الشعراء الثلاثة وبذات الحاضنة الثقافية (عدن والقاهرة)، ونعني الشاعر الرائد أحمد غالب الجابري الذي غنى له أيضًا المرشدي وقاسم في ذات الفترة.



التقاربات الكثيرة بين الشاعرين الشيباني وسلام، ساهمت في جعلهما يشتركان في التأسيس الباكر لهذا اللون؛ فمولدهما في العام نفسه (1939م)، وفي مناطق قريبة من مركز الحجرية التاريخي، ثم هجرتهما إلى عدن في فترة متقاربة، يضاف إلى ذلك إقامتهما في ذات المنطقة (مدينة التواهي)، ودراستهما في المدرسة (الأهلية)، ثم مغادرتهما إلى مصر للدراسة في أواسط الخمسينيات، وانتهاؤهما إلى التعاون المبكر مع نفس الفنانين أيضًا؛ المرشدي وفرسان خليفة.


احتاج هذا اللون إلى سنوات إضافية حتى يثبت في الخارطة، حينما صار له مطربوه الخارجون من ذات البنية، بعد أن اتكأ في بداية الأمر على مطربين ينتسبون لمدينة عدن في الغالب، وهي المدينة التي تكوّن فيها الشعراء المؤسسون لهذا اللون كما عرضنا.


أما الفنانون الخارجون من ذات البيئة يمكن اختزالهم  بتجربتين رائدتين هما: تجربة أيوب طارش ، وتجربة عبد الباسط عبسي ، والثاني هو الذي كان محط التناول في حلقة الاربعاء المشار إليها، والذي سبق وأن قاربت ملامح تجربته  قبل أشهر في هذا الموضع  من زاوية ثنائية الفنان والشاعر، حينما ربطت نتاج د سلطان الصريمي  بالفنان عبد الباسط عبسي
فلا يذكر الأول  كشاعر غنائي كبير إلاَّ ويذكر معه الفنان المختلف عبد الباسط عبسي، الذي شكل معه ثنائياً فريداً ابتدأ من أغنية "واعمتي منو شقول لمسعود" ، التي ظهرت مُغنَّاة أول مرة في مدينة الحديدة أوائل سبعينيات القرن الماضي" 1972" ، فصارت وقتها إنجيلاً للنساء في القرى اللواتي عانين من قسوة فراق الأزواج بسبب الهجرة والإغتراب، التي كانت حينها واحدة من تعيينات المعضلة الاجتماعية مع متلازمة الفقر، الذي يقود الى الهجرة القاسية، والتي قد تكون سبباً في اختفاء الأزواج ، الذي يتحول مع الوقت الى شقاء مضاعف في حياة الزوجات الشابات ، فلا يمتلكن من جرائها سوى الشكوى المريرة التي تختصرها هذه الاغنية ، التي تتوجه بها الزوجة للعمَّة.



وطوال تاريخ التعاون الفني الطويل بينهما أنتج الاثنان عشرات الأغاني التي كتبت وغنت للطبيعة والإنسان بصوت عبد الباسط الدافئ والمعبِّر في آن ، ومن أكثرها انتشاراً أغنية "يا ورود نيسان يا شذى حبي" وأغنية "يا خضبان وردك جماله ثاني " وأغنية " باكر ذري " وأغنية "يا نور أحلامي " وأغنية "عروق الورد مستني رعودك" وأغنية "متى وراعيه شمطر وأغنية "حنين الأرض يا سلمى" وأغنية " يا هاجسي " وغيرها و غيرها الكثير. 
ولم أنس حينها التعريج على الشاعر الراحل محمد عبد الباري الفتيح الذي يعتبر أحد الشعراء الذين اكتشفوا صوت باسط حينما كان طالباً في مدينة الحديدة ، وغنى له أغنيته المشهورة و(قمري غرَّد).


التحية للمرأة اليمنية المكافحة ولباسط الذي نقل أوجه متعددة لحضورها  وعلى وجه الخصوص حضورها في صلب المعاناة التي ألبسها إياه  مجتمع محافظ وشديد التمييز على أساس الجنس.. باسط الذي كان ولم يزل مثقف ملتزم و صاحب رسالة  اجتماعية  كبرى.



*المقال خاص بالمهرية نت *

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023