آخر الأخبار

قصتي مع العلاج في الخارج

الخميس, 21 مايو, 2020

لم تكن هذه الرحلة الوحيدة في حياتي لدولة الهند للعلاج، ولكنها كانت الأكثر إثارة وقسوة في حياتي العلاجية التي بدأت يوم أن حدث لابنتي خطأ طبي في مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن عام 2010م، كادت أن تموت، بسبب تدني الخدمات الطبية والرعاية في مستشفيات حكومية تديرها سلطة غير محترمة لحق المواطن في الحصول على علاج وتطبيب، حق مكفول قانونا في الدستور، وما أروع نصوص الدستور، وما أسوء واقع تطبيق تلك النصوص.
 
من حينها كانت لي تجربة مضنية مع هذه المستشفيات , بالانتقال من عدن لصنعاء الأكثر حظا في اهتمام السلطة حينها , حظا يفتقد لعدالة المواطنة , فيه من المحسوبية البغيضة , والروتين الإداري والطبي الفاسد , الذي أفسد حياة الكثير بفقدانهم أبسط حقوق الرعاية الصحية , تعرضت حينها لضغوط نفسية من قهر احتياجي لتوصية لاستقبال ابنتي في تلك المستشفيات وهي بين الحياة والموت , مما اضطرني للجوء للمستشفيات الخاصة , وما أدراك مالمستشفيات الخاصة, كمشاريع استثمارية لاقتصاد نيو ليبرالي هدفه الربح على حساب احتياجات المواطن وإمكانياته المادية , حيث تقديم الخدمة بأجر عالي الربح , واستثمار حاجة المريض  , وخدمة فندقية أكثر مما هي طبية , والضحية الفئات الوسطى وموظفي الدولة في مؤسسات خدمية لا تقدم رعاية طبية لموظفيها وأسرهم , كالتربية والتعليم , والأهمية البالغة لدور المعلم كرسالة نبيلة وعمود أساسي من أعمدة النهضة , وهو يفتقد لتلك الأهمية من قبل دولة لا تحترم مثل تلك الوظائف , لأنها لا تسعى لنهضة أمة , ولا حياة كريمة لشعب.
 
معظم اليمنيين للأسف فقدوا الثقة بمستشفيات الداخل، يستحسنون العلاج في الخارج، أكثر ضمانا، وأقل كلفة من المستشفيات الخاصة في البلد، الثقة التي لم تمنحها لهم الدولة، وهم يشهدون كبار رجالاتها ونافذي السلطة، وسفريات العلاج الدائمة للخارج في أبسط الأمراض، والفحوصات الدورية، وبتكاليف تثقل كاهل الدولة، والموطن يموت وهو يتابع المنحة العلاجية فيضطر لبيع ما يمكن بيعه من ممتلكاته أو القرض والدين الذي يثقل كاهله.
 
رحلتي هذه كانت الأكثر ثقلا للكاهل، ولولا ضرورتها لما كلفت نفسي بها , مع أن وضع البلد والصراعات والاستقطاب السياسي , أتاح  للمنافقين  فرص ابتزاز السياسيين والدولة نفسها , وحصول الكثير منهم لتذاكر سفر ونثريات علاج من كل الأطراف دون الحاجة لها , والحمد لله الذي لا يحوجنا للابتذال لمثل هكذا سلوك مهين للذات , والله رحيم بعبادة الصادقين والمتعفين , وكانت رحلة بإمكانيات ذاتية بسيطة تؤدي الغرض والحمد لله .
 
 ما كل ما يتمناهُ المرء يدركهُ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن , لم يكن في حسباننا أن نعلق في الهند بسبب جائحة كورونا كوفيد 19 , أكملنا العلاج والحمد لله وتم حجز تذاكر العودة , والميزانية محدودة لفترة العودة فقط التي كانت في 31 مارس , وفجأة تم إغلاق مطارات العالم , ولست الوحيد العالق , علق عدد كبير من اليمنيين في كل مدن ومطارات العالم , ومنها الهند , وبدأت مرحلة من المعاناة , انتظار سلطة وحكومة ترعى مواطنيها , تبحث عن حالهم  وأوضاعهم في الدول العالقين بها , كانت الدول المحترمة أكثر حركة في الرعاية والاهتمام , وتم إجلاء كل رعاية العالم , دول أكثر فقرا من اليمن , كأفغانستان والسودان والصومال , شهران ونحن عالقين وتحت الحظر المنزلي , في بلد لا يرحم المخالفين لإجراءات الدولة وقرارات الحظر فيها , شهران ونحن في معاناة لا لها أول ولا آخر , تم خلالها إجلاء الدول لكل رعاياها ما عدا اليمن , اليمني اليتيم الذي فقد لاهتمام ورعاية الدولة , شعور مأساوي , وهو يتخبط بعد أن تقطعت به السبل , وسفارات وقنصليات وحكومة لم تكلف نفسها بالاتصال برعاياها والاطمئنان عليهم ,مع العلم أن بعضهم كان قد تشرد في شوارع الغربة بعد أن طردوا من السكن , وبعضهم جاع , بعد نفدت كل مدخراتهم , وآخرين تسولوا بحثا عن ما يسد رمقهم , أهين المواطن اليمني في كل دول العالم , ولولا التكافل الاجتماعي بين العالقين أنفسهم لكان الحال أسوء , في ظل حكومة وسفارات ودبلوماسية بائسة ببؤس السلطة القائمة عليها .
 
وزاد الوجع أن البلد في الدخل تعرض للمصائب , وبالذات مدينتي عدن , والإهمال الذي طالها , والأمطار والفيضانات التي زادت من حجم الكارثة , وكشفت عورة القائمين على سلطة في عدن , والوباء التي تفشى وفتك بمئات من الكوادر والقامات ورجالات عدن والبسطاء منهم , دون أن يحرك ذلك ضمير السياسيين والمتصارعين على سلطة في عدن , من هول ما حدث  لعدن , ضاعف الألم والحزن لدينا , رغم المآسي التي تعرضنا لها وخذلان الدولة , عشنا كأسرة تقتسم رغيف الخبز ونتناول وجبة واحدة في اليوم لا غير, تكافل خفف نسبيا من معاناة المحتاجين  .
 
فقدنا أعزاء في عدن بسبب الوباء , فقدت أنا كريمتي الوحيدة وعددا من الأصدقاء , وحرمت من النظرة الأخيرة لتوديعهما , وحضور مواراتهما الثراء , كم هو الحزن الذي يعتريك في مثل هذه الحالات , عندما يداهم الموت أعزاء , وداهم الحزن كثيرا من العالقين لفقدنهم قريب وعزيز في عدن وصنعاء وكل مدن اليوم , ونحن عالقون , ولازلنا عالقين , وكل يوم يمر علينا , ويزداد القلق والخوف من المحتوم , ما أسوء أن تحتاج وتهان في بلد الغربة , والمعنيين عنك من سلطة وحكومة ومعارضة لا تهتم ولا ترعى وضعك كعالق .
 
إلى هذه اللحظة ونحن نتعشم من السلطة والحكومة أن تنقلنا وتعيدنا لبلدنا، نموت وسط أبنائنا وأحبتنا، خيرا لنا من أن نموت غرباء في بلد الآخرين والله المستعان
 
 المقال خاص بموقع "المهرية نت"