آخر الأخبار
ليلى المدللة
أخبرها قبل أعوام في اتصال هاتفي - خفية عن أهلهما- أنه لا يمكن له أن يتركها طال الزمن أو قصر وألا يمكن الاستغناء عنها، وأنه سيبذل من أجلها الغالي والنفيس.
أحست بالأمان هي الأخرى؛ فهي مغرمة به إلى حد بعيد، وحبهما شبيهٌ بعض الشيء بحب قيسٍ لليلاه.
هو قيس المشرد في بلده، الباحثُ عن الأمان والاستقرار، الزارعُ لورودِ الحب في كل مكان يمضي فيه.
وهي ليلاه المدللة التي تعمل جهدها محاولة اختلاس النظرات لرؤيته ومحاولة تحسين صورتَه أمام أمها، وأمام أبوها فمعلومٌ أنه إن ذكرته أمامه سيصفع وجهها، وقد يودي بها إلى الزواج من غيره كما كانت قصة قيس وليلى في حضم القدم.
على أمل اللقاء عما قريب ظلا يعدان الأيام ترقبًا لموعد اللقاء الحميمي في القفص الذهبي الموعود.
كلاهما يشعر بالحماس الشديد، وكلاهما يزداد حبًا للآخر يومًا بعد يوم.
مضت الأيام على غير عادتها، في ثقل كبير ملؤه الخوف والقلق فالعلاقة بين الأسرتين ازدادت توترًا، وهذه هي طبيعة الحرب؛ تدس السم في الدسم؛ فالشاب مستنير العقل ينظر للحياة من زوايا عدة، راجح العقل يحب الوطن كحبه تلك الفتاة ويعمل جهده لنشر السلام والأمن فيه.
والأب طامع يجري وراء المصلحة، انساق وراء المليشيات التخريبية فدسوا بعقله الدسائس وكادوا على الحبيبين فكان كيدهم عظيما.
الفتاة باتت بانتظار القدر المحتوم تضع يدها على قلبها كلما تذكرت العلاقة بين حبيبها وأبيها؛ فشعورها وقت ذاك أقربُ إلى سكرات الموت؛ بل إن الموت أرحم بها من هذه الحياة التي تُظهر لها الأنياب ليس ابتسامًا وإنما غضب وتحدٍ، أن لن تصلي إلى مرادك في يوم من الأيام مادام حبيبك ليس منا.
وبما أن التحكم بالقلوب ليس بيد البشر ظل الحب كما هو يزداد عرضًا وطولًا بين الحين والآخر، على الرغم من أن الحبيب يعمل في الضفة الأخرى ضد الأب؛ فالأب هو العدو للبلد وأهلها، يجري وراء المنفعة حسب اعتقاده، ويجري وراء ذاك الشاب ليفتك به لا أكثر.
وما هو حال الفتاة يا ترى وهي التي لا تملك الحيلة ولا الوسيلة وإنما تمتلك الدعاء لرب العباد أن زدني صبرًا وثباتًا يا إله العالمين.
حاول الشاب التقدم الرسمي للفتاة طالبًا يدها من أبيها فكان الرد متعبًا كله تحدٍ، واستهتار، جعله يترك الأمر لرب العالمين في انتظار القدر.
خلف لها رسالة بعد لقائه بأبيها مفادها: أن انتظري إلى أن يحق الله الحق ويزهق الباطل فحبنا اليوم قد أصبح أكبر مما كان عليه، لقد أصبح قضية وطن وأنا لست من خائني الوطن كما تعلمين.
إن أباك رفض قدومي واشترط علي في القبول الانخراط في صفوف المليشيات التي لم تهلك الوطن وحسب؛ بل إنها نالت من الدين وأهله، كما تسمعين وترين من سب لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والتفريق بينهم وتغيرهم لشريعة الله في أرضه وخرابهم للبلاد والعباد.
أنت جميلةٌ حقًا ولكن حب الوطن والدين فوق ذلك كله، أنت بريئة لاذنب لك لو أتينا للحقيقة ولكن أباك وأمثاله ليسوا كذلك.
القضية يا عزيزتي فاقت التصور الذي كنا نتصوره قبل هذا، ليست مجرد لقاء حبيبين أو فراقهما، لم تعد كذلك فالقضية اليوم دينٌ واعتقاد، وطن ومواطن، حريةٌ وسجون حقيقةٌ تدفن وباحثون عنها يحاولون الوصول إليها.
كوني بخير فالله قد وعد عباده بالنصر، والحق لابد له أن ينتصر ولو بعد حين، والدين محفوظ من لدى حكيم عليم.
أنا ذاهب إلى الجهاد يا عزيزتي قد أعود إليك منتصرًا وحينها يتحقق مرادنا ونفرح مرتين، وقد لا أعود وفي ذلك سأكون من الشهداء، والله يعطي الشهداء ما يريدون وحينها سأطلبك زوجة لي في الآخرة وبك اكتفي عن الحواريات.
تركها ليشرع في الجهاد وظلت هي تعمل بصمت في اقتفائها أثر الحقيقة، تنتظر حبيبها كي يعود؛ فقد نذرت له نفسها، وفي نفسها حديث يقول: إنها ستلقاه في دار الدنيا أو في دار الأخرة.
المقال خاص بموقع "المهرية نت"