آخر الأخبار

السحر وما يحيط به من الخرافات والأساطير في سقطرى

السبت, 19 ديسمبر, 2020

  كثر التهويل عن واقع السحر في سقطرى عند غير المقيمين فيها حتى تخوف كثير من الناس من القدوم إلى سقطرى ولكثرة هذه القصص ابتنى لدى البعض تصور أن سقطرى مستودع السحر والشعوذة والأعمال الخارقة للعادة وأن كل من يعيش في سقطرى إما ساحر أو مسحور.


  والحقيقة أن في سقطرى سحر الطبيعية الخلاب إما السحر الإنساني أو الشيطاني فلا يتجاوز أو لايصل في مظاهره وأنواعه ما يوجد في بعض المحافظات اليمنية وما يوجد فيها مستورد من خارجها فأغلب الأشخاص الذين يعملون السحر وافدين على سقطرى وجدوا سقطرى بيئة خصبة لنشر خزعبلاتهم السحرية.


 ونظرا لتفشي الجهل في سقطرى في القديم على امتداد حكم السلطنات ظهرت الكثير من الخرافات والأساطير التي يفتعلها الكهان لكي يكسب المال أو ينال الحظوة والجاه عند السلطان كون السلاطين يقربون بعض الكهان والسحرة بغرض حمايتهم وبغرض كشف الأمور المتعلقة بحكمهم أو المتعلقة بالرعية وما فيها من تجاوزت فقد استطاعوا إقناع بعض السلاطين أن لديهم القدرة على معرفة السارق والمخرب والمعتدي وغير ذلك وإذا وقع اتهامهم على أحد تتم ادانته ولولم يكن هو الجاني.


والحق أن هناك من اشتهروا في القديم من أبناء سقطرى بالسحر وهؤلاء لا يتجاوز عددهم في عموم الجزيرة أصابع اليد الواحدة وغيرهم الكثير ممن لا يمتلك أي فنون سحرية سوى الادعاء.


   ويلحق بعض الناس فنون عادية ضمن السحر مثل تقفية الأثر فهي ربما ذكاء وفراسة وقد اشتهر بهذا اللون  أشخاص محدودين جدا وكذا أصحاب الفراسة في التشبيه الذين يمتلكون حدة في تبين ملامح الناس وأوصافهم حيث أنهم يرون الشخص مرة واحدة فيعرفونه ويعرفون أبنائه واخوته.


    وقد وجد أيضا عددا محدودا من قراء الكاف أو الطالع والفنجان وغيره ويطلق على هذه الأشكال في سقطرى (مصلح) فينبئون بمستقبل الأفراد وظروف حياتهم وهذا العمل محدود جدا لا يكاد يعد، وهناك مجموعة من المعالجين من يعالجون إما بالقراءة أو بالعلاجات الطبيعية أو الكي وغيره ومنهم من يستطيع إخراج الأشياء الدقيقة من العين بواسطة لسانه وقد نسجت حول بعض المعالجين الكثير من القصص والتي تشير إلى أنه يتم مساعدتهم بواسطة تابع لهم من الجن يكشف لهم العلاج ونوع المرض ولذلك اشتهر منهم طائفة يعتقد الناس أن علاجاتهم تذهب المرض ولهذا السبب يقصدهم الناس من مناطق بعيدة.


ونظرا لانتشار العلم وتوسع المعرفة وتمسك الناس بالدين وتهويل الدعاة على خطورة الأعمال السحرية قلت الأعمال السحرية كثيرا في الآونة الأخيرة فلا تكاد تجد أحدا يعمل هذه الأعمال بشكل علني بل يغلفها بالأنواع العلاجية الأخرى كالقراءة والعلاج بالأعشاب وغيره.


  وهناك سحرة يستخدمون سحر العين والعين حق كما جاء في الأثر فقد اشتهر أناس بالعين لدرجة أن الناس يتخوفون منهم فلا يقربون منهم أي شيء يثير اعجابهم وقد ساعدت عدة عوامل على وجود هذا النوع فبالإضافة إلى الجهل ساعد الخطاب الديني والحكايات المتداولة على انتشاره.


   وفي السابق كان بعض السلاطين مشهورا بالعين والغريب أنه كان يعرف وقت تأثير عينه فيما حوله فيحذر من ذلك أو يتحسر لعدم إدراكه لما فاته يحكى أنه اجتمع أناس في ظل شجرة وكان معهم السلطان فنظر إلى أغصانها فأثار اعجابه أحد أغصانها بطولة وسماكته وقوامته وقام من مكانه مسرعا وأمر كافة الرجال فهربوا جميعا فوقع الغصن في مكانهم والقصص في هذا المجال كثيرة جدا ويرتبط بقضية العين ما يسمى بالحاسد الذي لا يحب أن تمتلك شيئا جميلا فيرسل عينه على مقتنياتك الجميلة فيمرضها أو يعطبها وهذا الاعتقاد ما زال موجود بشكل طفيف في مناطق محددة.  


   وقد ذكرنا في المقال السابق أن هناك نوع من السحر يعد من مظاهر العنف ضد المرأة وهو إتهام النساء وخاصة العجائز أنهن يصحبن تابع من الجن يبعد البركة عن المال أو يمرض أحد أفراد الأسرة ونحو ذلك وهو نوع من الوهم يبنيه الكاهن المعالج في أذهان الناس البسطاء حتى تخوف كثير من الرجال من العجائز وحذر منهن وقد استدعى هذا الموضوع لكثرته وشهرته عناية السلطان فاخترع طريقة لاختبار هؤلاء النساء العجائز حيث يتم جلبنهن إلى الساحل في منطقة معروفة وبحضور السلطان وحاشيته فيوضع على ظهر المرأة المتهمة طبقة من الرحى فوق ظهرها وأخرى على صدرها وتربط طبقتي الرحى بحبل متين يمسك بطرفه خادم مكلف بالمراقبة والتنفيذ من قبل السلطان ومن ثم يتم قذف المرأة من القارب بقوة وسط البحر فإذا غرقت وكادت أن تموت تكون قد نجحت في الاختبار أما إذا قاومت الغرق فيعنى ذلك أنه هناك جني ساعدها على عدم الغرق والعامل الأساسي في كل هذا هو الخادم حيث أنه يتعمد إرخاء الحبل لمن أراد لها أن تعوم ويشده لمن أراد لها أن تطفو وقد أدرك بعض الناس دور الخادم فقدموا له الرشاوى حتى يرخي لهن أو يشد عليهن وبعد هذا الاختبار يقوم السلطان بترحيل النساء اللواتي قاومن الغرق وقد تم بالفعل تسفير مجموعة من النساء إلى دول الخليج وبعض المحافظات اليمنية وأغلب من يبلغ السلطان عن هؤلاء النسوة ويتهمهن من أقاربهن وفيما بعد صار بعض من هؤلاء النسوة مصدر رزق لذويهن ولمن اتهموهن بالسحر  وخاصة من كن في دول الخليج .    


   ومن الأعمال المثيرة للجدل والتي مازالت حاضرة إلى اليوم في قبائل السادة أو الأشراف هو أن هناك طائفة من الرجال الأشراف يتنزهون عن أي سوء أو أي اعتداء على الآخرين وما أن يعتدي عليه أي أحد تظهر على المعتدي علامات وأعراض مخيفة فينتفخ جلده أو يسقط من مكان عال أو يقوم بتعطيل سيارته أو دابته فلا تتحرك إلا بعد رضا الشريف وبعضهم أوقف السفينة وسط البحر وغير ذلك وهي قصص واقعية حكاها كثير من الناس ممن حضر هذه المشاهد وهي مازالت تتكرر إلى اليوم وقد قمت بالسؤال عن خلفيات هذا الأمر كثيرا من الناس وكبار السن فتباينت آرائهم بين من يقول أن هذه الأعمال يقوم بها شياطين يتبعون هؤلاء الأشخاص ومن يقول أن هذه علامة من علامات الولاية فكونهم أشخاص صالحين تستجاب دعوتهم تجاه من اعتدى عليهم وهناك من يقول أن هؤلاء لديهم سر مع الله كأنهم أوتوا اسم الله الأعظم على نحو  ما هو موجود في كتب بني اسرائيل.


 وقد سمعت الكثير من الحكايات المشابهة لتلك القصص تروى عن الأشراف والسادة في حضرموت الساحل والوادي وفي عدن وهو أمر يستحق الكثير من البحث والتقصي.


   خلاصة القول: أنه ليس هناك من الأعمال السحرية في سقطرى ما يدعو للقلق وهذه الأعمال إن وجدت فهي أعمال لا تخرج عما هو موجود في بعض المحافظات اليمنية وبشكل أخف منها وكثير من هذه الأعمال تلاشت مع انتشار العلم والالتزام بالدين ومن يمارسها أو يعتقد بها هم من الجهلة وضعاف الدين وقد تردد الكثير من الباحثين والسواح على مناطق سقطرى ولم يجدوا ما يدعو للقلق من هذه الأعمال والتخوف منها أو ما يعيق السياحة في كافة ربوع الأرخبيل.
المقال خاص بموقع المهرية نت