آخر الأخبار
ولسقطرى نصيب من النكبات.. لكنها تنتصر
من سنة الله في الأرض أن يبتلي العباد والبلاد بشيء من الخوف والجوع والحرب، وهذا أمر مشاهد منذ بدء الخليقة وإلى منتهاها. وقد حصلت سقطرى على نصيبها من تلك السنة الإلهية، ولم يشفع لها ما ميزها الله به من جمال المظهر والمنظر، وطيبة أهلها ورقة قلوبهم وسجيتهم المبنية على الفطرة والعفوية.
فقد مرت بسقطرى العديد من الحروب والفتن والمشاكل قديما وحديثا، وقد رصدت لنا كتب التاريخ شيئا من ذلك، وأخفت شيئا من ذلك أيضا.
من أهم الحروب التي تجرعتها سقطرى قديما عندما هجم الاحتلال البرتغالي على سقطرى عام 1507م، فقد نزلت حامية من الجيش البرتغالي في ساحل قرية (شق) العاصمة السقطرية حينها، ووقف أمامها رجال سقطرى بدفاع باسل وبشجاعة ورباطة جأش بقيادة السلطان عامر بن طوعري، وكانت المهمة صعبة أمام الجيش البرتغالي رغم فارق العدة والعتاد، لكن الفارق فعل فعلته وسيطر البرتغاليون على القلعة التي كان يتحصن بها المقاتلون السقطريون، وقتلوا السلطان عامر والعديد من جنوده، واستولوا على العاصمة.
ومع ذلك لم يستسلم السقطريون الذين سلموا من القتل، فقد كايدوا الجيش البرتغالي مكايدة عظيمة، وضيقوا عليهم في المعيشة والتحرك، وساندتهم جند الله من الخوف والجوع ونقص في الثمرات والأمراض والأوبئة، حتى أعلنت البرتغال فشلها الذريع أمام السقطريين، وانسحبت من سقطرى عام 1511م، لتجر ذيل الخيبة والهزيمة.
ومما يحكى في ذلك أن مجموعة من الشراء ضيقوا على مسلمي سقطرى في فترة من الفترات، بل قاموا بالتنكيل بهم وقتلهم وسبي نسائهم، ليهيئ الله في تلك الظروف القاسية امرأة اسمها الزهراء السقطرية، فقد تحركت مشاعرها، وتفتقت شاعريتها، ونظمت قصيدة تناشد فيها الصلت بن مالك حاكم عمان حينها، وتصف له الوضع في سقطرى، وتطلب منه النجدة.
وشاء المولى أن تصل القصيدة بطريقة أو بأخرى إلى الإمام الصلت، وما كان منه إلا أن لبى الندى، كما فعل المعتصم تجاه امرأة عمورية التي نادته (وامعتصماه)، فحرك الصلت سفينة بحرية، محملة بالمقاتلين، الذين وصلوا سقطرى، وقضوا على الشراء، وأعادوا الوضع إلى طبيعته، لتنتصر سقطرى، وينتصر الحق ثانية.
وفي عام 1834م حاولت بريطانيا شراء جزيرة سقطرى فأرسلت الكوماندر هيتر إلى السلطان عامر بن سعد بن طوعري، لكنه تلقى صفعة قوية وكلاما قاسيا من السلطان عامر، فقد أقسم بالله أنه لن يتخلى عن شبر واحد من أرض سقطرى، فذهب هيتر بخيبة أمل، ولم تفكر بعدها بريطانيا بشراء سقطرى. وتنتصر سقطرى.
ومن نكبات سقطرى التي بقي ثلمها في قلوب أبنائها ما حصل في صبيحة الجمعة من عام 1974م في جبل حيبق (سلبهن) من القتل رميا بالرصاص لعدد من رجالات وهامات السلطنة العفرارية التي كانت تحكم سقطرى حينها، فقد تصرف رجال الجبهة القومية تصرفا مشؤوما لن يغفره التاريخ. ومما فعله هؤلاء أن تم سجن السلطان عيسى بن علي بن عفرار سلطان سقطرى حينها ومع مجموعة من قاداته، لغرض التشهير بهم وقتلهم أمام الملأ.
لكن تنتصر سقطرى هنا أيضا، فمن قُتل فقد قتل شهيدا مظلوما مغدورا به، وفي يوم الجمعة الطاهر، وألسنتهم تلهج بذكر الله، فلا خوف عليهم مع الله، وعند الله تجتمع الخصوم، ومن سُجن منهم تم الافراج عنه، وخرجوا شم الأنوف رافعي الرأس.
ومما حصل لسقطرى حديثا أن تآمر عليها المتآمرون وحاك لها الحاقدون، رغم أنها لم تكن جزءا من الصراع الدائر حاليا في اليمن؛ لبعدها الجغرافي، وعدم رغبة أهلها في إدارة الحروب والشوق لها، إلا أن هؤلاء البغاة استطاعوا جرها إلى مربع العنف والصراع والاقتتال، لماذا ولمصلحة من؟ لا ندري.
فقد وصل الاحتقان ذروته - بين الأطراف التي تتلقى أوامرها من هنا وهناك – في يوم الجمعة الموافق 1/ مايو/ 2020م اليوم الثامن من شهر رمضان المبارك، لتسمع جبال سقطرى صد المدافع لأول مرة في التاريخ، وشاء الله أن تكون المعركة في جبال حيبق، في نفس المكان الذي حصلت فيه مجزرة 1974م، أسفر عن تلك المواجهة مقتل الطاهر طاهر علي عيسى السقطري، وارتقت روحه الطاهرة البرية إلى باريها.
وتأزمت الأمور وتعقد المشهد، وتم تأجيجه بأيادي من داخل اليمن ومن خارجها، تلك الأيادي التي أزعجتها سلمية سقطرى وأمنها واستقرارها، لتحدث مواجه أعنف وأشد من الأولى، ويحصل الهجوم الكاسح بكل أنواع الأسلحة، لتبدأ صوت المدافع من جبال حيبق نفسها، وفي يوم الجمعة ذاتها، وتتجه نحو العاصمة حديبو، ليتم اقتحام العاصمة حديبو، وتسقط عاصمة الأرخبيل بيد مليشيات الانتقالي، كان ذلك تاريخ 19/ 6/ 2020م.
ما زالت سقطرى بيد مليشيات الانتقالي حتى يوم الناس هذا، وما زلنا نتأمل بانتصار سقطرى كما عهدناها.
ولسوف تنتصر سقطرى، ويُهزم الباطل شر هزيمة.
المقال خاص بموقع المهرية نت