آخر الأخبار

مأرب ... معركة أكبر من  حسابات  الشرعية والتحالف 

الاربعاء, 09 سبتمبر, 2020

تتلقى مأرب هجمات الحوثيين منذ أشهر وكأنها المعني الوحيد بالوقوف في وجه جماعة تضرب طموحاتها في جميع الاتجاهات ، وتتعدى رمال مأرب ونفطها بل وتتجاوز حدود اليمن نفسه . يعتقد التحالف ، وإلى جانبه قيادة الشرعية ،  أن الحد الأدنى من دعم مأرب يكفي ليسقط عنهم مسؤولية شديدة الحساسية تتمثل في الدفاع عن أهم وآخر معاقل الشرعية وكذلك أهم خطوط الدفاع عن السعودية في شمال البلاد .

هذه لعبة  خطيرة جدا ، والثمن الذي سيترتب على الإخفاق في ردع الحوثيين يتجاوز جميع الحسابات . ربما لا يكترث رئيس الجمهورية وحكومته كثيرا لقيمتهم في عيون الشعب والحلفاء والخصوم والعالم ، ولكن هذه القيمة المتهالكة ستتصفر تماما مع الهزيمة في مأرب ، وسينفتح باب واسع للتمردات داخل صف الشرعية وستضيق على الرئيس وحلفائه حتى غرف الفنادق في الرياض وهي التي اتسعت لهم وآوتهم لسنوات . على هؤلاء القوم أن يشعروا بالفزع الشديد ، لأن المحاربين في مأرب  ، بمعنى من المعاني ، هم الذين يدفعون من دمائهم أجرة هذه الغرف ، وأي انكسار - لا قدر الله - سيلقي بنزلاء الرياض المقيمين في الصحراء ، وهذا الإنذار يصدر عن يقين قوي بأن الإقامة الفندقية تعز بالفعل على المسؤولين اليمنيين أكثر من شيء مجرد اسمه الوطن .

لم يعد الأمر يتعلق بمقارنة مستهلكة بين الوطن والإقامة الفندقية في الرياض كما جرت العادة في سبيل عتاب المسؤولين وتخفيزهم ،  فالوضع قد بلغ فعلا مرحلة يقود فيها التفريط في المسؤولية الوطنية إلى الخسارة وفقدان القدرة على المتجارة بالوطن ؛ ما الذي يبقى من الوطن الذي يدعي مسؤولونا تمثيله والترزق باسمه إذا سقطت مأرب ؟


بالنسبة للتحالف - السعودية تحديدا - فإن اقتصار تفاعله مع ما يجري في مأرب على المساهمة الجوية لا يعبر عن استيعاب ملائم لحساسية الموقف . يشعر الجميع أن التدخل الجوي في مواجهة الحوثيين أصبح بعيدا عن أن يكون تعبيرا عن نوايا جادة للسعودية في محاربة المخططات الإيرانية في اليمن . يبدو هذا التدخل أقرب لأن يكون سعيا لإبقاء الحوثيين تحت درجة معينة من السيطرة ، وكذلك تمويها على مخططات سعودية مناوئة للشرعية  . في استطاعة الرياض أن تساهم بفعالية أكبر في ردع الحوثيين من خلال دعم جبهة تعز والضالع مثلا ، ومن خلال السعي لتحريك جبهة الحديدة  ، وهي الجبهة التي تمس الحوثيين بشكل وجودي . هذه خيارات مباشرة وبديهية جدا ، ولكن السلوك السعودي في اليمن كان منذ مدة قد دخل في مسارات معقدة وغامضة تكشف أحيانا عن أن السعودية يمكن أن تتصرف ضد مصالحها نفسها فضلا عن مصالح اليمنيين وحكومتهم الشرعية . 

الاندفاع الحوثي باتجاه مأرب ، والاستعداد للتضحية بآلاف المقاتلين في سبيل حسم هذه المعركة يضعنا تلقائيا أمام مقارنة تتعلق بالقدرة على تحديد الأهداف بين الحوثيين من جهة وبين الشرعية والسعودية من جهة أخرى . يمارس الحوثيون الانتحار في سعيهم للسيطرة على مأرب ، ولكنه مع ذلك انتحار محكوم بوضوح الهدف ، في حين أن الجانب الآخر يقامر بوجوده مسترخيا وشبه غافل عن طبيعة ما يدور ، وبالتالي يمنح الإنتحار الحوثي إمكانية التحول إلى انتصار . مشهد السعار الحوثي حول مأرب يجب أن يلهب الخيال السعودي مع حقيقة أن هذا كله يمكن أن يتكرر على أبواب السعودية نفسها لو أفلح الحوثيون في مسعاهم .

معركة مأرب تختبر الجميع اختبارا نهائيا ، ونتائجها تعني الجميع ، فلماذا تخوضها مأرب وحدها ؟ ولماذا تقتصر استجابة المعنيين على الحد الأدنى من ردة الفعل ؟

المقال خاص بموقع "المهرية نت"
 

المزيد من يعقوب العتواني
في سنوات الثورة كان هنالك أمل 
الاربعاء, 03 فبراير, 2021
لا نسيان ولا تطبيع أيها الحوثيون!
الاربعاء, 27 يناير, 2021