آخر الأخبار

حرب اليمن وتأثيرها على التعليم

الأحد, 30 أغسطس, 2020

(1-2)
كنت خلال الأسبوع الأخير من أغسطس/ آب 2020  مشاركاً في ورشة لتقييم دراسة ميدانية لتأثير ( الحرب) على التعليم العام غير الأهلي في اليمن والتي نفذتها " منظمة مواطنة" في أكثر من منطقة  من مناطق الاحتراب والتنازع في اليمن.

عاينت الدراسة وبكثير من الأدوات الأضرار التي طالت النظام التعليمي والبنية المادية للمرافق والمنشآت التعليمية في اليمن جراء (الحرب) منذ مارس/ أذار 2015 ، وتناولت على نحو خاص تأثير الحرب على بيئة التعليم وعلى التلاميذ والمعلمين في عدد من المدارس الأساسية والثانوية في البلاد. كما تناولت النزوح باعتباره أحد الظواهر المرتبطة بالحرب، والذي يفرض العديد من التحديات كإعادة إدماج التلامذة النازحين في النظام التعليمي من جديد ، إضافة إلى ظاهرة تسرب الطلاب  من المدارس  و يعتقد أن النزاع ساعد في توسيع نطاقها .

حضور نخبة من المختصين بقضايا التعليم والبحث العلمي وأكاديميين من بعض الجامعات ومراكز البحث أثرى الدراسة بالنقاشات  الجادة ، وكان المشترك بين الجميع،  هو جدية موضوع الدراسة وتوقيتها الزمني ، في ظل ظروف  صعبة ومنهكة، وهو ما يمنحها الأسبقية  الجادة في هذا المضمار ، وقد تفتح الباب واسعاً أمام دراسات معمقة في جميع بنى المجتمع .

اعتمدت الدراسة التي أعدها (د هاني المغلس) على عينة من طلاب المدارس الحكومية في مختلف المراحل العمرية، بلغ عدد أفرادها( 400 ) تلميذ من137 مدرسة في ثمان محافظات إضافة إلى أمانة العاصمة صنعاء، وهي (تعز ، الحديدة،  محافظة صنعاء الحديدة، عدن، أبين ، الضالع، حجة، صعدة)  وجرى اختيار المحافظات التي يعتقد أن قطاعاتها التعليمية تعرضت لأضرار مباشرة أوسع بسبب الحرب مقارنة بمحافظات اقل تضرراً.

وإضافة لعينة الدراسة تم اعتماد عينة استطلاعية خاصة بالنازحين، تألفت من 100 طالب نازح في المحافظات والمدارس نفسها التي شملتها عينة الدراسة. وعينة استطلاعية أخرى خاصة بالمتسربين تكونت من 100 طالب متسرب من التعليم. وعينة استطلاعية خاصة بالمعلمين تشكلت من 100 معلم في حدود النطاقات الجغرافية والمدارس نفسها التي تشكلت منها عينة الدراسة.

وهدفت الدراسة إلى  تحقيق جملة من الأهداف  ومنها: تحليل سياق الحرب وتأثيراتها العامة على التعليم في اليمن ، والتعرف على طبيعة التأثيرات التي تتسبب بها على النظام التعليمي بجميع عناصره، وتحليل القدرة على الوصول للتعليم بالارتباط مع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في سياق الحرب ،  الوقوف على التداخل المعاش بين التعليم وظواهر مجتمعية أخرى نتجت عن الحرب أو عملت على تعميقها كالنزوح وتجنيد الأطفال وعمالة الأطفال، الحصول على معلومات كمية وافية حول الأوضاع التعليمية في اليمن في ظل الحرب ،  المساعدة في إنتاج مادة وثائقية مصورة من واقع المعلومات والشواهد الميدانية ، تقديم مجموعة من التوصيات والتدابير العملية لتدعيم استراتيجيات تخفيف أضرار الحرب على التعليم، وتعزيز التعليم الحساس أو المراعي لظروف النزاعات وحالات الطوارئ.

و تمثلت أهم استخلاصات  نتائج الدراسة الميدانية في  تأثير الحرب على التلاميذ ، والمعلمين والمنشآت في مواجهة
الطلاب  في طريقهم إلى المدرسة أنواعاً من العنف والمخاطر الأمنية الناجمة عن الحرب أو عن حالة - الفوضى المصاحبة له، وتمثلت تلك المخاطر في الاشتباكات المسلحة التي تحدث بصورة مباغتة أثناء الذهاب إلى المدرسة أو العودة منها، ومضايقات الغرباء ( المسلحون المتكدسون في المنشآت وجوارها ) خاصة اللفظية للفتيات،  وكذا محاولات الاختطاف. وكانت نسبة من تعرض من التلاميذ لمخاطر فعلية من هذا النوع في طريق المدرسة 24.6 % من عينة الدراسة، ويعيد معد الدراسة والمشرف عليها الانخفاض في هذه النسبة إلى أن وتيرة الحرب كانت قد انخفضت بدرجة كبيرة في الكثير من المناطق وقت  إجراء الدراسة " فبراير مارس – 2020" ، كما تراجع على نحو ملحوظ مستوى الهجمات الجوية على المدارس مقارنة بما كان عليه في السنوات السابقة عند بدء الحرب.

 لاحظ معد الدراسة أن الانخفاض في وتيرة الحرب في المناطق المشمولة بالدراسة قد شجع الكثير من الأسر على إرسال أبنائها إلى التعليم - مجددا، مع احتفاظها بمخاوف ماثلة من تعرضهم لأذى في طريق المدرسة. وفي هذا الصدد وجدت الدراسة أن إجمالي الأسر التي حاولت منع أطفالها من الذهاب إلى المدرسة بسبب المخاوف الأمنية خلال العام الدراسي 2029- 2020 لم يتجاوز 38.8% من العينة، وبالتلازم مع ذلك، لاحظت الدراسة أن 76.3% من التلاميذ.

العينة يذهبون إلى المدرسة برفقة أحد الوالدين أو الأقارب، أو بصحبة أبناء الجيران، وهذه الآلية الجماعية في الذهاب إلى المدرسة تبعث على الطمأنينة لدى بعض الأسرة، لكنها في الوقت نفسه تعكس شعورها الغائر بأن طريق المدرسة ليس آمنا بعد.

حسب تقديرات معد الدراسة  أن  لدى   51 % من التلاميذ الذين تمت مقابلتهم شعور بالخوف من مخاطر حقيقة قد تتهدد طريق المدرسة في المستقبل، ما يوحي بأن الطريق إلى المدرسة قد يكون بنظرهم أكثر خطراً مما هو عليه، وذلك بالطبع حال استمرت الحرب. وتعزز الخبرة الحسية لدى الكثير من التلاميذ المستجيبين توقعهم "المتشائم" هذا بخصوص مستقبل الطريق إلى المدرسة، حيث يشاهد  62.0 % منهم العديد من المظاهر العسكرية وهم في طريقهم إلى  المدرسة، كما يضطر  29.3 % منهم لاجتياز حواجز عسكرية ونقاط أمنية من أجل الوصول إلى المدرسة .

 في المحور الثاني من الدراسة  والمتصل بـتأثير " الحرب" على استمرارية العملية التعليمية  وجد معد الدراسة أن:
الحرب قد تسببت  في توقف81 %  من الطلاب الذين تمت مقابلتهم عن الدراسة لفترات متفاوتة، وذلك جراء تعرض مدارسهم لأضرار مباشرة أو وقوعها في مناطق اشتباكات مستمرة أو متقطعة، أو استخدام مدارسهم كثكنات عسكرية ومراكز إيواء وغير ذلك، أو توقف المعلمين عن نشاطهم التدريسي احتجاجا على قطع المرتبات في بعض المناطق. وبلغت أعلى فترة توقف إجبارية فصلين دراسيين، حيث اضطر  53.48%  من الطلاب في عينة الدراسة للانقطاع عن الدراسة بسبب الحرب ، ما يعني أنهم فقدوا عاماً كاملاً من حياتهم الدراسية. وتراوحت فترات الانقطاع الاضطراري عن الدراسة لدى بقية التلاميذ في عينة الدراسة بين أقل من فصل دراس ي وفصل دراسي واحد .

ولاحظ أيضاً أنه  لم يتمكن 61.3 % من التلاميذ الذين توقفوا عن الدراسة لفترات متفاوتة من الزمن بفعل الحرب من الإلتحاق بمدارس بديلة - حكومية أو خاصة -  أثناء توقف مدارسهم عن العمل، ويعود ذلك إلى عدم وجود مدارس قريبة خاصة في الريف، أو العجز من الناحية المادية عن الالتحاق بمدارس خاصة .

وعن الأثر الاقتصادي للحرب على الطلاب  وجد معد الدراسة أن غالبية التلاميذ في عينة الدراسة تنتمي  لأسر محدودة الدخل، وتواجه هذه الأسر ظروفا معيشية صعبة تقلل باطراد قدرتها على تحمل نفقات تعليم أطفالها، سيما وأن أغلب  الأسر لديها أكثر من طفل في المدرسة، ويتعين عليها دفع الرسوم المدرسية المعتادة، إضافة إلى تقديم اعانات مالية للمعلمين في بعض المدارس كي يتمكنوا من مواصلة التدريس بعد انقطاع مرتباتهم.

عدد كبير من التلاميذ الملتحقين حاليا بالمدارس مرشحون للانضمام إلى الأطفال خارج المدرسة في حال استمرار الحرب ، حيث استنتج  أن 47.2%  من الطلاب في عينة الدراسة إن أسرهم لم تعد قادرة على مواصلة تعليمهم، وعلى سبيل المثال يبلغ متوسط المصروف المدرسي اليومي للتلميذ الواحد في العينة 200 ريال أي ما يقارب ثلث الدولار الواحد في صنعاء، وربع الدولار في عدن ، وهذا المبلغ يمثل جزءا كبيرا من الدخل اليومي للأسرة، وإن كان ضئيلا جداً بالنسبة لاحتياجات الطفل الأساسية من الغذاء في اليوم المدرسي الواحد.

العنف بين التلاميذ داخل المدرسة ، واحدة من المخرجات المهمة في الدراسة ، حيث رصدت  استبيانات المبحوثين انتشار العديد من السلوكيات  العنيفة في أوساط التلاميذ داخل المدرسة ، وقال   20.3%  من التلاميذ في العينة أنهم يدخلون في شجارات مع زملائهم في المدرسة بصورة متكررة، بينما يمارس  44.5  % منهم الشجار أحياناً. وثمة أنماط
متعددة للسلوك العنيف داخل المدرسة، وإن غلب عليه طابع العراك بالأيدي مع استخدام آلات حادة في بعض الأحيان، أو تشكيل مجموعات عنف مصغرة من خارج المدرسة لاعتراض طريق بعض التلاميذ المناوئين، خاصة عندما ينشب الشجار بين تلاميذ المرحلة الثانوية .

ويميل  97 % من المعلمين في العينة الاستطلاعية الخاصة بالمعلمين إلى الربط بين اتساع نطاق السلوكيات العنيفة في أوساط التلاميذ وبين النزاع، حيث يعزز النزاع السلوك العنيف ويضعف هيبة المعلمين ويقلل من احترام القواعد النظامية في المدرسة. ومن ناحية أخرى، يفتقر التلاميذ إلى مهارات حل النزاع والإدارة الجيدة للعلاقات داخل المدرسة، وفي الغالب لا تمتلك المدارس آليات احتواء مناسبة للعنف بين التلاميذ.

من الأشياء اللافتة في الدراسة أنه على الرغم  من ظروف النزاع والأوضاع الاقتصادية المنهارة إلا أن الغالبية من التلاميذ  78.3 % من العينة يشعرون بالحب تجاه المدرسة، ويعود ذلك إلى جملة من العوامل أهما: حب التعليم وتشجيع الأسرة على مواصلة الدراسة، وامتلاك صداقات جيدة في المدرسة، والاستمتاع بالوقت داخل المدرسة من خلال اللعب مع الأصدقاء، أو المشاركة في الأنشطة المدرسية الترفيهية، وبعض الانشطة الباعثة للشعور بتحقيق الذات.
(يتبع)

المقال خاص بموقع "المهرية نت"
 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023