آخر الأخبار
معركة الضمير
لا مجال لنكران خطورة المشهد اليمني، و العنف الذي فرض كيانات طارئة، غيبت العقل ونخبه، فهل تستشعر تلك النخب خطورة المشهد اليمني ومآلاته، أمام نخب الوعي من مثقفين ورجال العلم؟.
في بلدي، جنوباً وشمالاً، أسئلة في غاية الأهمية، الإجابة عليها ستسهم في تصحيح إدارة المشهد ومسار التحوّل، أين هي الأحزاب السياسية، كأدوات أساسية وأركان مهمة في التنمية الفكرية والسياسية، كاصطفاف وتكتلات فكرية تذوب فيها الطوائف والمناطق والجهوية، لتكبح جماح العنف وتلك الكيانات الطارئة؟ ما هي أسباب حالة الضعف السياسي اليوم، و غياب أدواته؟، غياب أتاح مجالا لاصطفاف جهوي وتكتلات مناطقية طائفية لا يبني دولة، ولا تسهم في تحوّل يلبي تطلعات الأمة.
الاصطفاف الجهوي كطوائف ومناطق وعقائد مذهبية، يشكل أدوات تعيدنا للماضي ،وتنمّي فينا الخصومة الفاجرة وتزيد من حجم التناحر والصراعات، اليوم تتمكن تلك الأدوات منّا بالتسليح والعسكرة (مليشيات)، لا مجال معها في حوار الأفكار والرؤى، ومطالبتها بالالتزام بالقيم والمبادئ، والنظام والقانون، ولديها من المبررات السخيفة التي تعطيها الحق في أن تمارس كل انتهاكاتها وتفرض واقعها.
أُريد لنا أن نفقد أهم ركن من أركان التحوّل السياسي والاجتماعي، الأفكار والرؤى التي تنهض بالأمم والشعوب، وأريد لنا ألا نصل إلى تغيير حقيقي لما نصبو إليه من تحوّل وتطلع وآمال، وأُريد لنا أن نبقى مسلوبي القرار والسيادة، ونكون تحت الطاعة العمياء، كحديقة خلفية لا حول لها ولا قوة، تتسوّل المعونات وسبل الحياة، عاجزين عن استثمار ما وهبه الله لنا من موقع استراتيجي وتضاريس ربانية، وأرض حبلى بالثروة والنهضة، محاولين، بكل ما يؤتون من قوة، منع استثمار تلك الثروة، بقدر ما هو مسموح بحيث لا ننهض ولا نتطور، ولا نفكر يوماً أن نكون مثل خلق الله المحترمين في هذا العالم والمحيط المتوحش الذي يبني أسواراً على حديقته الخلفية ويقاتل من أجل إبقائها كمحمية تاريخية لا يمسها التغيير الحضري، خوفاً من العدوى، عدوى الديمقراطية والثورة الشعبية، وحق تقرير المصير والسيادة.
لم ينجحوا في مخططهم هذا إلا بأدوات فاعلة منا، بل وجدوا شروخا تسللوا منها، وأوحوا للأغبياء منا إنها إرادتهم الوطنية، مستثمرين التناقضات لنخر قضايا الوطنية والثوابت، فبدوا الحقن الطائفي والمناطقي والجهوي، و تجريد عدالة قضايانا وخطابنا واختياراتنا، فجعلوا الوطن مجرد أرض متنازع عليها.
أي فكرة أو مشروع لا يرتكز على العدالة الاجتماعية لا يعد مشروعاً وطنياً، بل سيجد من يختلف معه، ومن ينشق عنه، ومن يعارضه، مشروع تفتيت وتمزيق وشتات، مشروعاً لا يقبله ضمير حي ولا غيرة لوطن ولا عزة لكرامة، مشروعاً فاقداً للقيم والمبادئ الإنسانية التي تبنى عليها نضالات الأمم المقهورة.
باختصار، نحن في هذا البلد العريق (اليمن) في محنة ثقافية وفكرية وأزمة وعي، وجد الجهل والتخلف والعصبية طريقهما في هذه الأزمة ليتمكن منا، ووجد الطامعون فرصتهم للعبث، ووجد المرتزقة مجالاً لارتزاقهم، والعنف مجالاً ليمارس هويته في القتل والدمار والتخريب، ووجد العفن بيئة مثلى لينمو وينهش أعراضنا وعقول أبنائنا وضمير الأمة ووعيها.
اليوم يُهدّد كل وعي وكل عقل وكل ضمير يعبّر عن رأي وعن فكرة وعن منطق، واقع جعل ضمير الأمة في امتحان حقيقي، في أن يكون أو لا يكون، يواجه ضغوطا، انتهاكات، ومداهمات المساكن وانتهاك حرمات البيوت، ضغوطات الشارع العام المتعصب الذي لا يحترم مقدار الوعي والرأي والحق، ضغوطات الأهل والأولاد والأسرة والزملاء والأصدقاء، ضغوط الآلة العنيفة التي تتصدى للرأي الآخر، والتي تعبّر عن تخلّف وتعصّب وعنف من يدير المشهد، آلة لا تحترم العقل ومنطق الأمور، ولا تعترف بالعقد الاجتماعي الضابط للعلاقات والتنوع والطيف السياسي والاجتماعي، ولا ترعى فسيفساء التعايش.
المؤسف أن يحاكم الجلاد نوايا الناس وضمائرهم، وتجد خذلانا من حولها، تجد استصغاراً وتقزيماً للفكرة التي تتبنّاها، تجد إحباطاً شديداً ودعوة للاستسلام بعذر النجاة، خذلاناً يردد أنت بلا قبيلة تحميك، وحزبك لم يعد يهتم لفكرتك فقد غرق كغيره بالوحل، أنت تواجه آلة متخلفة ومتعصبة ومتهورة لا تحترم عقلا ولا منطقاً، يا من تعوم عكس تيار شديد الهيجان، ستغرق كما غرق غيرك، تحطيم للمعنويات، وحقن بالرعب والخوف على مسؤوليات من تحب ومن ترعى ومن تهتم، في تهديد للحياة وما تملك وتعز، يضعونك في امتحان للتمسك بالدنيا، وتناسوا أم أن ما هو مكتوب لك ستلقاه، وللموت اجل، والرحيل بشرف خيرا من البقاء مهان.
* هذا المقال خاص بموقع المهرية نت