آخر الأخبار
تدهور العملة.. عبئ ثقيل يتحمل تبعاته معظم اليمنيين (تقرير خاص)
استمرار تراجع الريال اليمني
الثلاثاء, 15 ديسمبر, 2020 - 09:23 صباحاً
يمثل استمرار تدهور الريال معضلة كبيرة زادت معاناة اليمنيين وأثقلت كاهلهم حتى أصبحوا يترقبون بقلق ارتفاع الأسعار يوماً بعد آخر.. وهو ما دفع بالعديد من المواطنين في أكثر من محافظة إلى التظاهر لمطالبة الحكومة بالتدخل الفوري لوقف انهيار العملة التي شهدت تراجعاً كبيراً خلال الأيام الماضية.
ورفع محتجون لافتات من قبيل "2000 يوم من الحرب لم تُسقط الانقلابيين الحوثيين بل أسقطت الاقتصاد اليمني".
وراوح سعر صرف الريال مقابل الدولار الواحد بين 850 إلى 920 خلال الأيام القليلة الماضية.
شراء نصف كوسة
دعاء الزمر من محافظة تعز تحدثت للمهرية نت عن تأثير غلاء الأسعار فتقول: "حينما يسألني أحدهم عن تأثير الغلاء علينا لا يمكن أن أنسى ذكر ذلك المشهد الذي حصل حين كنت في أحد أسواق الخضار، وهو أنني رأيت أحد المواطنين يجادل البائع على سعر كوسة واحدة، ثم لم يستطع أن يشتريها كاملة، طلب من البائع أن يعطيه نصف هذه الكوسة فقط، كنت مندهشة من الموقف.. ومصدومة".
وتضيف الزمر: "نعم وصلنا إلى هذا الحد من الفقر المدقع، إذ لم يعد بمقدور الناس توفير أبسط المواد الغذائية ولولا المعونات التي تأتيهم من المنظمات على شحتها ونقصانها واستغلالها لكان الحال أسوأ بمراحل.
وتتابع "الجميع يلاحظ أننا إذا اشترينا سلعة ما في الشهر الأول نتفاجأ الشهر الآخر بنسبة زيادة عالية حتى أنها تصل خلال أشهر قليلة إلى الضعف وهكذا على مدار العام".
"لا يمكن أيضاً أن نغفل عن سعر الدواء الذي يزداد بشكل دوري وكيف يتحمل الناس هذا العبء بشق الأنفس خاصة ممن لديهم أمراض مزمنة حتى وصل الحال بالبعض أن يستغني عن أدوية الضغط والسكر ويستبدلها بأعشاب طبيعية"، تقول الزمر.
تعامل سلبي
مؤخرًا انتقلت دعاء الزمر إلى مدينة تسيطر عليها ميليشيا الحوثي فعلقت على هذا الأمر "رغم كل الحنق والغيظ في قلبك تجاه الميليشيا – إلا أنك تجد نفسك ساخطًا أكثر تجاه الشرعية. وتتساءل عن سر تعاملها السلبي تجاه الأمر؟.. حيث لم تُوجد حلاً لفارق اختلاف العملات ولم توجد حلاً لسعر الصرف، فالأسعار في مناطق سيطرة الشرعية جنونية والتجار بلا ضابط ولا رقيب، كما أننا نحول عملتنا لعملات صعبة حتى نتمكن من زيارة صنعاء أو إب، نشتري هذه العملات بقيمة قرابة 50 بالمئة أعلى من مناطق الحوثي، والمسألة ليست كارثة اقتصادية وحسب، نحن نشعر بالامتهان حين نضطر أن نصرف مدخراتنا بالعملة الصعبة كأننا في بلد أجنبي؟ حتى المتسول حينما لم أجد في حقيبتي مائتي ريال قديمة رفض أخذ المائتين الجديدة التي كانت بحوزتي، قال: "ماذا أفعل بها؟!".
لا يريدوننا أن ننهض
يشرح المواطن نواف قاضي للمهرية نت معاناته – بكل ألم - مع هذه المشكلة التي باتت تؤرقه: "فموضوع ارتفاع الأسعار وانخفاض سعر العملة يؤرق الجميع، كل المواد التي نشتريها من أغذية وأدوية مرتبطة بأسعار صرف الريال السعودي والدولار الأمريكي، نتابع بشكل يومي كيف ينهار الريال بسرعة مقابل ارتفاع حاد في الأسعار وفي ظل وضع اقتصادي مزرٍ، الناس يعانون من الفقر ولا يوجد مرتبات، وهناك ارتفاع كبير في الإيجارات، بالإضافة إلى الغلاء الفاحش.. فالشيء الذي كنا نشتريه قبل أسبوع بثلاثمائة وصل اليوم إلى خمسمائة ريال وهكذا، هذا يزيد هم المواطن ويجعله يتخلى عن العديد من الاحتياجات في حياته اليومية ويتنازل عن الكثير، ويعيش بالكفاف.. والمشكلة أنه حتى لو ارتفع سعر الريال واستقر نسبياً فلن نرى تراجعاً في أسعار السلع، بل ستظل مرتفعة".
وينتقد قاضي الذي يسكن مدينة مارب صمت الدولة وخذلان التحالف السعودي الإماراتي فيقول: "نحن نعرف أن سبب هذا التدهور وقف صادرات اليمن، لا يوجد في خزينة الدولة أي دخل وهذا بالتأكيد يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة".
ويتساءل: "لماذا يمنعوننا من الاستفادة من مواردنا ولماذا لا يفتحون مطاراتنا وموانئنا، ولماذا لا يسمحون لنا بتصدير نفطنا وغازنا، ويريدون أن نعيش على المساعدات، لا يريدون لنا أن ننهض، بل أن تظل أيدينا ممدودة إليهم بطلب المساعدة والعون كالمتسولين، لابد من إنقاذ المواطنين قبل أن تخرج ثورة جياع تجتاح الجميع.. على التحالف أن يعي ذلك وأنه هو السبب في كل شيء وهو المسيطر على اليمن وعلى اقتصادها وعلى أمنها، وهو أول من سيجني ثمار ما سيحدث في اليمن".
متربحون وفاسدون
أما المحامية والناشطة الحقوقية أمة الله الحمادي فتتحدث للمهرية نت عن معاناة المواطنين مع ارتفاع الأسعار فتقول: "كل البيوت اليمنية سواء تلك التي تقع تحت سلطة الشرعية أو سلطة الحوثي تعاني. فجميع الأطراف السياسية في اليمن متربحة من الفساد، أما المواطن اليمني فمازال يعاني حالياً من طريقة استغلال وجشع السلطات لدى كل الأطراف".
وتضيف الحمادي: "هناك محاولات لتعزيز هذا التشظي والانقسام بين حكومتين وعملتين، لكن الكثير من اليمنيين مازالوا يعيشون على امتداد اليمن الكبير، فالأول يسكن في عدن وأهله في صنعاء وآخر يعمل في مارب وأهله في عمران أو إب ويضطر هؤلاء لإرسال حوالاتهم التي تكلفهم نصف ما يجمعون من مال".
وتعتقد أمة الله أن هناك تربحاً لصالح ما أسمته "المجهود الحربي" تستغله أطراف الحرب وهذا كله على حساب عرق المواطن وجهده، فـ "إذا كان المواطن يسعى لإرسال راتبه المتواضع لأسرته التي تعيش في مناطق سيطرة الحوثي نجد أن نصفه أو أكثر يذهب عمولة الحوالة إلى حسابات لا يعرف أحد لمن تعود.. ويظل للمواطن القليل ليعيش به، كنا سابقاً نعمل لأجل رغيف الخبز اليوم نعمل لأجل أن نوفر قيمة الحوالات، التي تذهب لصالح جهات تستفيد من معاناة المواطن، ومن لا يتأثر بشكل مباشر بهذه الإجراءات يتأثر بارتفاع الأسعار حيث يبرر التجار هذا الغلاء المتواصل بعمولة الإرسال وعمولة المواصلات، فأغلب السلع كما يقولون تأتي من مناطق سيطرة الحوثي، وبالرغم من حصول ارتفاع طفيف في بعض الأحيان في سعر الريال لكن لا يحصل تراجع في الأسعار".
واتفق التاجر (م،ع) الذي رفض الإفصاح عن اسمه لأسباب تتعلق بتنقله بين مناطق سيطرة الشرعية ومناطق سيطرة الحوثي مع ماذهبت إليه أمة الله الحمادي، فيقول في حديث مع "المهرية نت": "إن تدهور العملة وفوارق الحوالات الكبيرة هي من تقف وراء الارتفاع الكبير في الأسعار".
مضيفًا: "نحن أيضًا نعاني.. فقدرة المواطن على الشراء تنخفض وبالتالي يصبح الإقبال على البضائع ضعيفاً مقارنة بفترات سابقة، كما أن رسوم الحوالات للتجار والموردين الرئيسين في صنعاء تضاعفت ولهذا نضطر إلى رفع الأسعار".
نتيجة طبيعية
وبحسب الصحفي والمحلل الاقتصادي محمد الجماعي فإن النقص الحاد في قيمة الريال نتيجة طبيعية ومتوقعة في بلد جففت موارده الغنية وحساباته لدى المؤسسات المالية الدولية مغلقة ولا تستطيع استقبال أي دعم أو قرض أو مساعدة، بل وتتعرض لضغوط إقليمية وتمردات داخلية، وتخوض حرباً ضروساً في أكثر من عشر جبهات ويسيطر عليها تحالف عربي قادر على حل المشكلة بفتات من الدولارات لكنه لا يفعل ذلك".
ويضيف الجماعي في مقال نشره على صفحته بفيسبوك: "حتى تحويلات المغتربين اليمنيين تراجعت متأثرة بفايروس كورونا، كما تراجعت أيضاً الصادرات الزراعية والسمكية، إلى (أقل من 20 مليون دولار بعد أن كانت قد وصلت في مرحلة سابقة إلى 370 مليون دولار) كما يسيطر الحوثيون على الأوعية الضريبية والخدمية للمالية العامة، فيما تذهب إليه بشكل أو بآخر عائدات الاتصالات، فضلاً عن توقف تصدير الغاز الطبيعي المورد الأكبر لليمن".
ويشدد الجماعي على ضرورة "إسناد الحكومة في استعادة استقرار العملة الوطنية وعدم خذلانها في مواجهة الضغوط التي لا يجهلها أحد، إذ ليس المطلوب إضعاف عملة البلد بل سيادته وكرامة مواطنيه".