آخر الأخبار
هل سيكون "الحكم الذاتي" آخر حلقات الدور المشبوه للإمارات في سقطرى؟
قوات إماراتية في اليمن - رويترز
الثلاثاء, 04 فبراير, 2025 - 09:10 صباحاً
لم يعد التوغل الاستعماري للإمارات في السيطرة على أرخبيل جزيرة سقطرى اليمنية قصة خافية، بل واقع أصبحت شواهده واضحة المعالم ، بعد أن أصبحت المتحكم الفعلي والوحيد عسكرياً وإدارياً في أرض الجزيرة وبحرها، على نحوٍ يحمل كل سمات الاستعمار والعبث بأرض الجزيرة اليمنية التي تعد واحدة من أهم الجزر التي لا نظير لها على مستوى العالم.
وتكشف الأحداث المتتالية وتطورات المشهد المتلاحقة يوماً تلو الآخر أن الإمارات تسعى إلى السيطرة على أرخبيل سقطرى الاستراتيجي اليمني، في المحيط الهندي منذ بدء حرب اليمن عام 2015م، فكانت المساعدات الإماراتية بمثابة حصان طروادة الذي مكن النفوذ الإماراتي من التسرب تدريجيا تحت عباءة الأعمال الإغاثية.
ومنذ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على سقطرى بدعم إماراتي في 2020 باتت الجزيرة نقطة نفوذ إماراتية بامتياز، وتمادى النشاط المريب للإمارات في إعلان المجلس الوطني لأبناء أرخبيل سقطرى المدعوم إماراتيا الحكم الذاتي تحت لافتة ما وصفه بالبعد الجغرافي واللغوي والعرقي إلى جانب الإحباط من الحكومات اليمنية المتعاقبة.
سقطرى الجزيرة التي تحتل موقعا استراتيجيا في قلب المحيط الهندي، تعيش واقعا صعبا بعد أن تركتها الحكومة الشرعية تعيش اليوم تحت رحمه المعونات الإماراتية المشروطة، لتواجه الاستهداف الإماراتي الساعي لسلخ أرخبيل سقطرى من الجسم اليمني وإلحاقها كإمارة تابعة للإمارات.
وفي ظل الموقف المتواطئ للمجلس الرئاسي الذي أصبح قليل الحيلة أمام التغول الإماراتي في الأرخبيل، وفي ظل مساعي الإمارات الحثيثة في السيطرة على الجزيرة، قامت مؤسسة "خليفة الإماراتية" بربط تسليم المعونة المالية المقدرة بمائتي درهم، التي تصرف بين الحين والآخر، بالتوقيع على تأييد الحكم الذاتي، وتهديد الرافضين بإزالة أسمائهم من قائمة الصرف وفق مصادر محلية في الأرخبيل.
رفض شعبي
وتأتي هذه الخطوة الإماراتية في ظل رفض قاطع من أبناء الأرخبيل، فقد أعلن المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى رفضه تعرض أبناء سقطرى إلى ما أسماه "الابتزاز غير المقبول" بربط استلام المعونة المالية بالتوقيع على اشتراطات تخالف قناعاتهم، وتعد انتهاكا لسيادة اليمن على الأرخبيل، وأرجعت اللجنة التحضيرية لمؤتمر سقطرى الوطني هذه الخطوة الابتزازية إلى غياب دور الحكومة الشرعية في المحافظة وانعدام الرقابة على أداء السلطة الانقلابية "المجلس الانتقالي"، مما أوجد مساحة كبيرة للتلاعب في سيادة البلد وحقوق أبنائه.
وفي يناير المنصرم ظهر قيادي في الانتقالي ويحمل الجنسية الإماراتية ويعمل في مؤسسة "خليفة الإمارتية" ويدعى علي بن عفرار مطالبا بالحكم الذاتي، فيما وصفت اللجنة التحضيرية لأبناء سقطرى ذلك بالخطوات الأحادية ولا تمثل الإجماع السقطري.
وفي السياق، أعلن مؤتمر سقطرى الوطني رفضه القاطع للخطوات الأحادية، التي تم الإعلان عنها تحت مسمى الحكم الذاتي.
وقال في بيان: "إن اللجنة التحضيرية لمؤتمر سقطرى تابعت مستجدات الأوضاع في أرخبيل سقطرى، التي أرهقتنا جميعاً، من غلاء الأسعار وتدهور القيمة الشرائية للعملة وتأزيم الأوضاع السياسية والأمنية في المحافظة لجر سقطرى إلى الفتنة، وشق النسيج الاجتماعي، الذي ابتدأ من موضوع هيكلة القبائل؛ لتحقيق أهداف لا تخدم سقطرى، ومستقبل أبنائها".
ويرى مراقبون أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يتحملان مسؤولية عدم تطبيع الأوضاع العسكرية والإدارية وتحسين الخدمات الاقتصادية وانتهاك سيادة الجزيرة، وبحسب اللجنة التحضيرية لمؤتمر سقطرى الوطني، يتحمَّل مجلس الرئاسة والحكومة مسؤولية عدم تطبيع الأوضاع العسكرية والإدارية في المحافظة، وتوفير المشتقات النفطية والغاز، وتحسين الخدمات بعد أحداث 2020م.
فرصة ذهبية للهيمنة
التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية، من أجل ما تقول إنه ردع الانقلابيين وإعادة للشرعية في اليمن، منح الإمارات فرصة ذهبية لترسيخ هيمنتها على السواحل والممرات الملاحية والموانئ والجزر اليمنية، رغمًا عن اليمنيين وحكومتهم.
يقول الناشط السياسي مجيب السقطري، إن "الإمارات بدأت تهيئ الأجواء في سقطرى ليكون الارخبيل تابعة لها، ولهذا تقوم بتنفيذ مثل هذه الإجراءات، التي كانت تخفيها في وقت سابق".
وأضاف السقطري في حديثه لـ "المهرية نت" أن: "أول دخول للإمارات كسيطرة حقيقية على سقطرى، كان بعد التحالف في 2015، حيث بدأت عن طريق إدخال مساعدات إنسانية وإغاثية لجزيرة سقطرى عبر بعض المؤسسات مثل مؤسسة خليفة وبدأت من تلك اللحظة كإستراتيجية للسيطرة على سقطرى".
وتابع "ما كشف مؤخرا خير دليل على نوايا الإمارات الاستعمارية عبر ربط صرف معونة مالية للوجهاء وموظفي المؤسسات الحكومية بالتوقيع على التأييد للحكم الذاتي للجزيرة".
وأردف : "منذ زمن أمست الإمارات صاحبة النفوذ المطلق، وصاحبة القرار في كل ما يجري في الأرخبيل، وصار ضابط أمن الدولة الإماراتي خلفان بن مبارك المزروعي، هو الحاكم غير المباشر للجزيرة، الذي بدأ نشاطه المريب بادئ الأمر تحت غطاء مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية، ثم دأب على ترتيبات السيطرة وشراء الولاءات والذمم والبسط على أراضي المحميات في سقطرى".
ومضى قائلا : "الإمارات تقيس اليوم النبض المجتمعي بهذا الإعلان عن الإدارة الذاتية، وسبق ذلك احتفالات تخص الإمارات، وإظهار الأرخبيل على أنها موروث إماراتي وليس موروثا يمنيا، وتستمر خطوات السلطة المحلية الانقلابية في سقطرى الموجودة الآن، بالاحتفال بالأعياد الوطنية للإمارات ولا تحتفل بأعياد اليمن الوطنية أو الوحدة اليمنية وما إلى ذلك".
سقطرى لن تباع
من جانبه يرى الأكاديمي السقطري مختار محمد، أن كل شيء متوقع حدوثه في سقطرى "بعد أن قامت الإمارات باحتلال المحافظة وصمت السعودية التي تقود التحالف، وأيضاً صمت الحكومة الشرعية".
لكنه يعتقد أن الخطوات الواضحة للإمارات الساعية لسيطرة على سقطرى "صعب الحدوث في الجزيرة"، موضحاً في حديثه لـ"المهرية نت" بقوله: "سقطرى لن تباع بسلة غذائية، أو مساعدة مالية، سقطرى مثلما صبر الأجداد وشربوا الماء المالح وسقوا أشجارها بالماء العذب، سيصبر الأبناء اليوم حتى طرد الإماراتي الطارئ".
إلا أنه يشير إلى خطورة ما تقوم به أبوظبي بسقطرى؛ من خلال "شراء الفقراء والمعدمين في الجزيرة ومنحهم مساعدات مالية وذلك عن طريق سماسرة الانتقالي "عديمي الوطنية ومنزوعي القيم والهوية"، محملاً المجلس الرئاسي والأحزاب اليمنية المسؤولية في التفريط بالجزيرة".
في خدمة إسرائيل
وفي بداية العام الحالي كشف موقع "إنسيد أوفر" الإيطالي، عن تفاصيل جديدة بشأن أعمال البناء التي تجري في جزيرة عبد الكوري اليمنية؛ حيث يتم إنشاء مدرج هبوط طائرات طويل يبلغ طوله حوالي 3 كيلومترات، واعتبر ذلك جزءا من النفوذ الإماراتي على حساب السعودية في اليمن.
وقال الموقع في تقرير له، إنه لوحظت أعمال البناء في البداية في يناير 2022، لكنها توقفت ثم استؤنفت مؤخرًا، وأنه بحلول 23 ديسمبر2024، تم الانتهاء من 1800 متر من المدرج، مطلية بمؤشرات المسافة وعلامات تشبه "مفاتيح البيانو" عند الطرف الجنوبي، كما تم تبليط ساحة الانتظار.
وأضاف الموقع أنه بالعودة إلى مارس من العام الماضي، أظهرت نفس صور الأقمار الصناعية لعبد الكوري ما بدا أنها أكوام من الأتربة مرتبة لتشكيل عبارة "أحب الإمارات"، لكن قد لا تكون الإمارات هي الطرف الوحيد المتورط في بناء ما يبدو بكل المقاييس قاعدة جوية.
وفي الفترة نفسها، صرح مسؤول دفاعي أمريكي بأن الولايات المتحدة تعزز "دفاعاتنا الصاروخية في جزيرة سقطرى" تحسبًا لهجوم محتمل من قبل الحوثيين على القواعد الأمريكية في المنطقة.
واختتم الموقع بالقول، إن "هذه المشاريع تمثل تحركات إستراتيجية بعيدا عن الأنظار، لتعزيز النفوذ العسكري الإماراتي والأمريكي في المنطقة، في ظل تراجع نفوذ القوى التقليدية مثل السعودية".
ويرى مراقبون بأن كل التحركات الإماراتية في الممرات المائية والجزر البحرية اليمنية تصب في النهاية في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية حامية إسرائيل، إذ قدمت أبوظبي هدية على طبق من ذهب لتل أبيب، لتحقيق حلم الوجود على الجانب الآخر من قاعدتها الموجودة في إريتريا بما يسمح لها بالتحكم الكامل والمراقبة التفصيلية لكل الأنشطة في هذا الممر المائي.
وتبقى أطماع الإمارات – ميكافيللية التوجه – هي القبلة التي ترسم سياساتها الخارجية في المنطقة، حتى لو كان ذلك على حساب التوازن السياسي والأمني والتاريخي، ضاربة بالمرتكزات الوطنية والقومية عرض الحائط، ولكن سقطرى ستظل بأهلها وجغرافيتها أيقونة للوفاء والولاء المطلق لليمن الكبير، هويةً وتاريخاً، في وجه كل الطامعين والطارِئين.