آخر الأخبار
تجاوزت الثلث..عمولات خيالية للحوالات تثقل كاهل اليمنيين (تقرير خاص)
وصلت عمولة الحوالات المالية إلى أكثر من 30%
الثلاثاء, 08 سبتمبر, 2020 - 08:39 مساءً
بعد أن أكمل بشير البعداني الحلاقة قال لزبونه: "نعيماً" ثم خلع من على عنقه المنديل القماشي مؤذنا بانتهاء الجلسة التي استمرت أكثر من نصف ساعة، رد عليه عميله بابتسامة وشكره، ثم أدخل يده في جيبه كي يدفع له الأجر الذي اعتاده، لكن بشير اعترض بلطف وطلب منه "زيادة" دون أن يحدد مقدارها، ثم راح يعتذر ويشرح الأسباب، فكل مائة ألف ريال يرسلها بشير إلى أسرته في محافظة إب يدفع عنها أربعة وثلاثين ألف ريال أي ما يعادل 34% من قيمة الحوالة، "إنها ليست لي، بل أدفعها للصراف حتى تصل الحوالة إلى أسرتي".
يقول بشير البعداني وهو شاب في مطلع الثلاثينات من عمره لـ"المهرية نت": "في الفترة الأخيرة أصبحت الأوضاع صعبة للغاية، فارق الحوالة كبير جداً، قبل أيام قليلة أرسلت بعشرة آلاف ريال ودفعت قيمة الحوالة ثلاثة آلاف وأربعمائة، لا أدري ماذا أفعل، إذا كان معاشي تسعين ألف ريال، كم سيتبقى لأهلي حينما أدفع مبلغاً كبيراً مقابل الحوالة، ولذا أنا مضطر أن أطلب من الزبائن زيادة، رغم أن هذا يؤثر على علاقتي بهم ويضعف الإقبال على المحل، هكذا هو وضع من يعمل في مناطق تسيطر عليها الحكومة الشرعية، حينما نرسل إلى صنعاء أو إب أو أي منطقة تحتلها ميليشيا الحوثي، فأنا مضطر أن أحوّل لأسرتي، لا أستطيع أن أتوقف عن التحويل لهم، فهم يعتمدون عليّ في مصاريفهم اليومية".
وليس هذا فحسب فبشير يعاني خلال هذه الفترة جراء ارتفاع أسعار أدوات الحلاقة فهو يدفع اليوم ضعف ما كان يدفعه قبل أشهر قليلة "مثلاً قيمة الصنفرة المستعملة للوجه كانت بأربعمائة أصبح سعرها اليوم ثمانمائة، وكل هذا بمبرر ارتفاع قيمة الحوالة، وحتى مصاريفنا الغذائية اليومية، الكيلو الطماطم الذي كانت قيمته خمسمائة ريال، أصبح بسبعمائة وخمسين، لقد أصبح الجميع يشكو هذا الأمر".
ويعتقد البعداني أن ارتفاع قيمة الحوالات أثّر بشكل عام على حركة الأسواق، وإقبال الناس على الشراء نتيجة ارتفاع الأسعار "فالتجار يبررون الارتفاع بقيامهم بشراء البضائع من صنعاء، فهم مضطرون أن يدفعوا تلك الزيادة للصرافة كي يشتروا بضائعهم من هناك وبعد ذلك يعوضون خسائرهم من خلال رفع الأسعار على المواطن".
يختم بشير حديثه بضحكة ساخرة قائلاً: "لم يعد مطلوب منّا أن ندفع الخُمس – في إشارة إلى الوثيقة الحوثية التي أحيت طقساً دينياً يوجب على المواطنين دفع الخمس لمن يدّعون انتسابهم لآل البيت - لقد أصبحت اليوم الثلث وليس الخمس، وأخاف في الأيام القادمة أن نصل إلى النصف، سنقتسم شقى أعمارنا مناصفة للصرافين النصف، ولأسرنا النصف الآخر".
ويضيف في نهاية حديثة رسالة أراد أن يبعثها عبر "المهرية نت" للحكومة في الرياض لتذكيرها بأن سعر صرف الريال السعودي خلال هذه الفترة وصل إلى 212 ريالاً يمنيا في المناطق الشرعية، يقول بشير "أصبحت المعيشة صعبة، لا ندري هل نعمل حتى نكافح ونشقى حتى نوفر الإيجار، أم نقلق لأننا لا نستطيع توفير الغذاء لأهلنا أم نفكر بمحال الصرافة وقيمة الحوالات، يجب على الدولة أن تجد لنا حلاً، ونطالب الرئيس أن ينظر لوضع بلده، حال المواطن أصبح سيء جداً، والشعب لو جاع سيثور مهما طال صبره".
وحول أسباب ارتفاع رسوم الحوالة يقول الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي "إن من يقف وراء ارتفاع فارق الصرف أو فارق المبادلة بين العملة القديمة والعملة الجديدة هم الحوثيون، فقد اخترعوا هذه القصة تحت مبرر الحفاظ على الاقتصاد وهذا غير صحيح، لأنهم لو كانوا جادين في منع التداول بالعملة الجديدة لكان المنع للجميع، لكن ما يحصل هو أن المواطن هو فقط من يُمنع من التعامل بالعملة الجديدة بينما مشرفو الحوثي والنافذون في الجماعة يحق لهم التعامل بها ومبادلتها بالعملة القديمة والاستفادة من عملية المبادلة.
مبرر آخر استخدمه الحوثيون هو اعتبار العملة الجديدة عملة لدولة أخرى، وهذا أيضا كذب وافتراء بدليل أنه حينما تبدل مائة ألف جديدة بأخرى قديمة ستعود لك سبعين ألف ريال، بينما مثلاً لو أخذت السبعين ألف من الطبعة القديمة وأردت استبدالها بأخرى جديدة لن تحصل سوى على سبعين ألف ريال، وبالتالي هذا الفارق كله يذهب إلى جيوب ميليشيا الحوثي، وهذا هو ببساطة الخُمس الذي كانت الجماعة تتحدث عنه، وقد تجاوزنا الخمس لنصل إلى الثلث، لانهم يأخذوا هذه النسبة على كل مبلغ يصل من مناطق الشرعية كمرتبات وحوالات وغيرها ، والتي يستلمها الصراف مثلاَ مائة الف بعدن، ويضطر لتسليمها للمستلم بصنعاء بالعملة القديمة، وحينها لن يجد الصرافون عملة قديمة، فيذهبون إلى الحوثي المحتكرين للعملة القديمة، وطبعاً هم يمنعون عن غيرهم التعامل بالطبعة الجديدة أو حملها، ولذا يضطر الصرافون دفع الفارق ثلاثين بالمائة عن كل مبلغ، ويدفع للمستفيد سبعين، فيغطي الصرافون الفارق برسوم الحوالات، وهذا بالطبع غطاء ومحاولة تبرئة الحوثيين من هذه الجريمة". لأن الصرافين - تحت تهديد السلاح- لا يستطيعون التوضيح صراحة أن رسوم التحويل ليست إلا لتغطية ما نهبه الحوثي من أموال الناس.
ويعتبر العوبلي الحكومة الشرعية "متواطئة ومتعاونة مع الحوثي" فقد كان بإمكانها "أن تصدر مثلاً قراراً بسحب العملة القديمة، وذلك من خلال مشتريات الغاز المنزلي، فالجماعة الحوثية التي تشتري بملايين الريالات يومياً هذه المادة الأساسية كان يمكن ألا يجري بيع الغاز لها إلا بالعملة القديمة نقداً، حتى يتم سحب السيولة كاملة الموجودة لديها خلال فترة قصيرة وتنتهي هذه المشكلة"
وهناك طريقة أخرى بحسب الباحث الاقتصادي كان بإمكان الحكومة استخدامها وتفادي الوصول إلى المرحلة التي نحن فيها، وذلك من خلال "الضغط على التجار ممن يرغبون في الحصول على العملة الصعبة لتنفيذ الاعتمادات المستندية من البنك المركزي في عدن ، أن يدفعوا ما يقابلها نقداً بالنقد القديم الذي تملكه ميليشيا الحوثي، أو على الأقل كان يمكن للبنك المركزي أن يصدر قراراً بسيطاً يلغي بموجبه الفئات النقدية القديمة ويحدد للشركات والمواطنين موعداً محدداً لتبديلها، وكان بإمكانهم اتخاذ هذه الخطوات منذ البداية".
ولا يستبعد العوبلي قيام ميليشيا الحوثي برفع رسوم الحوالات لتصل إلى مستويات قياسية "فالحوثي لص وجاء لنهب الدولة ولا يهمه ارتفاع الأسعار وتكبيد المواطن مشقة الحياة، وإذا لاحظنا فقد كانت رسوم الحوالة في البداية عشرين بالمائة، ثم أصبحت خمسة وعشرين وبعدها ثلاثين والآن زادت حتى الخمسة وثلاثين، ومن الممكن أن ترتفع أكثر طالما وهو يتعامل مع الشعب بمنطق "قوة السلاح وسطوته"، نحن نتعامل مع ميليشيا تقوم وبشكل واضح ومباشر بنهب المواطنين والجباية منهم والسطو على ممتلكاتهم، لا يوقفها شيء، وفي نفس الوقت لدينا حكومة خانعة ومتواطئة".
وينتقد الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي الدور السلبي للتحالف السعودي الإماراتي واعتبر أن السعودية تعيش حالة ارتياح لأن ليس من مصلحتها تحسن الاقتصاد اليمني أو أن يستعيد المواطن أنفاسه، فالسعودية تريد اليمن ممزقاً وضعيفاً وتريد شعب مشغولا بلقمة عيشه، لأن أي استقرار اقتصادي يمكن يحصل للبلد، سيصاحبه تحرر للقرار السياسي، وبالتالي التخلص التبعية السعودية".
ويضيف العوبلي: "السعودية مشغولة بمحاولة السيطرة على المهرة وحضرموت حتى تحصل على منفذ يوصلها بالبحر العربي، وبالتالي بناء أنبوب لتصدير النفط يمتد عبر المهرة وصولاً إلى البحر العربي حتى يبتعدوا عن التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، فالسعودية تريد المهرة، والإمارات حريصة على السيطرة على الموانئ اليمنية، لأن أي ازدهار لأي موانئ في اليمن يعني الموت المباشر والسريع لميناء دبي بخلاف أطماع الامارات الاستعمارية في اليمن واستراتيجيتها المرتبطة بالتطبيع مع اسرائيل، ولهذا فإن السعودية والامارات هم أحرص الناس على عدم استعادة اليمنيين واقتصادهم لعافيتهم".