آخر الأخبار

في يوم مناهضة الجرائم بحق الصحفيين.. هل أفلت من ارتكبوا الانتهاكات في اليمن؟(تقرير خاص)

عشرات القتلى من الصحفيين خلال سنوات الحرب

عشرات القتلى من الصحفيين خلال سنوات الحرب

المهرية نت - خاص
الخميس, 02 نوفمبر, 2023 - 10:23 صباحاً

في اليوم العالمي لمناهضة  الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة  ضد الصحفيين في العالم، الذي يحل الخميس  2 تشرين الثاني/ نوفمبر، يثار التساؤل: هل أفلت من ارتكبوا عشرات الجرائم، بينها القتل، بحق الصحفيين اليمنيين أثناء ممارستهم مهنتهم؟

 



منذ الانقلاب الحوثي على الدولة مطلع العام 2015م، وتدخل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في حرب اليمن، فقد تم توثيق المئات  من حوادث الاعتداءات  الجسدية على الصحفيين والبنية  التحتية الإعلامية في اليمن، إضافة إلى 20 حادثة من الضربات الجوية التي شنّتها طائرات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، التي استهدفت محطات تلفزيونية وإذاعية، وفقا لتقرير صادر  عن الأرشيف اليمني.

 

بينما زجّت جماعة الحوثيين بعشرات الصحفيين اليمنيين، في غياهب السجون، ووضعت البعض منهم دروعا بشرية في أماكن الاستهداف، وانتهت حياتهم هناك، والبعض الآخر تعرضوا لمختلف أنواع التعذيب المروّع، حتى أصبحت الانتهاكات ضد الصحفيين اليمنيين، أسلوب حياة، بالنسبة لأطراف الصراع في اليمن.
 

 

ووقعت أولى جرائم قتل الصحفيين اليمنيين في 20 من ديسمبر/ كانون الأول 2016، بقتل الصحفي محمد عبده العبسي في العاصمة صنعاء، في ملابسات غامضة بعد عمله في صحافة الاستقصاء، وتناوله في تحقيقاته الصحفية قضايا شائكة كقضايا الفساد، واقتصاد الحرب، والسوق السوداء، وقطاع النفط للحوثيين وفقا للجنة الخبراء المعنية باليمن، والتابعة لمجلس الأمن الدولي.
 

 

واحتل اليمن المرتبة الثالثة في جرائم قتل الصحفيين في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بإجمالي اثنين وأربعين صحفيا منذ انقلاب مليشيا الحوثي عام ألفين وأربعة عشر، بمعدل أكثر من خمسة صحفيين سنويا وفقا لتقرير صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان .
 

ودعا المرصد المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى تكثيف الجهود للدفع باتجاه محاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين، مطالبا الحكومات وأطراف النزاع باحترام حرية العمل الصحفي، ووقف جميع أشكال استهداف الصحفيين وإطلاق سراح المعتقلين.

الجلاد بدون عقاب


يروي للمهرية نت الصحفي المفرج عنه في عملية التبادل التي رعتها الأمم المتحدة في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2020، هشام طرموم (35 سنة)، قصة اعتقاله في العاصمة صنعاء من قبل جماعة الحوثي في يونيو/ حزيران 2015. 

 



آثار التعذيب الذي وصفه بالوحشي، ما تزال بادية على جسد هشام، وفي حديثه "للمهرية نت" يقول: "تعرضت لكل أنواع التعذيب، وكانوا يضربوني على رقبتي وأنا مكبل اليدين حتى تسبّب ذلك لي بانزلاق غضروفي ما بين الفقرة السادسة والسابعة من فقرات الرقبة".


ويضيف واصفًا التعذيب الذي تعرض له في سجون جماعة (الحوثيين): "أجلسوني على كرسي الكهرباء، وأجبروني على الوقوف بقدم واحدة ورفع يديّ المكبلتين لفترات طويلة، وفي حال تعبت وأنزلت قدمي يباشروني بالضرب المبرح عليها".



لم يُحتجز هشام في سجن واحد، بل تم نقله خلال فترة اعتقاله، من السجون الانفرادية إلى الجماعية مع بقية رفقته الصحفيين. وطوال فترة اعتقاله (خمس سنوات)، تم تهديده بوضعه في أماكن تخزين السلاح ليكون هدفًا لطيران التحالف، وكان هذا التهديد كفيلًا بجعله يعيش في رعب متواصل.

 

ويشير إلى أن سلطات (الحوثيين) فعلت ذلك أيضًا مع زملائه، مع استمرار التحقيقات والتعذيب من منتصف النهار حتى آخر الليل".



لا يزال هشام يتذكر ليلة نقله مع زملائه الصحفيين إلى سجن "هبرة"، حيث قال إنهم واجهوا "أشد أنواع التعذيب والتعاملات القاسية"، ما اضطرهم للإضراب عن الطعام احتجاجًا على قسوة التعذيب.

 

حينها تم نقلهم إلى سجن الأمن السياسي، الذي استمر فيه التحقيق بنفس الوتيرة. يقول هشام: "ضربوني في التحقيقات وأنا مضرب عن الطعام، وأغمي عليّ وقتها ولم أفق إلا وأنا في الزنزانة".



ويرد الصحفي هشام طرموم بحسرة عن اليوم العالمي لمناهضة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، "نحن نستقبل هذا اليوم ولا يزال الجلادون الذين قاموا بتعذيبنا وارتكبوا الانتهاكات الجسيمة بحقنا خارج المساءلات القانونية، مزجل الأحزان والمعاناة التي عشناها في سجون مليشيا الحوثي".


وأضاف نحن حاولنا منذ أن خرجنا من السجن حتى هذه اللحظة أن نوثق ما تعرضنا له من انتهاكات والتقينا ببعض المنظمات وكذلك لجنة ال خبراء الدوليين، -المتعلقة بالشأن اليمني- وهذه اللجنة وثقت الانتهاكات، وأصدرت تقريرا تطرقت فيه إلى ما تعرضنا، لكن للأسف ليس هناك خطوات عملية جادة، لإيصال الملف للمحاكم الدولية، لمحاكمة هؤلاء  الجلادون".



ومع استمرار اليمن في حالة لا سلم ولا حرب، ومع أنباء عن مفاوضات بين السعودية والحوثيين تخوف الصحفي "هشام طرموم"  بأن الاتفاق سيعطي المجرمين عفوا وقال "نحن عازمون على المطالبة دوما بتحقيق العدالة ومحاسبة كل من أرتكب جرما او انتهاكات بحق الصحافة والصحفيين, في المحاكم الدولية, وأولهم عبدالملك الحوثي الذي يحرض على الصحفيين والصحافة في اليمن".


انتهاكات مستمرة

 


نقابة الصحفيين اليمنيين رصدت استمرار الانتهاكات ضد الحريات الإعلامية في اليمن، خلال العام الجاري وفق تقريرها الفصلي، إن تلك الانتهاكات شملت ست حالات حجز حرية، وسبع حالات من التعامل القاسي ضد الصحفيين المعتقلين.



وذكرت أن الحكومة الشرعية، بكافة التشكيلات التابعة لها، ارتكبت اثنتي عشرة حالة من إجمالي عدد تلك الانتهاكات، تليها مليشيا الحوثي بثماني حالات انتهاك رغم توقف النشاط الصحفي المستقل في مناطق سيطرتها بفعل القيود والقمع.



ولا يزال هناك ستة صحفيين معتقلين، منهم ثلاثة صحفيين لدى مليشيا الحوثي، هم وحيد الصوفي، ومحمد الصلاحي، ومحمد الجنيد، إضافة إلى الصحفي أحمد ماهر معتقل لدى قوات المجلس الانتقالي بعدن، وصحفي آخر لدى تنظيم القاعدة في حضرموت.


ووثقت النقابة اقتحام مسلحين تابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي مقر نقابة الصحفيين في عدن، جنوبي البلاد، والاستيلاء عليه.

 


يوم للتذكير

 


من جهته أفاد يوسف حازب وهو رئيس المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين "صدى" بأن "اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، هو يوم مهم بالنسبة للعاملين في مجال الصحفة والإعلام، والذي أقرته الأمم المتحدة في العام 2013م من أجل التذكير بشجاعة الصحفيين في الوقوف في وجه الفساد وسوء إدارة السلطة والانتهاكات التي تمارسها الأنظمة أو الجماعات المسلحة من غير الدول بحق الصحفيين والحريات الصحفية".

 


وأصاف للمهرية نت : "الانتهاكات التي طالت الصحفيين في اليمن يقارب عددها ثلاثة آلاف انتهاك منذ مطلع العام 2015، وأن هذه الانتهاكات توزعت بين جميع الأطراف المسيطرة على اليمن، كما تعتبر جماعة الحوثي ومليشيا الانتقالي من هي الأطراف انتهاكًا للصحافة والصحفيين".

وتابع: "نعرف منذ 2015م حتى عذا العام هناك إحصائيات لبعض المنظمات الحقوقية تتحدث نخو 2000 انتهاك رصدت مورست بحق الصحفيين وتراوحت ما بين اعدام واستهداف مباشر بقصد القتل أو من خلال الاختطافات والاعتقالات وإغلاق المؤسسات الإعلامية".


الصحفي أحمد ماهر نموذجا


اختطف مسلحون تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات، والذي يتحكم بإدارة محافظة عدن/ جنوبي اليمن، الصحفي أحمد ماهر بتاريخ 6 آب/اغسطس 2022، بعد مداهمة منزله ، بدون وجود أي تهمة ضده، أو أي توجيه قانوني من النيابة من أجل توقيفه، وفقا  لنقابة الصحفيين اليمنيين التي أعربت في  بيان لها " عن غضبها الشديد وإدانتها لاستمرار معاناة الصحفي  الذي يحاكم أمام محكمة غير مختصة على خلفية قضايا نشر، بعد اختطافه وتعذيبه وإرغامه على الاعتراف بتهم غير حقيقية".

 

بعد اختطافه تعرض الصحفي ماهر لسلسلة انتهاكات بينها التعذيب وتصويره أمام الرأي العام وهو يدلي باعترافات تم نزعها منه تحت التعذيب، حيث ظهر بعد أيام قليلة من اختطافه في مقطع فيديو يعترف فيه على نفسه بارتكاب جرائم إرهابية خطيرة، بينما ظهرت آثار التعذيب على جسده.



وبدورها أعربت نقابة الصحفيين اليمنيين عن “استهجانها ورفضها اعتماد السلطات في عدن أسلوب الأجهزة القمعية الشمولية في فترات سابقة، بإهانة الضحايا وإكراههم في ظروف قمعية على الإدلاء باعترافات غير صحيحة وغير حقيقية لتبرير انتهاكاتها".



وذكر مكتب الشرق الأوسط "لمنظمة مراسلون بلا حدود": "أن أحمد ماهر صحافي يدفع ثمن صراع إقليمي بين الأطراف المتناحرة، إذ يُعتبر مقطع الفيديو باعترافاته المفبركة مهزلة بكل معنى الكلمة.

وبعد أربعة أشهر من اختطافه بدأت محاكمة ماهر، في المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، وعقدت المحكمة جلستين فقط ولم تواصل عقد الجلسات.



وبعد أكثر من 16 مرة يتم فيها تحديد موعد جلسة محاكمة، ولم يتم نقله من السجن إلى المحكمة، علاوة على حالة التعذيب التي تعرض لها والاذلال والاعتراف الغريب تحت الضغط.



  على الرغم من التوجيهات الرئاسية والضغط الحقوقي والنقابي للإفراج عنه وفق المسار القانوني إلا أن المجلس الانتقالي عبر أذرعه القضائية والأمنية يرفض ذلك؛ وكل ذلك مؤشر بأن الحريات الصحافية في المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي نفس أماكن المليشيات التي لا يحكمها قانون، ولا تعرف عن القوانين شيء.

يعتبر أحمد ماهر واحدا من عشرات بل ومئات الصحافيين اليمنيين الذين تتعرض حقوقهم وحرياتهم وسلامة حياتهم للاستهدافات اليومية والمستمرة، ويتم حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية والضمانات القانونية ليس في عدن فقط بل في جميع محافظات اليمن, في ظل غياب المساءلة القانونية لمرتكبي الجرائم ضد الصحفيين اليمنيين.



وتتمثل الاستهدافات ضد الصحفيين في اليمن هي القاسم المشترك بين جماعة الحوثي في الشمال، ومليشيا الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات في الجنوب، لذلك فإن مشكلة الصحفي أحمد ماهر وبقية الصحفيين اليمنيين هي مشكلة وطن بأكمله أصبح لا يحتكم لقانون ولا لمؤسسات رسمية؛ بل يُحكم بجماعات مسلحة تعتبر الصحفي خطرا، لذلك يستمر مسلسل الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين اليمنيين، في ظل غياب الدولة، وسيطرة المليشيات التي لا يحكمها أي قانون. 




تعليقات
square-white المزيد في تقارير المهرية