آخر الأخبار
بين اكتوبر 63 و نوفمبر 67 .. قصة كفاح في جنوب اليمن هذه أهم خطوطها (تقرير خاص)
ذكرى 30 نوفمبر - صورة أرشيفية تعبيرية
الثلاثاء, 30 نوفمبر, 2021 - 07:06 مساءً
الصدام الذي وقع في 14 أكتوبر من العام 1963 بين مجموعة من المسلحين الجنوبيين وبين القوات البريطانية بعد أن طالبتهم الأخيرة بتسليم أسلحتهم التي عادوا بها إلى "لحج " من شمال اليمن بعد أشهر من الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962 كان بمثابة الإشارة والشرارة القادحة لزناد الثورة المسلحة في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني المستمر منذ 1839 .
كان النضال السلمي ضد سياسات الإنجليز في " عدن" قد بدأ يفقد ألقه الذي اكتسبه في خمسينيات القرن العشرين ، ولم يعد الناس يعولون كثيراً على الإضرابات والمظاهرات التي قادها " المؤتمر العمالي" ، وهو الأمر الذي مهد الطريق ل " الجبهة القومية" التي أعلنت منذ البدء إيمانها بالكفاح المسلح كخيار وحيد لدحر الاستعمار .
" الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل" أو ببساطة " الجبهة القومية" كما اشتهرت بعد ذلك تأسست في ظلال الجمهورية الوليدة في " صنعاء" في مايو 1963 ، ضامةً بين جوانحها ، إلى جانب " حركة القوميين العرب" ، مجموعة من التنظيمات السياسية السرية التي تبنت خيار " الكفاح المسلح" ، وذلك بعد أن تم الإطمئنان إلى وجود " خلفية مساندة" لهذا الكفاح متمثلة بالنظام الجمهوري في الشمال ، وذلك بحسب رواية أحد أبرز وجوه هذه " الجبهة " ، عبد الفتاح اسماعيل.
نيران ردفان تصل إلى عدن
التقطت " الجبهة القومية" شعلة الكفاح التي اندلعت في " ردفان -لحج " وأوصلتها إلى معاقل الاستعمار في " عدن" ، مستفيدةً من قدراتها التنظيمية التي تعززت وترعرعت في البيئة الجمهورية الجديدة في محافظة "تعز" المحاذية لجنوب اليمن ، حيث نشطت هناك معسكرات التدريب التابعة للجبهة وأرسلت قوافل الفدائيين والأسلحة إلى ريف الجنوب ، ثم إلى " عدن" .
وفي 10 سبتمبر من العام 1963 ، تم تدشين التمرد المسلح في " عدن" من خلال استهداف قيادة الاستعمار في " مطار عدن" ، وتمكن الفدائيون حينها من إصابة المندوب السامي البريطاني " كينيدي ترافيسكس" مع عشرات المسؤولين الآخرين ، ليشهد العام التالي اندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين ثوار " الجبهة القومية" من جهة و جيش " الاتحاد " التابع لسلاطين الجنوب مدعوماً بالمدفعية والطيران الحربي البريطاني من جهة أخرى .
تحرك الاستعمار منذ مطلع عام 1964 إلى "ردفان" بهدف القضاء على الثورة المسلحة في منبعها ، وأطلق خمس حملات عسكرية اعتمد فيها أول الأمر على " جيش الاتحاد " ، قبل أن يستقدم قواته البرية نفسها لاجتياح الريف ، غير أن حملاته جميعها باءت بالفشل ولم تتمكن من قطع دابر العمل الفدائي المتصاعد في " عدن" ، والذي استمر في استهداف الضباط الإنجليز والجواسيس المحليين الذين يتبعون سلطة الاستعمار .
خيبات الاستعمار المتتالية وعجز اتحاد السلاطين الموالي له بحكومته " المزيفة" عن إقناع الناس بمشروع " الاتحاد الفيدرالي الجنوبي" ، خلق أزمة بين الحليفين ، ما دفع بالاستعمار إلى إلغاء هذه الحكومة في سبتمبر 1965 ، والاحتفاظ ب"عدن" كمستعمرة بريطانية خالصة ، يديرها بشكل مباشر المندوب البريطاني السامي، إضافة إلى فرض حالة الطوارئ في " عدن" .
حالة الطوارئ لم تكن ذات نفع كبير للبريطانيين ، بعد أن تصدى لها" المؤتمر العمالي" الذي كان يقوده المناضل " عبد الله الأصنج " من خلال تسيير المظاهرات في " عدن" ، وتعقيد الأمور على سلطات الاستعمار ، ولكن ذلك التكامل النضالي الظاهر بين " الجبهة القومية " و " المؤتمر العمالي " لم يكن قائماً على أساس صلب ، لأن " الأصنج" كان يأمل في الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات ووسائل النظال السلمي ، مؤملاً في علاقته الجيدة مع " حزب العمال البريطاني" اليساري الحاكم في بريطانيا ، بينما كانت " الجبهة القومية" مصممة على المضي في خيار العنف حتى الخلاص الكامل من الاستعمار .
الصراع البيني بين جبهات النضال
شهد العام 1966 دخول " جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل " إلى معترك الكفاح المسلح ، مدعومةً من النظام المصري ، الأمر الذي شطر ميدان الثورة بين جبهتين لا يجمعهما الكثير من التوافق ، فكان أن شهد العامان الأخيران للثورة مواجهات دامية بين " جبهة التحرير" و" الجبهة القومية" ، رغم أن ذلك لم يقطع عملياتهما العسكرية ضد الاستعمار .
ولأن " جبهة التحرير" التي هي تطورت في الأساس عن " حزب الشعب الاشتراكي" وقبله " المؤتمر العمالي" ، بدت متخبطة في وانتقالها من الأدوات السلمية إلى العنيفة ، إضافة إلى تفوق " الجبهة القومية" في الأساليب العسكرية نظراً لطول الممارسة واستقلال القرار ، فيد تفوقت الأخيرة ، واستطاعت توجيه الضربات الأعنف في كلا الاتجاهين ، ضد خصمها المحلي وضد العدو الخارجي ، وتمكنت أخيراً من إخضاع السلطات البريطانية للتفاوض معها حول مصير جنوب اليمن.
ويجدر الإشارة هنا إلى معركة 20 من يونيو 1967 ، عندما تمكنت " الجبهة القومية" مؤقتاً من انتزاع مدينة " كريتر" التي كانت بمثابة المعقل للحكومة الفيدرالية الموالية للاستعمار ، وذلك بعد أن تمكنت " الجبهة" من استمالة " جيش الاتحاد" التابع لهذه الحكومة ، وكلفت هذه المعركة بريطانيا (23 قتيلاً) وعشرات الجرحى ، في ضربة أحرجت سلطة الاستعمار وسرعت من قرارها في إجلاء رعاياها أولاً ، ثم قواتها لاحقاً .
وفي 26 نوفمبر من العام 1967 ، بدأ الإنجليز بإجلاء قواتهم من " عدن" ، ليغادر آخر جندي بحلول ال 30 من نوفمبر ، وليعلن الاستقلال وقيام " جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" .