آخر الأخبار

لماذا الإقليم الشرقي ؟ (الجزء الثاني )

الاربعاء, 01 مايو, 2024

سيقول الساسة من الناس ما ولاهم عن وجهتهم التى كانوا عليها المتمثلة في الجنوب العربي، سنقول إن الجنوب العربي لم يكن في أي مرحلة من المراحل هوية وقبلة لأبناء المشرق  وخاصةً المهرة أرضاً ولا حتى نسباً… فالمهرة هي القبيلة القضاعية الوحيدة على امتداد الجنوب اليمني  القحطاني نسباً  إلا ماندر في أطراف حضرموت  كقبيلة نهد القضاعية ،فالبداية الفعلية لدولة الجنوب كانت في فبراير 1959م  في اتحاد كيانات قائمة كإمارة الضالع ومشيخة العوالق العليا وإمارة بيحان وسلطنة العواذل وسلطنة الفضلي وسلطنة يافع السفلى سُميت باتحاد الجنوب وبعد عامين وتحديدا 1961م انضمت إلى هذه الإمارات الجنوبية سلطنة لحج ومشيخة العلوي والمفلحي وسلطنة الواحدي وولاية دثينة وسلطنة الحواشب ومشيخة العقربي وفي عام 1962م تغيّر اسم الاتحاد إلى مسمى دولة الجنوب العربي والتى انضمت إليه فيما بعد عدن وأصبحت عاصمة الاتحاد وأُعطي لها تمثيل 24 عضوا في برلمان الجنوب كأكبر تمثيل لاعتبارات جمة منها اتفاق جميع ( سلطنات ، مشايخ ، إمارات) مع الإنجليز وهذا البرلمان يتكون من 94 عضوا لكل  كيان 6 أعضاء ماعدا ولاية العقربي بتمثيل عضو واحد فقط.

وقد رفضت المهرة  وسلطنتا حضرموت ( القعيطي والكثيري) رفضاً قاطعاً الانضمام للجنوب العربي والمراجع السياسية شاهداً على ذلك.

وبقليل من التركيز والكثير من المطالعة في البانوراما السياسية  اليمنية نجد أن أكثر فترات الرّخاء والأستقرار  هي تلك الفترات التى يحتفظ كل تكتل اجتماعي متناغم مع بعضه .. فالهوية الجامعة لأبناء جنوب الجزيرة العربية  -ماعدا عمان طبعا -هي جهوية بامتياز  ذلك أن  لفظ اليمن يعنى في اللغة السامية القديمة (الجنوب ) وذلك قبل حتى  أن يطأ نبينا إسماعيل الوادي غير ذي زرع.

ويضم هذا المسمى الجهوي (اليمن) العديد من الجغرافيات وعمق هذه الجهة هي صنعاء وماحواليها  ،كما أن الشام يعنى  في اللغة السامية القديمة(الشمال) ويضم العديد من الجغرافيات كالعراق والأردن وفلسطين وقلب هذه الهوية الجهوية سوريا؛  لذا يجد المطالع لكتب التاريخ  مسميات جغرافية منفردة لايجمعها جامع جغرافي واحد أوحد مثل ممالك قتبان وسبأ وذو ريدان وحضرموت وحتى في اتحادها لم يسمى التتابعة مملكتهم العظيمة بمسمى يجمع كل هذه الجغرافيات بل مسمى يحفظ كل هوية خصوصيتها  (سبأ وذوريدان وحضرموت ويمنت  ) ورغم طول هذا المسمى لم يختصر التتابعة أو غيرهم ذلك بلفظ جغرافي واحد.. لذا نجد في متون الكتب القديمة باستثناء الشروح الحديثة للمتون قبائل يمنية قحطانية وقضاعية وغيرها لا موطن جغرافي جامع لهن ونستشهد بذلك بقول أمرئ القيس:      دمون دمون إنا معشرٌ يمانيون وإنا لأهلنا محبون !

ولكي لايتبعثر الكلام بين أيدينا ويخرج عن سياقه .. نعود لصلب موضوعنا الذي بيّنا فيه أن الزيجة السياسية الجنوبية ليست هوية للمشرق وحتى  بعد قيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة 1963- 1967 اختلف العسكر الرفاق على التسمية ونلاحظ في خطابات الزعيم جمال عبد الناصر تكرار الجنوب العربي وتأصيل ذاك المسمى، ليستطيع الرفاق من محافظات الوسطى من اليمن وبالذات تعز من تحديد تسمية الجمهورية اليمنية الديمقراطية مذيل بشعبية وهي برأ كل البرأ من هاتين صفتين الأخيرتين فالحكم كان شمولياً غير ديمقراطي مناطق ذو قسمةٍ ظيزى فالمعيار فيه لابن الشهيد وليس للمواطنة والأرض والانتماء … ويتغير مسمى الشمال من الدولة المتوكلية إلى العربية اليمنية على يد الضباط الأحرار . لذا نلاحظ دائما في خطابات جنرالات الانتقالي تسامح كبير بتعديل المسمى ليرضي بعض أبناء المحافظات الشرقية لكسب ودهم ودغدغة مشاعرهم.
 

حينما ضم الرفاق العسكر من الجبهة القومية السلطنات الشرقية سالبين إرادتها عن قصد أو في كثيرٍ من الأحايين بعنف ثوري غير مقصود ،فألغوا الأعراف المجتمعية وأقصوا النخب العشائرية وقلبوا المجتمع عاليه على سافله وأصبحت المهرة هذه السلطنة الكبيرة بتاريخها وبشعبها ريف الأرياف مطبقين شعارهم الأثير (من المهرة إلى باب المندب )فالمهرة في نظرهم ليست سوى قرية تماثل أي قرية على سواحل البحر الأحمر  فلا يخفى على العالم والجاهل والحاقد  على حدٍ سوى ما لدى المهرة من مجدٍ تليد وتاريخٍ عتيق نبغوا به في البر والبحر وما اكتسبوه من احترام وتقدير لدى الغير حتى خصصت لهم دولة الكويت في العصر الحديث  (مادة 19) تقديرا لهم ولأخلاقهم ليعترض الرفاق على هذه المعاملة الخاصة ويطالبوا بتعميمها على كل أبناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية ونحن هنا لانقول مانقول عن حقد فالله من وراء القصد بل لتوضيح الأخطاء وقراءة الماضي بموضوعية وحيادٍ شديدين لأنّ المدخلات الخاطئة يترتب عليها قرارات عاطفية لها تأثير عميق وشديد.

وبكل تأكيد يستشف القارئ الفطن ويتكشف له من ثنايا المقالة أننا نوجه سهامنا لمنظومة الحكم ونظام الدولة المركزية مؤاخذين بعين الاعتبار أن لك مرحلة لها مالها وعليها ماعليها.

ومن هنا يتبين لنا زيف الهوية الجنوبية للشرق بل أن الهوية الشرقية أكثر تأصيلاً وقدماً من غيرها .. استمرت فترة طويلة كهوية جامعة لأبناء المشرق إذ كانت هي الهوية الجامعة للسلطنة المهرية والقعيطية والكثيرية والواحدية بما يُسمى بالمحميات الشرقية وكانت بنظام كونفدرالي يشرف على السلطنات الأربع ضابط بريطاني في المكلا وهذا النظام الكونفدرالي يتميز باقتصاره على الإطار المؤسسي دون ملامسته لتشعبات الواقع الاجتماعي والسياسي مع الاحتفاظ بالهوية والخصوصية لكل إمارة أو سلطنة  .

يعد هذا العقد الاجتماعي الأنجح على مر التاريخ اليمني القديم والمعاصر  والذي انتبه له الأقدمون قبل غيرهم وحافظ على حق الجميع من الجميع  إذ يلغي منطق الهيمنة والاستقواء فلا يستقوي الشمال على الجنوب ولا الجنوب يطمع بحضرموت ولا حضرموت على المهرة بل يستبدل كل ذلك بمبدأ التعاون في كل المجالات والاستقواء بالأخ لا بالاستقواء عليه  لذلك رفض الانفتاح والتقوقع بالذات ينمي مبدأ الاستحواذ والهيمنة ذلك لاكتناز الثروة ببعض الاقاليم وافتقار البعض لها ، وكذلك تضخيم  الذات وتحقير الشريك وتهميشه ينمي الشعور بالظلم والغبن ورفض الآخر  بما ينعكس على مبدأ التعايش والاستقرار في زمن ملت الناس من النضال على قوارع الطرق  والاقتتال بين الأزقة ،ولسان حالها يتفطر ألماً على بلد أصبح رغم غناه وثرواته طارداً لأبنائه يفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم في العصر الحديث.

وتعد فترة المحميات سوى كانت الشرقية منها أم الجنوبية شاهدًا على ذلك، لذا يسعى القائمون على فكرة الإقليم الشرقي باسترجاع ذلك ولو بصيغة فيدرالية وفق معايير ترضي الأطراف ويلتزم بها الجميع.

ليحق للإمارة كإمارة المهرة مثلا أن تتحد مع إمارة أخرى داخل الإقليم بعد اكتمالها لمقومات الإقليم لتعلن إقليما مستقلا بقوة القانون والمرجعية الدستورية ويحق للاقليم أن يتحد مع إقليم مجاور له كإقليم الشرق وإقليم عدن مثلا ..تكون العدالة والانصاف  لجميع الإمارات حسب ماتوافقت عليه أولا إمارات الإقليم الواحد.

كل هذا له مستند دستوري لا يقدم  له الآخر إلا حينما يطمئن لوضعه وحقوقه لا حسب مايحدث في الماضي من صيغ توحدية ترتكز على العاطفة دون سواها لتنخمد تلك العاطفة سريعا على أثر واقع مرير  وتكون ردة الفعل لذلك أو خط الرجعة مكلف ..فألمانيا حينما قررت تتوحد بشطريها الشرقي والغربي  أخذت عشرين عاما حتى ذابت كل الإشكاليات وأخذ كل ذي حقٍ حقه.

غير أن هناك أمر لابد من التطرق إليه بكل صراحة وشفافية لفهم أسبابه ودوافعه فنجد هناك من المتحفظين في دخول شراكة مع حضرموت، رغم أن  أي خيار آخر لايفصل المحافظتين من الشراكة بصورة لاتُفهم أثّرت في إقناع البعض بهذا المبدأ فنجد بعض النفور الذي ينكشف لنا أسبابه حالما نسترجع كتب التاريخ  فنجد بعض المهرة  من العامة والقليل من الساسة في نفور شديد من الإقليم الشرقي ستتبين لنا أسبابه في ثنايا هذه السلسة وماهي معالجاته، وهو النفور نفسه لدى بعض الحضارم من طرح الإقليم الجنوبي وبنفس الرفض الشديد من بعض أبناء شبوة الانضمام الى إقليم عدن  وهلمّ رفضا.
يتبع..


*المقال خاص بالمهرية نت*