آخر الأخبار
لماذا الإقليم الشرقي؟ (الجزء الثالث)
ساقنا الحديث في الجزء الثاني من هذه السلسلة إلى التطرق وبكل صراحة وشفافية لفهم أسباب ودوافع رفض البعض من الانصهار في الهوية الجامعة والأم (اليمن) وتمسك البعض بهويات فرعية جهوية أو مناطقية ولابد من الإشارة أنه لم يتحد اليمنيين إلا في محطات نادرة من تاريخهم العريق على يد شمر بن يهرعش في العصر القديم وفي العصر الحديث على يد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح بدافع واندفاع من اليمنيين عموما ومن الرفاق في الحزب الاشتراكي جنوبي اليمن خصوصاً.
وهذا النفور ينكشف لنا أسبابه حالما نسترجع كتب التاريخ فنجد بعض من أبناء المهرة من العامة والقليل من الساسة في نفور من الإقليم الشرقي ستتبين لنا أسبابه في ثنايا هذه السلسلة وماهي معالجاته.
كما أن هنالك نفور كبير من التقارب بين جنوب اليمن وشماله إلى حد مستفحل لايُفهـم مضامينه، وهو النفور نفسه لدى بعض الحضارم من طرح الأقليم الجنوبي وبنفس الرفض الشديد من بعض أبناء شبوة الانضمام الى إقليم عدن وهلمّ رفضا.
يذكر القرآن الكريم في سورة سبأ أن "كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)" ويذكر الطبري في تفسيره أن رجلا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أخبرني عن سبأ ما كان؟ رجلا كان أو امرأة، أو جبلا أو دواب؟ فقال: " لا.. كان رجلا من العرب وله عشرة أولاد؛ فتيمن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تيمنوا منهم فكندة وحمير والأزد والأشعريون ومذحج وأنمار الذين منها خثعم وبُجَيلة، وأما الذين تشاءموا؛ فعاملة وجُذام ولخم وغسَّان ".
فبعد انهيار السد تفرقت أيدي سبأ بين اليمننة والشام ولن تجد يمنيا في جنوب الوطن أو شماله أو غربه أو شرقه إلا وانتسب لذرية سبأ. فالارومة واحد مهما كتب بعض المنفعلين من جراء غبن الساسة ومآسيهم.
بيد أنه لابد من الإقرار بتشكل هويات فرعية بعد تفرق أيدي سبأ في أصقاع اليمن والجزيرة منها على سبيل المثال لا الحصر هجرة قبيلتي مهرة والازد من أقاصي اليمن إلى شرقها لتحط المهرة بالشحر والأزد بعيّد منها قبل أن تستكمل هجرتها إلى عُمان ولتنتقل إلى مسار آخر يعتمد على التجارة بعدما كانت تعتمد على الزراعة لتتكشف لهم رويداً رويداً أهمية هذه المناطق الساحلية -بعد أن هلك الضرع وجدب الزرع - و دور هذه المناطق في الانفتاح على العالم الخارجي إذ امتطى اليمنيون البحر وسبروا أغواره شرقا وغربا ولتتشكل لهم بعدئذ حضارات عظيمة كمملكة حضرموت وغيرها ولتشتهر تجارة اللبان في أقليم الشحر والتى كانت تجذي جذوة معابد الفراعنة والمجوس وغيرها في سائر المعمورة حتى لقب هذا الأقليم بالبلاد السعيدة نتيجة لتواجد هذه السلعة النفيسة كما يقول بروكلمان كبير المستشرقين الألمان في كتابه "تاريخ الأدب العربي".. والذي حددها الكاتب اليوناني في كتابه العتيق "الطواف حول البحر الأريثيري" وذكر بعض المعالم التى تحمل المسمى نفسه حتى يومنا هذا منها رأس فرتك ورأس ساجر لتسمى لاحقا ببلاد الشحر والذي يعني في بعض المعاجم بالساحل غير أني أظنه يعني بجبل حيث يستخدم هذا اللفظ أو مايقاربه في اللغة المهرية 'شحير' السلسلة الجبالية المحاذية للبحر والتى تصتدم بالهواء المحمل بالرذاذ من المحيط الهندي وبحر العرب ممايؤدي إلى صعود الهواء وتكاثف بخار الماء مكوناً سحب منخفضة تهطل على سفوح تلك الجبال.
إن تغيير المعادلة في أرض الجنتين بسبب الثراء والثروة لبعض المناطق وافتقار الأقاليم الأخرى التى ليس لديها سوى مخزون بشري ضخم يعتمد على الزراعة في الأمطار الموسمية كان ولابد من الهجرة إلى تلك المناطق مما جعلها بؤر صراع مستمر متجدد لا يفتأ أن يهدأ حتى ينفجر من جديد ولقد حفظت لنا بعض النقوش جانبا منها كالمعركة التى دارت بين حمير ومذحج لتنتصر مذحج وتستولي على عدن أبين وتنتقل حمير للعيش على السفوح الجبلية إلى يومنا هذا.
وكما يذكر نقش عبدان معركة دارت بين بني شخريت من قبائل مهرة وقبيلة الأزد على ميناء دمقوت.. كما دونت أمهات الكتب التاريخية هذه الصراعات بين ممالك سبأ وحضرموت وقتبان وغيرها قديما ..وبين السلطنات والإمارات والمشايخ والمملكة المتوكلية حديثا لن نتوسع في المقام لسردها ونتيح للقارئ واسع الإطلاع على مجرياتها في مضان الكتب.
إن القارئ للتاريخ اليمني السياسي بموضوعية يجد أن دافع الصراع الأزلي بين اليمنيين هو صراع من أجل السلطة والثروة ولم يكن يومًا بدافع عقائدي أو مناطقي وأنه يتجه من القبلة إلى الشرق دافعه إن الوطن يمني وملك الجميع وعلى الجانب الآخر يرفع رفض التبعية والضم والشراكة المنقوصة وما إلا ذلك.
هناك مقولة لقبيلة بدائية من أدغال أفريقيا لاقت استحسان العالم بأسره وأصبحت من المقولات العالمية ذات بعد إنساني تعرف بمصطلح " الأوبونتو" أي أنا أكون لأننا نكون أي بمعنى أدق أنني لا أشعر بالسعادة إلا حينما يشعر بها الجميع ، فما احوجنا نحن البمنيين لهذه الحكمة فالمؤمن ضالته الحكمة وأنا على يقين أن اليمن كالجسم الواحد لن يستقر جزئه إلا إذا استقر كله لذا لابد من التفكير لحل شامل وكامل لكل اليمنيين والدولة الاتحادية تضمن الحق للجميع فهي لاوحدة إدماجية مركزية ولا انفصال يشعر فيه البعض بالغبن.
إن الشعوب الحيّة لا تجتر ماضيها لتغذية أحقادها بل تستشرف مستقبلها لذا نقرأ بعض تعليقات العرب واستغرابهم لعدم ثأر اليابانيين من الامريكان جراء مالحق بهم في الحرب العالمية الثانية برغم التطور التكنولوجي لليابانيين بل تعزيزهم للشراكة في شتى المجالات وكذلك رفض الناخب الاسكتلندي الانفصال عن المملكة المتحدة نزولا لرغبة البعض المتأثر بالتاريخ الدموي بين الانجليز والاسكتلنديين ورمي الناخب الاسكتلندي تلك النداءات الشاذة عرض الحائط لانها لا تسمن ولاتغني ولاتضيف له شيئا في الجوانب الاقتصادية.
يتبع...
*المقال خاص بالمهرية نت *