آخر الأخبار

ربيع التحول وخريف العقلية

الأحد, 04 فبراير, 2024

الحقيقة المرة أن عقلية الماضي ما زالت تحكم الحاضر وتعيق الولوج لمستقبل آمن ومستقر، فالماضي مثخن بالجراح، جراح جعلت منا قاهر ومقهور، وما نعيشه اليوم هي أزمة مركبة لمعادلة المقهور والقاهر.

القاهر يثور من أجل التغلب على قهره، وعندما يزيح القهر، نراه يتلبس دور القاهر فيعيد إنتاج القهر على غيره، كّان في داخل كل مقهور قاهر صغير، ينتظر لحظة تقلب الأدوار ليصل لسلطة تغذيه وتعيد إنعاش القاهر فيه، ليمارس نفس الممارسات التي كان يرفضها ما لم تكن أسوأ.

إنها ثقافة التربية التي تبدأ من الأسرة ثم المجتمع، ثقافة القبيلة والثأر القبلي، وهي ثقافة عقلية الماضي، التي لا تتوافق وفكرة الثورة، التغيير والتجديد لما هو أفضل ، الثورة هي الربيع، لا تتوافق وعقلية الخريف وثقافة الانتقام والثأر.

البقاء في خريف الزمن، لا يسمح للثورة وربيعها أن يثمر ويزهر، الخريف تتساقط فيه أوراق الأشجار، وتكثر فيه للأعاصير والرياح الهوجاء، التي تعري الأشجار من روعة الأزهار والثمار والأوراق، وتطفو للسطح كل بلاوي الخريف من غبار وفوضى وفيروسات ضارة، تُخرج القوارض والحشرات الضارة من مخبئها.

من ذلك يمكن أن نستنتج أن مشكلتنا في العقلية، لا في التشكيلات السياسية والاجتماعية، ولا في التكوينات الفكرية والعقائدية، هي ضرورة تفرضها الظروف الموضوعية والذاتية، وهي أدوات ربيع التغيير، مشكلتنا في خريف العقلية العالق في معارك الماضي، ترفض القبول بأفكار اليوم، بربيع الثورة والتغيير والتحول، التي تستدعي وعيا يتوافق وفكرة الثورة نفسها.

عندما تتوقف العقلية على التجديد والتغيير، تصاب بالخرف، عقلية محشوة بتراكمات الماضي، حيث تعيش في شرنقة ذلك الماضي، وترفض أن تخرج لترى الحاضر بعيون المرحلة والعصر، خرف يحجر العقل مع السنين ويحيطه بأسوار، حتى صار محمي بقلعة من أفكار الماضي تتصدى للحاضر بسلوك دفاعي، باعتقاد تلك العقليات أنها تحتمي من الضياع، وتخاف من أن تتوه بالجديد عن المشكلة القديمة، بتعلقهم بحلها قبل أن تحل قضية الأمة ومصيرها، متجاهلين أن القضايا الصغيرة حلها مرتبط بقضايا الإجماع والعصر، ونحتاج لنقلة نوعية تواكب هذا العصر.


عقلية يحتاج لها حقنة مغايرة تنعشها، وتفرغ من مساحتها المحشوة بأفكار لم تعد صالحه لليوم، حتى تستطيع استيعاب الجديد. 

كثيرون هم الذي لا يرون أمامهم ، يرون خلفهم بتجاربهم المحدودة، ويمكن تكون تجربتهم الوحيدة هي القهر المثخن بالمأساة والألم ، لا يتقبلون الأفكار والإيضاح، عقيدتهم الإنكار وأنهم على حق، هو دائما معطلين أي محاولة تجديد وتغيير، إنهم القابعون بدور الضحية وعقلية الثأر والانتقام، الثغرة التي يسهل من خلالها تمرير فتنة الأعداء والطامعين، ويكفي دغدغة المشاعر والعواطف، حتى يتشكل قطيع الفوضى والعبث، إنها معركة الأعداء والأطماع، كتلة التي تنفجر في وجه أي تحول سياسي أو اجتماعي، وأدواتها فاقدي الثقة بالأخر، و لا يحترمون أي محاولات فكرية تنبع من غيرهم، بالأصح يرفضون الآخر ، ومشاعر الآخر وتجارب الآخر ، الآخر متهم أنه من بقايا مرحلة مأساتهم، حتى وإن كان من جيل اليوم، تجد صعوبة في الحوار معهم، والتقارب معا لتشكيل قوة تحول وتغيير، لأحداث نقلة نوعية. 


مشكلتنا في خريف العقلية المعيق لربيع الثورة والتغيير والتحول لمستقبل آمن ومستقر، ينتج لنا دولة ضامنة للمواطنة والعدالة والحريات، ولهذا نحتاج لوعي وعقلية قابلة للتغيير ومتعطشة لكل جديد وتجديد، تواكب العصر ومتغيراته.


  *المقال خاص بالمهرية نت * 

الحرب ومصير الأمة
السبت, 21 ديسمبر, 2024