آخر الأخبار
شتاءٌ ونزوح!
كان المساءُ قاسيًا كسياسيٍّ فضل البقاء على العرش وإن كان ذلك مميتًا لأبناء شعبه، لم تبدِ سارة أي اهتمام للبرد القارس الذي يملأ المكان، ويتخلل من تلك الثقوب الكثيرة التي تملأ البيت، أصواتُ الرياح مخيفة وهي تضرب ما تبقى من أبوابٍ في البيت المهجور، المجاور لها، إذا سمعتها يُخيل إليك أن معركةً كبيرةً تحدث في الخارج، وأن القتال قد اشتد وهو قريب منك، وأنك أنت الضحية الجديدة.
تذهبُ إلى المطبخ لتُحضِّر فنجانًا من القهوة؛ عله يساعدها على تخطي هذه الليلة دون مزيد من الألم: " كم هو لئيمٌ هذا الخمول الذي يسيطر علينا في فصل الشتاء، يصيبنا بالعجز ولا يدعنا نعيش اللحظات بكل تفاصيلها، كم كنت غبيةً عندما كنت أحب أجواء الشتاء!" هكذا تتمتم سارة وهي تخطو في الممر على حذر من أن توقظ ابنها النائم، تدخل المطبخ بحذر كبير، تضيء ضوءًا خافتًا من القداحة (الولاعة)؛ حتى تتمكن من رؤية إبريق القهوة وقارورة الماء؛ فقد حذّرها زوجها من إضاءة المطبخ في الليل، تتحسس قطع الكرتون التي وضعها زوجها على نافذة المطبخ، هل ما تزال باقية؟ أم أن الرياح قد أخذتها إلى مكان بعيد، وقد أصبح المطبخ مكشوفًا للقناص؛ لينتزع روح الأبرياء من أهلها وهي أولهم.
سرعان ما تعاود الرياح شدتها وكأنها تريد أن تخبر القناص أن مجموعةً من بني البشر جاءت بهم الحاجة ليسكنوا في هذا الحي، لكنهم يخفون أنفسهم عنك، أو أنهم يخافون من الموت على يديك؛ هكذا تفسر سارة اشتداد الرياح، عندما تسمعها تنفض قطع الموكيت البالية التي وضعت على النوافذ المفتوحة لتكون حماية لأهل البيت ووقاية لهم من البرد.
تعود لغرفتها مع فنجان القهوة الذي يتصبب على يدها إثر ارتعاشها، تجلس إلى جوار صغيرها النائم، تلف البطانية على الجزء الأسفل من جسدها ثم تطفئ ضوء القداحة وتبدأ باحتساء ذلك الفنجان الذي أعدَّته بعد الكثير من الخوف والقلق.
تخبر نفسها قائلةً: كم هي مريرة الحياة على خطوط النار، متعبة جدًا، حتى فنجان القهوة أشد مرارة هنا، ترى من منا أسعد حظًا في هذا الشتاء؟، أنحن الذين نعيش على خطوط النار، نرى الموت ونعيش لحظاته كل يوم؟ أم الذين نزحوا نحو الصحاري والجبال؟ أم أن جميعنا قد كتب علينا الشقاء في هذه الحياة، فلا فرق بيننا وبينهم في المعاناة؟!.
في مثل هذا المكان الذي تسكن فيه سارة تعيش مئات الأسر، في الحال نفسها، إنهم يكرهون فصل الشتاء كما يكره السجين سجانه؛ لأنهم يذوقون فيه الويلات الكبار، يضرب البرد القارس أجسادهم كما تفعل سياط الجلادين بظهور المعاقبين، لكن الفرق أن هؤلاء لم يرتكبوا ذبنًا غير أنهم أرادوا أن يعيشوا حياتهم بعزة وكرامة؛ فغامروا حتى وصلوا لهذا المكان، ثم إن هذا العذاب لا حد له ولا مقدار؛ إنه مستمر ما دامت الحرب لم تضع أوزارها، وما دام التآمر على حياة المواطنين مستمر من قبل القريب والبعيد.
المقال خاص بالمهرية نت