آخر الأخبار
العداء للتجديد
في ظل تسيد العداء، فاعلم أنه وليد الجهل، والناس أعداء ما جهلوا.
ثمة تلازم بين الجهل والعداء، فالجهل يعادي أي فكرة لا يستوعبها، والجهلة متعصبون لجهلهم، ولا يقبلون بسهولة أي تجديد، تعصبهم بجهالة، هو المعبد الذي يعطيهم شغف البقاء والتسيد، وأي فكر يحاول أن يهد ذلك المعبد بجديد يعادونه.
برغم أن الاختلاف في الأفكار ظاهرة صحية، قد نختلف في الرؤى والمعارف والعقائد، ويمكن التعاطي مع هذا الاختلاف بوعي محاولة تفهم الاخر دون رفض، فالرفض بجهالة يؤدي لعداء صاحب الفكرة، وهنا نكون قد انتقلنا من التعاطي مع الأفكار، لشخصنتها ومعاداة أصحابها، ولن يحدث مثل ذلك إلا مع العقول الصغيرة أو المتوسطة، وفق نظرية مبدأ العلم والعلماء التي تقول (العقول الكبيرة تتعاطى مع الأفكار، والعقول المتوسطة تتعاطى مع الأحداث ، والعقول الصغيرة تتعاطى مع الأشخاص).
يبدأ العداء يأخذ طريقة من حالة الرفض للتعاطي مع أي محاولة إطلاق فكر جديد، تتواكب مع ما هو قائم من تطور، التطور الذي يدعو للواقعية، وتجاوز الماضي والمآسي، التطور الذي يستدعي استيعاب تجارب الأمم، ويدرك أن المأساة والألم والقهر والظلم، ليست النهاية، ولكنها البداية للانطلاق بتجاوز تراكمات ومصائب ما حدث، مع اعتبارها درس وعبرة وجب أن لا تتكرر، حتى (لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين) وبسبب جهلنا لدغنا ولدغنا وما زلنا نلدغ ونستلذ اللدغ.
يبدو منطقيا أن العداء وليد الجهل، ولولا الجهل لما عادى الناس بعضهم بعضا، والجهل مركب، فهو يجهل ولكنه يجهل أنه يجهل، الأول مصاب به أكثر الناس وأمره هين، والثاني هو داء كثير من العلماء والنخب، وهو مصدر جل مشاكل الأمة بشكل خاص والإنسانية بشكل عام.
كثيرا من رجال الدين يعادون علوم الفلك، وكثيرا من انصاف المثقفين يعادون العلوم الإنسانية، وكثيرا من المتعصبين يعادون كل فكر وعلم يدعو للانفتاح على العالم الآخر ، وكثيرا ممن يعتقدون إنهم أوصياء على من حولهم يعادون الحرية والديمقراطية، وكل هؤلاء يعادون الحقائق ونظريات تلك العلوم، ويتدثرون بعباءة جهلهم لها وعمامة يلبسونها الحق بالباطل، مستدلين على جهلهم وما لا يعلمون ولا يريدون ان يعلموا، حتى لا يهد معبد تعصبهم وتدثرهم بجهالة.
فلا غرابة أن نجد كل عقل نير يدعو لتجديد وكل فكر جديد يواجه صعوبة في شق طريقة في جهل مترسخ، وواقع يرفض التخلي عن ماضيه، ومتقوقع في مآسية، بعقلية مقهورة جعلته مستمتع بدور الضحية، يعيش رعب الجلاد، ويرى كل من يريد أن يخرجه من هذا الدور مرسل من الجلاد للإيقاع به.
معظم الواقعين بجهالة العداء هم من أنصاف المتعلمين والمثقفين، وكبار المتعصبين والواهمين، وقطيع العقل الجمعي الشعبوي والسلطوي، عابدي الاصنام البشرية، ومساطيل الشعارات الجذابة.
في تجاربنا الإنسانية قرأنا وتابعنا عن العلماء والمفكرين والفلاسفة وما حدث لهم من عدم تقبل لأفكارهم ونظرياتهم الجديدة حينما أطلقوها، ومواجهة الرفض القاطع، وبعضهم دفع حياته ثمن لفكرة جديدة لم تلق تقبل، وما زلنا لا نتقبل التجديد، ونعتبره بدعة او تقليد اعمى، وكثير يرفض هد معبده الخاص من التعصب والجهل، ولا يستسلم بسهولة، ويحول كل قضية فكرية لقضية شخصية تخص شخصه، وهذا ما يحدث اليوم الرفض التام للتجديد، رفض الواقعية، والعيش في وهم على حائط مبكى الماضي البائس والاستمتاع بدور الضحية.
*المقال خاص بالمهرية نت *