آخر الأخبار
عدن ومسلسل الجوع
مشهد لطفلة جائعة، تحاول أن تقفز لبرميل القمامة، لتسدّ جوعها من بقايا طعام، فسقط البرميل بكل محتوياته من القمامة عليها، وفارقت الحياة، مشهدٌ مأساوي لكوميديا سوداء معبّر عن حال مدينة عدن اليوم.
مدينة كانت مصدر خير للجميع، برزقها الوفير كمركز اقتصادي وتجاري يتوسط العالم، مدينة لا يجوع فيها أحد، واليوم يتضور الناس فيها جوعًا، بسبب الصراعات البينية، والحروب العبثية، وما تخلق من رحم تلك الصراعات والحروب من أمراء حرب، ومليشيا نهب وبسط، وسلطة جبايات واتاوات، واستبداد وفساد لا مثيل له.
مشهد لو حدث في الدول المحترم، وشعوبها الحية التي لا تقبل الضيم والقهر، لتحوّل لرأي عام، وجرس إنذار يصحّي كل الضمائر الحية، ليصحو الشعب من سباته، من مجرّد رعية لا تهش ولا تنش، راضخ للظلم والاستبداد للفساد والنهب، لكل القرارات المهينة التي تسلبه حقوقه، وفرض جبايات وإتاوات تزيد من حجم معاناته، لشعب حي لا يقبل الضيم والقهر والفساد والتسيب، مشهد يرفع راية الحق ليقول: كفى ظلماً وقهراً وفساداً، كفى شعارات تدغدغ مشاعر البسطاء بأحلام دون مؤشرات تتحول لأوهام، كفى مغالطات وخطاب لا يسمن ولا يغني من جوع.
لا نريد من يعيش بذخ الحياة، ونعيم السلطة وفسادها، أن يطلب من الشعب أن يحتمل الجوع من أجل مستقبل مؤشراته ضبابية، ولا نريد من قائد يعيش في برجٍ عالٍ، ويستنزف المال العام، ويركب أفخم موديلات السيارات، ويستعرض بأفخم ماركات العالم من ملابس وأحذية وساعات، يحدثنا عن الصبر والجوع، لا نحتاج لزعيم يكلفنا فوق طاقاتنا مادياً وروحياً، ويحرّض لمزيد من المعارك العبثية التي خبرناها، ولم تفضِ إلا لمزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية، ومزيد من الموت والجوع والمرض.
إنه مشهد الكوميديا السوداء، التي نعيشها اليوم في عدن، كوميديا الارتهان والتبعية لمشاريع لا وطنية، مشاريع سياسة فرق تسد الاستعمارية منذ 67م، وإلى يومنا هذا نعيش لكوميديا السوداء، ونتداول فيها دور المنتصر والهزوم، والجلاد والضحية، وفي كل فصل من فصولها تزداد ماسينا ضيم وقهر، يجوع الشعب لكي ينتصر لقائدٍ من القبيلة والعسكر، وتتوسّع الهوة الطبقية، ويتوسّع الفارق بين الغالبية العظمى من الجياع، وأقلية ممن آثروا استثمار هذا الجوع، والجوع كافر، وننتظر ثورة الجياع التي ستقلب الطاولة على رؤوس الظالمين والفاسدين والمستبدين، وإن غدا لناظره لقريب.
* المقال خاص بموقع المهرية نت