آخر الأخبار
نكبة عدن نكبة وطن
تدهورت أحوال الخدمات في مدينة عدن، حتى أصبحت مدينة منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أحدثكم وأنا ومثلي الكثير من أبناء هذه المدينة، دون نوم، وكيف ننام في جو خانق، في درجة حرارة تفوق ال 50 درجة مئوية دون كهرباء، واستهلكت كل وسائل التعويض عن الكهرباء الحكومية، من بطاريات وطاقة شمسية ومواطير ، وهي وسائل بديلة، أرهقت ميزانية المواطنين، والبعض منهم تجشم الجوع من أجل أن يوفر لأسرته بطارية أو لوح طاقة شمسية أو متطورا، وجميعها بأسعار باهظة تستدعي أخذ قرض أو سلفة، على حساب المأكل والمشرب، ومصاريف المدارس، والصحة والعافية، وحدث ولا حرج.
مدينة منكوبة وأبنائها في نكبة حقيقية، لديهم محافظ ومؤسسات تحتكم من سلطة تسمى شرعية، والحقيقة أنها فقدت شرعيتها، بعد أن فقد الشعب حقه في اختيارها، ولم تعد تمثله لا بالقرار أو الاختيار، هي سلطة أمر واقع تشكلت بفعل حالة الحرب والارتهان للخارج، وما تخلق في هذه الحالة من تشكيلات عسكرية وسياسية، وموازين قوى قبلية وسلالية وطائفية، ومعظم تلك التشكيلات نبتت على ضفاف بقايا نفوذ السلطات المتنازعة منذ الاستقلال إلى اليوم، وبالتالي تحمل مشاريع عفا عنها الزمن، ومعظمها مشاريع رثة تحمل في طياتها ثارات قديمة، تستدعي صراعات تدميرية، تعطلا أي توافق على شكل دولة ضامنة لحقوق الجميع، تستوعب أفكار الجميع، وتحفظ حق المواطنة والحريات والمساواة.
عدن ليست وحدها المنكوبة، النكبة هي نكبة بلد بكامله، يعيش حالة من التجزئة، والعنف والمليشيات غير المنضبطة تقاسمت البلد لتحكمها بالحديد والنار، ولا صوت يعلو فوق صوت الجماعة، وكل جماعة لها صنم (زعيم) وحوله حاشيته من ذوي القربى والسلالة، التي تشكل تكويناته العسكرية، وقياداته المحورية، تنهب وتبسط وتستحوذ على كل شيء السلطة والثروة، وضاع الوطن والوطنية في هكذا تقاسم.
المواطن هو النقطة الأضعف في كل ذلك، اليوم يعيش في نكبة حقيقية، وفي وطن منكوب، لا يعرف من الشرعي من غير الشرعي، والوطني من غير الوطني، يشاهد جماعة تتفاخر والارتهان للخارج، خلعت هويتها ولبست هوية ذلك الخارج، يبحث عن المسؤول عن البلد، فلا يرى غير أصنام ودمى وشعارات للمزايدة، وكل يوم جريمة، وانهيار للخدمات والعملة.
مع العلم أن كل تلك السلطات وما يتبعها من تشكيلات عسكرية، وبرمجنده إعلامية، كلها مثل إعلانات المواد الفاسدة، إعلانات بتموين شركات خارجية واستخبارات دولية فاسدة، ولهداف أكثر فسادا، فلا نستغرب من حجم الفساد القائم، العملية برمتها هي زرع للفساد وحماية المفسدين.
والمتابع الجيد للمشهد، سيجد أن هناك تحالفا قويا لقوى الفساد، نشاهد عناقهم في القنوات وأمام الشاشات، وما يسرب في مواقع التواصل الاجتماعي، هي سياسة فرق تسد للشعب يجب أن يبقى منقسم على ذاته، ضعيف أمام تحالف قوى الفساد، ينتظر الفتات وما تبقى من موائد الفاسدين، وهذا ما أضعف الانتفاضات الشعبية ضد الفساد وقواه السلطوية، بسبب البطانة الشعبية المرتهنة لتلك القوى، والتي تعيش إرهاب الآخر، وكل تحرك شعبي متهم أنه مؤامرة للخصم.
ولهذا نكبنا ونكبت عدن ونكب الوطن، بسبب التخندق سياسيا وفكريا بغير وعي، وجد البعض أنفسهم في خندق الدفاع عن الفساد.
لا حل إلا بتحالف شعبي يعي خطورة ما يحدث ومآلات الانقسام، وتشكيل جبهة شعبية قوية تقف في وجه الفساد والفاسدين ممن تحسنت أحوالهم حينما جاع الناس، وارتقوا لسلطة طغت وبغت على الناس، ولم تستطع أن تقدم للناس أي خدمة حقيقية، غير شعارات ومزايدة باسم قضيتهم ومشاريع عفا عنها الزمن.
*المقال خاص بالمهرية نت