آخر الأخبار
عقول اليمن تعمل في الخارج!
أفقدت الحربُ اليمنَ الكثير من مقومات الحياة الضرورية، إلى درجة أن يبات الإنسان- الذي بقى فيها على قيد الحياة- سعيدًا لانقضاء يومه بسلام، لكنه يظل مهموما يفكر كيف سيقضي اليوم الآخر، ومن أين له بذلك.
هذا الأمر موجعٌ جدًا، ولكن الأكثر منه في الوجع هو خلو الوطن من العقول العظيمة، الأدمغة البانية التي لها ثقلها في المجتمع العلمي والثقافي والإنتاجي، تلك العقول التي هاجرت تبحث عن مكان خصب تلقي فيه بذرتها العلمية وتسقيها لتنمو ويتم جني ثمارها.
كانت اليمن لها صداها في الأرجاء، في أنها بلد العلماء، لكن الحرب جاءت برياحها الهوجاء وسيوفها المسلولة التي تضرب كل جميل وتسحق كل ما يدعو إلى النماء والازدهار، فاضطر الكثير من أصحاب العقول العظيمة إلى مغادرة اليمن، أوليست أرض الله واسعة؟، غادروها باحثين عن بلد يقدر مكانتهم العلمية التي وصلوا لها بعد شق الأنفس.
غادر الكثير من طلاب العلم الذين يمتلكون شغف البحث والاطلاع والعمل، الذين وجدوا بلادهم الأم لا تقدر على أن تمد لهم يد العون في مواصلة مشوار إبداعهم فبحثوا عن أماكن تحتوي عقولهم وتفتح لهم مجالًا لإخراج ما بداخلهم من قدرات، وبقي الذين لا قدرة لهم على المغادرة، بقوا هنا يعيشون حياة الضياع يلوكون الندم ويقضمون أنامل الحزن والأسى.
وها نحن نسمع على مدى هذه السنوات أخبارًا سارة عن شباب اليمن من المبدعين الذين أصبحوا يتصدرون عناوين الصحف والمجلات الأجنبية والعربية، بأخبار جميلة مثل: فاز الباحث اليمني بجائزة كذا، وحصل الطالب اليمني على المركز الأول، وحصلت الباحثة اليمنية على المركز الأول في جامعة كذا... كل هذه الأخبار تسرنا كثيرًا، ولكنا نشعر بوجع يتوسط الضمير، تساؤلات تضج بها مخيلاتنا، ِلمَ لمْ يكن هذا داخل الوطن، ماذا لو كان كل هؤلاء داخل بلادنا؟، كيف سنصبح إذا كان هذا الجيل المبدع هنا داخل بلاده وتم توفير كل متطلباته كيف سيبدع؟ وكم من الأجيال المبدعة ستخرج من تحت يده؟، لا شك أنه سيعمل بحب لوطنه، ولكنا للأسف نتذكر الواقع الذي نحن فيه اليوم، الواقع الذي أصبح يدفن كل نشاط علمي ومعرفي مفيد، واقع يعمل على غرس التكاسل والتخاذل والملل.
ها هي اليمن اليوم تصل إلى مستوى لا يحسد عليه من الركود بعدما هاجرت منها الأدمغة العظيمة وحلت محلها عقول فارغة، لا تعرف إلا كيف تثير النعرات وتفتعل المشكلات ولا تجيد سوى الانصياع لمن يأمرها من الخارج، مع احترامي الشديد لمن ما يزال يتمسك بنقائه وعلمه وعفته وحبه لوطنه الموجوع، ويحارب الخراب الذي حل بالأرض اليمنية.
لن تخرج اليمن من الكارثة التي هي فيها اليوم - حتى وإن حصل السلام المزعوم- لن تخرج من هذه الكارثة إلا إذا تم تقديس العلم والعملية التعليمية في كافة مراحلها، والتشجيع على طلب العلم، وإعادة العقول اليمنية إلى أرضها معززة مكرمة حاصلة على فرصة عمل تليق بها، فقط إذا حدث هذا ستتعافى العملية التعليمية، وستعود لليمن مكانتها التي سلبها إيها تجار الحروب ومشعلوها.
*المقال خاص بالمهرية نت*