آخر الأخبار

مؤتمرات المانحين والتخادم الأممي مع الرياض

الاربعاء, 03 يونيو, 2020

عقد مؤتمر المانحين مجدداً، ومعه توارت السلطة الشرعية التي يفترض أنها تحكم اليمن وأن هذا التحالف جاء ليساعدها لاستعادة حكم اليمن، حتى ان الجميع يتحدث عن المؤتمر باعتباره شأناً سعودياً أممياً يعنى بدولة مشلولة لا إرادة لها اسمها اليمن.

مؤتمر المانحين الذي عقد افتراضياً اليوم بتنظيم من السعودية والأمم المتحدة، كان يمكن أن يكون مقبولاً عندما كانت السعودية والإمارات جزء من مجموعة دولية واسعة ترعى سياسياً العملية السياسية في اليمن، وتدفع الأطراف إلى الوصول إلى حل، ولكن هذه المجموعة الدولية سرعان ما خذلت الشعب اليمني وأسلمته إلى الجماعات المسلحة قبل أن تصبح اليمن ملعباً حصرياً للسعودية والإمارات يعبثان فيه كيف يشاءان تحت أنظار المجتمع الدولي وانتهازيته.

إن الخديعة الكبرى التي تمارسها السعودية والإمارات لا ينبغي أن تنطلي على أحد. فاليمن يعاني كل ما يعنيه بفعل التدخل السيئ والخبيث لهاتين الدولتين، وعليهما تقع المسؤولية الكاملة في تردي الأوضاع الاقتصادية ومن ثم انتشال هذا البلد مما هو فيه، بكل ما يستلزم ذلك من تأمين كامل للدعم المالي والاقتصادي حتى تستعيد الدولة اليمن قرارها وتستقر على الأرض أو عليهما الانسحاب من اليمن ودفع تكاليف ومترتبات تدخلهما الكارثي.

لقد عملت السعودية خلال أكثر من خمسة أعوام من الحرب على إقصاء شركاء أساسيين لليمن، يعطون دون من أو أذى أو أجندات سياسية، غاب هؤلاء الشركان من هذه المؤتمرات التي تفرض معاييرها السعودية ومعها الإمارات، اللتان تمارسان أيضاً الوصاية المطلقة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية على اليمن.

هذه الوصاية تسمح باستمرار الوضعية الراهنة التي يتكرس معها اليمن مساحة للعبث السياسي والجيوسياسي، والذي تغطي عليه السعودية والإمارات عبر الملايين من الدولارات التي تقدمها للوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ومن خلالها تجد هذه الوكالات فرصتها للبقاء على قيد الحياة في مجتمع دولي يكاد يفقد قدرته على التضامن الإنساني والأخلاقي.

هذه المرة بقيت السعودية لوحدها في صدارة الداعمين الرئيسيين للأعمال الإنسانية في اليمن والتي لا تذهب إلى الدولة اليمنية بل إلى سلسلة من الوسطاء الذي يستأثرون بثلاثة أرباع المبالغ المتبرع بها، فيما اكتفت الإمارات بالإشادة بالخطوة السعودية، دون أن تقدم أي دعم لخطة الاستجابة، فهي تريد أن تظهر للعالم بأنها انسحبت من الساحة اليمنية، ولكن قواتها لا تزال تسيطر على مرافق اقتصادية أساسية وموارد طبيعية مهمة في اليمن، أذكر على سبيل المثل مواني النفط في شبوة وحضرموت وميناء بلحاف لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي المسال.

بعد عام من الآن لا أستبعد أن ترفع السعودية يدها من الدعم الإنساني والإغاثي لليمن عبر المنظمات الدولية، أو بشكل مباشر، عندما تتأكد أنها أغرقت اليمن في صراع يمكن أن يمتلك خاصية البقاء معتمداً على ذاته،  ضمن صيرورة تدوير تتغذى من اقتصاد الحروب الأهلية، لتنتقل إلى مرحلة البيانات والتعبيرات المنمقة عن الأمنيات الطيبة بأن يستعيد اليمن أمنه واستقراره كما كان قبل أن تتدخل هي على رأس تحالف عربي أثبت أنه تحالف عدواني من الطراز السيء جداً حيث تمارس الحرب بلا أخلاق الحرب ونبل الفرسان.

خصصت السعودية من إجمالي الـ500 مليون دولار 300 مليون للمنظمات والوكالات الإغاثية، فيما تكفل مركز الملك سلمان لإنفاق الـ200 مليون دولار بطريقته الخاصة، ولا يمكن للمرء أن يستنتج من ذلك سوى أن السعودية تمارس ترضية مكشوفة للأمم المتحدة لكي تبقى هذه المنظمة تدور في حلقة مفرغة ضمن وساطة سلام ثبت فشلها بعد أكثر من تسعة أعوام وبعد ثلاثة مبعوثين أمميين.

ومع وساطة كهذه تستمر الرياض وبإسناد من الشريك الأكثر خبثاً الإمارات تنفيذ خطة تخريب متعمدة للدولة اليمنية تقوم على استثمار التناقضات وإحياء الصراعات ودفع الأطراف إلى التوقيع على تنازلات لا يمكن معها إلقاء اللوم بعد ذلك على الرياض وأبوظبي اللتين ستحققان ما تريدانه بالاستفادة من حماقة الأطراف التي تخوض حرباً بلا أفق على الساحة اليمنية.

إن الشعب اليمني الذي يدفع ثمن تواطؤ أطراف محلية مع المتدخلين الأكثر سوء في شؤونه، وفي المقدمة الحوثيون الذين قبلوا بتنفيذ المهمة الأكثر قذارة في تنفيذ الانقلاب على صيغة السلام والعملية السياسية الانتقالية وإسقاط صنعاء معها دولة الشراكة، وصولاً إلى المجلس الانتقالي الذي زرعته الإمارات ليكون أداتها الرخيصة في تفكيك الجنوب، بما تيح لها الحصول على ما تريد من أرض ومزايا جيوسياسية في جغرافيا منقسمة ومجتمع متصارع. 

أما وزر الاستمرار في هذا العبث المدمر فيقع على السلطة الشرعية التي قبلت بأن تحول الحرب إلى جولة من جولات الصراع الإقليمية الوهمية مع إيران أو مع المد الإيراني.

وإذا كانت إيران تمارس نفوذها في المنطقة من خلال أدوات أنشأتها حزب الله في لبنان أو استثمرت فيها كالحوثيين في اليمن، فإن الذي منح إيران الفرصة التاريخية للعبث في منطقتها فليس إلا هذه الدول وهذه السلطة الشرعية التي ما كان لها أن تتنازل عن القضية الجوهرية وهي إنهاء الانقلاب واستعادة دولة المواطنة والشراكة والاستقلال والحرية والكرامة.  
المقال حصري وخاص بموقع المهرية نت 

المزيد من ياسين التميمي