آخر الأخبار

ينامون ببطون خاوية ويرتجفون تحت جنح الليل!

الجمعة, 09 ديسمبر, 2022

جاء هذا العام كما تأتي الشتاءات  السابقة  ولكنه هذه المرة أطل  بوجه كئيب، أكثر قساوة من ذي قبل، ربما أنه لم ينظر للحال التي هم  فيها  في  تلك  الصحاري المليئة بالموت والخالية تمامًا من أساسيات الحياة، أولئك الذين يزداد عددهم بين حين وآخر، كلما أوغرت الحرب أنيابها في أجسادهم وشبت نيرانها من حولهم؛ فيرون أن الصحاري نجاة من موت مؤكد كان  يحيط بهم أثناء ما كانوا في منازلهم.

  ماذا لو كان للشتاء قلب؟ فيحس بما يعانيه  النازحون الذين رمت بهم  الحرب من فم الموت إلى معدته فباتت تطحنهم ليل نهار ثم تعيدهم   إلى الحياة؛  فقط ليزدادوا وجعًا وآلامًا، وليزداد قادة الحرب إثمًا وجرمًا.

  ماذا لو كان للشتاء عين يبصر بها ما حل بهذه الخيام المهترئة؟، وهؤلاء الناس الذين يرتجفون تحت جنح الليل؟، يضمون أيديهم تحت آباطهم  لعل بعض الدفء يزورهما دون جدوى، فكل المحاولات للبحث عن الدفء تبوء بالفشل الذريع، وأنى لأجساد هدها الجوع والمرض أن تشعر بالدفء؟؛ إذْ لا يشعر به إلا الذين يتمتعون بصحة جيدة وهؤلاء ليسوا في قائمة النازحين إطلاقًا؛ فلا يوجد في قائمتهم إلا الذين أبلاهم المرض لكثرة  ما ذاقت أجسادهم  من جوع وحرمان.


  ينامون ببطون خاوية تأن طوال الليل، وهذا الصوت يصبح الرفيق الوحيد  والمؤنس  لهم في ليالي الشتاء القاسية، بالإضافة إلى آحلامٍ كثيرة في احتساء فنجانٍ من الشاي الساخن على قطعة خبز رطبة يقاومون بها  هذه المعركة التى تحدث في أمعائهم وتمنعهم من النوم والراحة.

  هل فعلًا نحن في عصر التقدم؟، في  عصر التكنولوجيا؟ وماذا عن أولئك الذين لا يجدون في كثير من الأوقات عودًا من الكبريت يشعلون به النار  فيظلون يبحثون عن قليل من الهشيم الجاف ويضربون عليه حجرًا بحجر آخر حتى يظفروا  بنار بسيطة يطبخون عليها ما يملكون من الماء والدقيق،  تلك النار التي تزيدهم مرضًا؛ فهي تأتيهم  بالدخان أكثر مما تأيهم بالحرارة؛ لأن الحطب وأوراق الكرتون   قد أصابهم  البلل، فقد بكت  عليهم السماء  وانهالت دموعها  على هذا الحطب فأصبح كئيبًا ينفث بالدخان ليصيب من حوله بالصداع الكبير.

  مؤلم هو الشتاء  في تلك الأماكن التي  يصبح الحصول فيها  على قليل من الماء والدقيق حلمًا لا يتحقق لكثير منهم وإن تحقق الحصول عليه فإن تحضير وجبة من الغداء أو العشاء إنجاز كبير مع انعدام الحطب واشتداد الرياح التي تلعب بالنار التي تشعلها ربة الخيمة، تلعب بها الرياح  يمنةً ويسارًا فهي غير مستقرة تماتمًا كحال أولئك النازحين في هذا الفصل بالتحديد.

  ماذا لو استثنى الشتاء أؤلئك  القابعين  في تلك المخيمات المهترئة؟  ماذا  لو استثى أولئك المرميين في الطرقات وعلى أرصفة الشوارع بلا مأوىً أو دفاء، الذين لم يجدوا رفيقًا ولا معينًا لهم على مقاومة هذا البرد القارس  إلا بعض الحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط التي تنام بجوارهم وكأنها تخبرهم أنهم ليسوا وحيدين في هذه الحياة.

  لقد ترك المسؤولون مسؤلياتهم واهتموا فقط بأنفسهم وذويهم،  لم يدركوا ما يحل بهؤلاء العاجزين أو أنهم- إن جاز التعبير-  لم يكلفوا أنفسهم حتى بمعرفة حال رعيتهم وما يهمهم هذا بقدر ما تهمهم أنفسهم وحال ذويهم من المقربين، فهؤلاء لهم رب العباد ودعواتنا  المستمرة.

  *المقال خاص بالمهرية نت* 

المزيد من إفتخار عبده