آخر الأخبار

أيلول في الذاكرة اليمنية..

الأحد, 25 سبتمبر, 2022

أيلول شهر التحولات السياسية، وهو رمز الثورة اليمنية، إذ يرتبط بالحدث الأهم فيه (ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962) وهو نقطة فاصلة في تاريخ اليمن الحديث، فالفنانون والشعراء والمثقفون والكتاب يحتفون بقدومه وكأنه رمز حضاري.
تتعدد قصائد الشعراء عن أيلول والثورة، ويأتي في الصدارة عبد الله البردوني، مما قاله عن الثورة الأم 26 سبتمبر:

الأباة الذين بالأمس ثاروا   *   أيقضوا حولنا الذئاب وناموا.

والدكتور عبد العزيز المقالح أيقونة اليمن الثقافية والشعرية تغنى بأيلول:
إنما نبصق في وجه الملايين الغبية
بشعارات السلام
لتدب الحشرات الآدمية
وتنام
كلما مر على أيلول عام

تنتهي الثورات بالبيان الأول باستثناء ثورة اليمن، فقد كان البيان الأول للثورة اليمنية بداية لتحول سياسي وثقافي استمر لسنوات، تخللها حروب وصراعات ومؤتمرات وتدخلات خارجية، انتهت بالمصالحة عام 1970.

استعان ثوار اليمن بقادة عسكريين من مصر والعراق، ورغم ذلك استمر الصراع ولم يتوقف إلا بجهود عربية للمصالحة، كانت الخرطوم راعية لواحدة من هذه المصالحات.

استمرت الحرب اليمنية ثمان سنوات بين الإمام البدر -المنقلب على الثورة- والجمهوريين، وتدخلت قوة عسكرية مصرية وانقسم البيت العربي -الرياض والقاهرة- بشأن الأزمة اليمنية.

نجحت جهود الخرطوم في إعادة ترتيب البيت العربي، فاستجابت أطراف الصراع في اليمن لتلك التسوية وبدأت ملامح الاستقرار السياسي في اليمن تتضح، كان التحول السياسي في صنعاء أبرز ملامحه - عهد الرئيس القاضي الإرياني - الرئيس الثاني للجمهورية.

يدخل اليمنيون كل 10 سنوات حرباً جديدة وبنفس الأدوات والوجوه، وكأن الزمن متوقف في هذا البلد، فالقضية الأساسية للحرب هي نفسها القضية التي اتفقت أطراف الصراع على تسويتها في الحرب السابقة في مشهد هو الأغرب في المنطقة العربية، ونلخص عدداً من محطات الحرب في اليمن، خلال العهد الجمهوري:
عقد السبعينيات: 1962- 1970، بين الملكيين والجمهوريين.
عقد الثمانينيات: حربان منفصلتان، حرب الجبهة في الشمال، وأحداث عدن 1980-1986.
عقد التسعينيات: حرب صيف 1994، بين جيشي دولة الوحدة.
عقد 2010: حروب بين جماعة الحوثي والسلطة اليمنية- عهد صالح  2004- 2009
العقد الجاري (2015 حتى الآن): عودة الحوثيين للمشهد وسقوط صنعاء في 2014 واندلاع الحرب منذ 2015 وحتى اليوم.
أي أن نصف فترة العهد الجمهوري كانت حروبا، أي ما يقارب 30 سنة قضاها اليمنيون في جبهات الحرب ضد بعضهم البعض.

لقد كان التحول السياسي في اليمن مريراً، إذ فقدت اليمن 6 رؤساء قتلاً، بالإضافة إلى 5 آخرين غادروا اليمن كرها، 3 منهم صدرت في حقهم عقوبات بالإعدام. وخلال 60 عاما فقدت اليمن 11 رئيسا، منهم رؤساء غادروا اليمن كرها: علي ناصر محمد – جنوبي، عبدالله السلال – شمالي، والقاضي الإرياني – شمالي.

الرؤساء القتلى خلال العهد الجمهوري، في جنوب اليمن: قحطان الشعبي، سالم ربيع علي، وعبدالفتاح إسماعيل. وفي شمال اليمن: إبراهيم الحمدي، أحمد الغشمي، وعلي عبدالله صالح.

رؤساء دولة الوحدة اليمنية: عبد ربه منصور هادي، صدر في حقه حكم بالإعدام من سلطة صنعاء. علي سالم البيض، صدر في حقه حكم بالإعدام في عهد صالح. وعلي عبد الله صالح قتل في ظل سلطة الحوثي بصنعاء.

أي أن هناك 3 رؤساء يمنيين على قيد الحياة، صدرت في حقهم أحكام بالإعدام وهم (هادي، وعلي ناصر محمد، وعلي سالم البيض).

ورغم تلك المآسي في تاريخ اليمن السياسي إلا أن الفن تصدر المشهد الثوري، وكأن ثورة أيلول هي إرادة اليمنيين، عبر عنها الشعراء والفنانون من خلال كلماتهم وألحانهم، وأبرزهم الفنان أيوب طارش فنان الثورة والجمهورية، فقد لحن وغنى النشيد الوطني للجمهورية اليمنية.
  يا جلال الحق صوت القدر   * يا وثوب الشعب في سبتمبر
أنت يا أيلول فجري   *   بدمي فجرت تاريخي وفخري
عاش أيلول المجيد *   باعث المجد التليد

خلاصة القول إن الثورات ليست المحطة الأولى للتحولات، فاليمن بلد يفيض بالهجرات، كان الصراع أحد أسباب تلك الهجرات منذ فجر التاريخ.

أخفق الساسة اليمنيون في صناعة نموذج استقرار سياسي لليمن السعيد، لذا تكررت الأحداث في هذا البلد والمآسي، وهي صناعة النخب السياسية فيه، أنتجت واقعا هشاً ودولة فاشلة.

اليمن ليس جغرافيا تتحكم فيها زعامات قبلية، إنما هو إرث الإنسان السامي وفنونه وحضارته وهجراته ولغاته وتاريخه العريق.

يعود اليمنيون إلى المحطة الأولى لثورتهم وبنفس العقليات والاستراتيجية، كما أن الدول الإقليمية حاضرة في القديم وفي الزمن الراهن. وداخليا كانت أطراف الصراع تتوزع بين زعامتين: الزيدية-الإمامية وبقايا الجيش الوطني، وكأن الزمن توقف عند اليمنيين، كما أشار لذلك عبد الله البردوني.

القضية اليمنية.. وانعكاساتها على دول الإقليم! لقد تأثر البيت العربي بالصراع اليمني-اليمني، فالدول الإقليمية تخوض صراعاً خارج حدودها، واليمن هو ساحة المواجهات، وهذه هي المحطة الثانية التي يستدعي فيها اليمنيون أطرافا خارجية، فجمهورية مصر العربية خاضت حرباً مشابهة لهذه الحرب القائمة عام 1962، وكأن اليمنيون غير قادرين على خوض حروب وحسم خلافاتهم وصراعاتهم بأنفسهم. 

في التاريخ القديم استدعى القادة اليمنيون الأحباش، واستدعى آخرون الفرس لتعزيز الجبهات الداخلية ضد بعضهم البعض.

تحتضن الأرض اليمنية رفاة القتلى، فالمقابر تملأ سهول اليمن ووديانه، ورغم ذلك ما زالت شهية القادة السياسيين مستمرة للقتال.

اليمن فريدة في مأساتها وفي ازدهارها، فقد ورد في الأثر أن عبد الله السفاح، مؤسس الدولة العباسية عندما رأي أن تكون صنعاء عاصمة لدولته، قال هم خير الرجال، لكنهم إذا دخلوا فتنة لا يخرجون منها.

وفي العصر الحديث فقدت اليمن في أيلول زعيمها الجمهوري الرئيس إبراهيم الحمدي، والحوثيون قدموا إلى صنعاء وأعلنوا حكومتهم في أيلول أيضاً، وقبل ذلك كان فيه الحدث الأهم والأبرز وهو ميلاد الثورة اليمنية الأم 26 أيلول/ سبتمبر 1962.

المزيد من د. شكيب صالح
من وحي الكوارث
الخميس, 16 فبراير, 2023
فبراير وموسم الربيع
الإثنين, 06 فبراير, 2023