آخر الأخبار
جمال السعيدة واشتياقات لا تنام
تكتسي اليمن هذه الأيام باخضرار يضاعف من لوعة القلب المشتاق للديار، ويشد الروح العطشى بلا رحمة في مسار حالم نحو المرابع الأولى لتكوينها؛ حيث اعتادت الارتواء من الجمال اللا نهائي لريف السعيدة، واستحال عليها بعد ذلك إرواء ظمئها للجمال خارج الحدود.
للنفس دائما انحيازاتها الخاصة، تفضيلاتها التي لا تعرف طريقها إلى البوح، ولطالما وجد الفؤاد مهواه في التلال الخضراء، هناك حيث غناء الطيور، وحفيف مزارع الذرى، وتأنق أشجار "البُن" وهي تسحر العين، وتمارس إغواءها على الحواس.
وكأن خفقان القلب يتصاعد مع تدفق الحبوب في سنابل القمح، وتتراقص الروح على "مهاجل" الفلاحين وهم يتأهبون لموسم الحصاد.
تلك الصورة البائسة لليمن التي يجري تصديرها إلى العالم حاليا، ويراها الناس عبر وسائل الإعلام، إن هي إلا شكل لبدعة عارضة تشكلت من ظروف الحرب، واكتسبت ملامحها التعيسة من دخان المدافع، اليوم لكنها دون شك لم ولن تحل محل الصورة الحقيقة لبلادنا الغناء.
هناك في الروابي، والمدرجات الخضراء يمن آخر يقاوم هذه الاعتلالات. شعب يجتهد في استعادة ملامح البلاد، عبر استنهاض طاقاته، والاشتغال على مكامن قوته الذاتية، وإعادة توجيهها بشكل سليم نحو الزراعة، والعمل والإعمار.
من خلف الجبال والآكام تتناهى إلى مسامعنا كل يوم قصص عن مشاريع ومبادرات مجتمعية حققت نجاحات لافتة في ظرف سنوات، وأحيانا أشهر معدودة.
رصف طرق، توسع في بناء الحقول والمدرجات، استعادة العلاقة مع شجرة البن، وهذه الأخيرة كانت قد اندثرت وتلاشت بفعل إهمال السلطات المتعاقبة، وغياب الوعي بأهمية هذا المنتج اليمني الفريد.
كلها مشاهد وإن بدت محدودة، إلا أنها تفيض بالمعنى؛ إذ تشير إلى تعطش اليمني للعمل، ورغبته في استعادة الالتحام بالأرض والتربة، وقهر كل النزعات العارضة التي تشكلت من تشوهات النفوس، لتأخذ اليمن معها إلى الصراع الكارثي.
لطالما راهنّا وسنظل نراهن على الجوهر النقي للإنسان اليمني، وقدرته على اكتشاف ذاته، وإعادة تخليق عوامل نهضته من جديد، وتلك مسألة لا تقبل الشك بالنسبة لمن تشبع كيانه من جمال هذه البلاد وعظمة إنسانها.
*سفير اليمن لدى قطر/ نقلا عن الشرق القطرية