آخر الأخبار
في ذكرى فبراير.. الخطاب الفني والديني
التحول السياسي الأبرز في تاريخ اليمن الحديث كانت ثورة الشباب السلمية عام 2011 وهي الإطار الزماني والمكاني لهذه المقالة.
كان الفن إحدى معالم الحالة الثورية لهذا التحول الأبرز، الذي كشف هشاشة نظام صالح، لقد تهاوى خلال عام من أصوات المحتجين وموسيقى الكلمة.
الفن: هو ثقافة المجتمع اليمني، أي أن الفن صناعة يمنية وإرث حضاري ممتد منذ بناء السدود والنقش على الجدران، لقد كان مرتبطاً بالعبادة قديما، أما حديثا فالعلاقة بينهما تبدو هشة لأسباب ليس هنا مجال لذكرها.
الدين: هُوية المجتمع اليمني وركيزته الأساس، أي أن التدين سمة الشخصية اليمنية. ولأن المجتمع اليمني متدين بالفطرة، كان الفن جزءاً منه ومرافقاً لنشأته، فهو صناعة أدبية للإنسان اليمني شعراً ونغماً، رسماً وموسيقى.
منذ خمسينات القرن الماضي شهد اليمن تحولاً في نظامه السياسي لا يقل أهمية عن أحداث 11 فبرير2011، إذ رافق هذا التحول السياسي بروز تنظيمات داخل المجتمع الناشئ.
وهو ما عبر عنه سفير روسيا في اليمن خلال تلك الفترة بقوله "لقد كنا مخطئين، كان مجتمعا صغيرا ينقصه الطرق والخدمات الأساسية والكهرباء ونحن مشغولون في صناعة إيدلوجيا علمية فيه".
دخلت القبيلة اليمنية في الصراع الأيديولوجي، ثم تسللت إلى الجيش لاحقاً وامتدت إلى عالم المال، ثم انقسمت الأيديولوجيا إلى إسلامية وقومية.
ومن هذا التمايز الأيديولوجي أصبح ساسة اليمن قبليون بنكهة قومية، كما دخلت الجماعات الدينية إلى عالم السياسية من بوابة الدين والقبيلة، ثم تكون العقل السياسي اليمني من هذا الإرث، إرث القبيلة وعمامة الفقيه.
لقد جاء صالح من خيوط القبيلة فاحتمى بها، ولأن الحياة خوارزمية كانت نهايته من المسار والطريق التي جاء منها (القبيلة).
إن التحول السياسي مطلع العام 2011 يمكن تلخيصه بهذه العبارة "لقد كانت عملية جراحية مؤلمة رافقها نزيف وصديد، ليس من المشرط، إنما من الورم".
لقد انكشف الوجه الحقيقي للساسة بعد هذا التحول الأهم في تاريخ اليمن الحديث، مما سهل على الباحثين قراءة المجتمع اليمني بعيدا عن تاريخ سياساته وسياسييه، أي أنه أكثر وضوحا من فلسفة التاريخ ومذكرات رموزه.
عادة ما يرافق الثورات الشعبية في المجتمعات ثورة أخرى بنفس المسار والأداء.. ثورة الفن يرافقه تحول في الخطاب الديني، بالإضافة إلى حراك الشارع.
أيوب طارش: كان أيوب حاضرا في المشهد الثوري "وهبناك الدم الغالي.. وهل يغلى عليك دم"، لقد كان إيذانا بالتضحيات وأذكره جيدا، لقد تساقط العشرات، نستيقظ سكارى عند سماعه، مظاهر هذا الحراك كان الحماس والإصرار الذي لا ينكسر، كان حراكاً سلمياً، استعاده شباب سلميون بالفن والكلمة.
وظهرت في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء مظاهر عدة أهمها الفنون والرسوم ونخبة (مصورون وفنانون وفنانات وشعراء وإعلاميون ومنتجو أفلام وصانعو محتوى)، كما حضرت جائزة نوبل للسلام، تخليدا للفن الثوري وتكريما لدوره.
لقد تربعت ثورة الشباب السلميين على الفن وتربع الفن على هذه الثورة، لقد برز عشرات من المبدعين الشباب والعديد من الأعمال الفنية في مختلف المجالات، لقد صنعهم الحدث وهم صنعوه أيضاً، لا يوجد مجتمع عربي النخبة فيه من الشباب سوى المجتمع اليمني، فالفنانون من فئة الشباب.
لقد وضعت أحداث فبراير حداً لإنتاج الشيخ السياسي والديني والقبلي وهو الحدث الأبرز في مسرح الأحداث وهي ظاهرة اجتماعية صحية وحضارية أيضاً.
الشارع كان هو الحاكم.. كانت هذه كلمة الشارع ونغمته أيضاً، مطلعها هذه الكلمة: كافي علي كافي.. ونغمة أخرى مطلعها: أنا الثائر.. أنا موجود. لقد ارتبط الفن والموسيقى بالوجود والمصير في ساحات اليمن كلها.
الخطاب الديني: هناك خطاب آخر، وهو حديث الاختراع "لقد أحرجتمونا" كان صوتاً غير مفهوم، ربما سمعت نغمة هذا الصوت من قبل، لقد أضفى علينا صفة الاختراع وهنا تساءلت مبكرا: أنحن فنانون أم معمل إنتاج!؟
كان الزعيم الديني الذي زار ساحة التغيير في صنعاء مندهشا من تألق الشباب فألقى علينا السلام وأطلق علينا صفة "مخترعين"!
ثم قال "لقد أحرجتمونا" ربما كان يشير إلى عمق العلاقة والمصاهرة بين الزعامتين "الدينية والسياسية"، لقد كان تعبيراً عن حالة الفراغ التي تعيشه المؤسسات القبلية والدينية!
هناك خطاب آخر كان أكثر دهشة، لقد سمعته يقول "إن خالد ابن الوليد جاءه إلى ساحة التغيير مبشراً بالنصر وفي موكب مهيب"! ولأننا شاهدون على الواقع ونكتب للتاريخ سنسرد الحديث إلى منتهاه: رئيس الجمهورية لبس عمامة الفقيه ليروي لنا من الحديث نفسه "إن هناك اختلاطا بين الشباب داخل الجامعة وحذر الشباب من الاختلاط والفساد"! لقد كان الخطابان السياسي والديني يسيران بنفس الاتجاه وهو إلغاء دور الفن في الثورة!
الصورة: الصورة هي حديث المشهد الثوري إلا أن خطيب الجمعة كان يحذر هواة التصوير من التقاط صور لوجوه الفتيات أو تصويرهن! ويرافقه أيضا خطاب السلطة الذي كان يحذر من شق الصف والخروج عن ولي الأمر، كما كان يحذر من الفتنة والاختلاط.
لقد كان خطاب المؤسسة الدينية شبيها بالخطاب السياسي، إذ كشفت أحداث 2011 حجم كارثة مؤسسات اليمن التي تشكلت من العقل القبلي، لقد جاء الساسة اليمنيون إلى السلطة من بوابة شيخ القبيلة.
سياسياً: انقسمت المؤسسة الدينية إلى قسمين مع الحراك الشعبي وضده، ثم انقسمت المؤسسة أيضاً ضد نفسها إلى قسمين: خطاب يحذر الشباب من الاختلاط وآخر يبشر الثوار برؤية النبي في ساحة التغيير. أما الفن وجميع رموزه فكانوا مع الحراك الثوري دون استثناء.
فمن خلال دراسة لعينة من خطابين حينها (خطاب فني وخطاب أحد رموز الدين)، وكانت معايير التحليل هذه المفردات (الوطن، الحب، السلام، التسامح، الثورة، الحرية، والعدل)، تبين من تحليل محتوى الخطابين أنها غائبة في محتوى الخطاب الديني.
إن التراجع في أداء المؤسسة الدينية في اليمن واختفاء رموزها انعكس على بقية القطاعات في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ اليمن الحديث، في الوقت نفسه رافق هذا التراجع بروز خطاب التطرف الحوثي، ذي المنطلقات العنصرية والطائفية والسلالية، كما صاحبه غياب واختفاء للعمل السياسي وللأحزاب المرتبطة به، التي نشأت في عهد صالح!
المقال خاص بموقع المهرية نت