آخر الأخبار
السعودية وورقة السلفية في المهرة
لعبت المملكة العربية السعودية على كثير من الأوراق لتثبيت احتلالها العسكري وتواجدها في محافظة المهرة اليمنية والمجاورة لسلطنة عمان وتساقطت الأوراق أمام صمود المجتمع اليمني المهري، وبرزت مؤخراً ورقة استقدام العشرات من المجاميع السلفية من خارج المحافظة ودعمهم بإنشاء مراكز علمية وقبل وصول هذه العناصر السلفية كان هناك أعداد محدودة جدا من التيار السلفي تقطن المنطقة، وبشكل متناغم مع المجتمع المهري، واكتسب هؤلاء العناصر طابعاً اجتماعيا لا يثير حفيظة السكان المهريين، إلا أن حادثة تدفق عناصر جديدة وبكميات كبيرة، بدا كما لو أنه سلوك مخطط له من قبل السعودية ولأهداف غير بريئة.
فمن المعروف أن السعودية تمثل المركز الأساسي لما يعرف بالتيار السلفي الوهابي، وهي الراعية الأساسية لهذا النهج الديني التقليدي والمعروف، إلى جانب أن سلفيي اليمن كانوا وما يزالون مدعومين منها، وتستخدمهم كأداة نفوذ اجتماعي في اليمن منذ ستينيات القرن الماضي.
في سياق مخططها للتغلغل في المهرة، من الطبيعي أن يستنتج المواطنون المهريون أن هذا التدفق المفاجئ للسلفيين نحو منطقة بعينها في المهرة وفي هذا الظرف بالتحديد، هو محاولة سعودية لتعزيز الكتلة الاجتماعية المؤيدة لها في المحافظة، وبما يمنحها ظهيراً شعبياً مناصراً لها مستقبلا؛ وهو ما يعني أننا أمام سلوك يشكل بداية لتغيير ديموغرافي في تركيبة المجتمع المهري، الأمر الذي يؤسس لبؤرة صدام مستقبلي، خصوصًا أن طبيعة التفكير السلفي المتشدد يتنافى مع روح المجتمع المنفتح والمتسامح في المهرة.
يتبين بجلاء أن ظاهرة تكثيف وتحشيد المجاميع السلفية إلى مديريات محافظة المهرة يندرج ضمن مخطط سعودي لاختراق المجتمع المهري والتلاعب بنسيجه الاجتماعي ولو كان الثمن خلق صدامات مستقبلية داخل المجتمع، بسبب هذا الإقحام المتعمد لعناصر سكانية تثير حفيظة المجتمع، وهذا لا يعني أن المجتمع المهري يرفض التعايش مع مختلف التوجهات، غير أن هذا التواجد السلفي لم يتشكل كنشوء طبيعي في داخل النسيج المهري، بل هناك من يحاول فرضه قسراً ولدوافع سياسية وهنا تكمن كارثية المحاولات المتعمدة لخلخلة البنية المجتمعية بعناصر طارئة وخلق عوامل اضطراب في مجتمع عاش عشرات السنين في وئام تام، حتى جاءت السعودية ومعها كل الأوراق العابثة بالسلم والأمن المجتمعيين.
من الواضح أن تماسك المجتمع المهري كان له الدور الأكبر في عرقلة المساعي السعودية لتمرير مخططها في محافظة المهرة بهدوء، وصحيح أن الحراك الشعبي لم يتمكن من إزاحة الوجود العسكري للسعودية بشكل عملي؛ لكنه كشف المخطط ووضع السعودية تحت حصار شعبي فاعل ومحرج ولهذا صارت السعودية في وضع صدامي دائم مع أبناء المهرة ولم تتمكن من تحقيق وجود مؤَمَّن، ومنذ دخولها ظلت تعيش قلق المشروعية والشعور الدائم بأن تواجدها صار باعثاً للمشكلة وتركها مكشوفة طوال الخط ولهذا استدعت أخيراً ورقة السلفية في محاولة اختراق سكان المهرة فكرياً بدين وهابي محصور في زاوية تقديس ولي الأمر وعدم التدخل في الشأن السياسي مع مواجهة الفكر النضالي الرافض للأجنبي ممثلة بلجنة الاعتصام السلمي.
منذ البداية كانت الأطماع السعودية في المهرة واضحة للعيان، ولم يتقبل الناس فكرة أن السعودية دخلت المحافظة خدمة لأبنائها ودعمًا للسلطة الشرعية، فبعد ست سنوات من التدخل العسكري للتحالف العربي، اتضحت كل الأجندة الموازية للسعودية والإمارات داخل البلاد ولم يعد بإمكان دول التحالف تبرير سلوكياتها الشاذة أمام اليمنيين، ففي الوقت الذي تسمح السعودية بنشوء قوات مليشاوية تقوض الشرعية في جنوب البلاد، تدعي أنها دخلت المهرة لدعم الشرعية، هذا السلوك المزدوج جعل السعودية عاجزة عن تسويق مبرراتها المعلنة بخصوص دواعي تواجدها العسكري بالمهرة ومنح الناس يقينا واضحًا أن للملكة أهدافها الخاصة المفصولة عن مصالح المجتمع بل والمناقضة له.
إضافة لما سبق، يمكننا القول إن هذا اليقين الشعبي بوجود أطماع سعودية خاصة في المهرة ليس مجرد خيالات متوجسة وناتجة عن خذلان السعودية المتكرر للشرعية وفي أكثر من مكان بل هناك مؤشرات تأريخية تدعمها وقائع سياسية ووثائق مسربة من هنا وهناك تؤكد أن المخطط السعودي في المهرة، يتعلق بفكرة مركزية معروفة وهي: حاجة السعودية لمد أنبوب نفطي خاص بها، يكون بمثابة منفذ بديل وآمن يمكِّنها من تأمين عملية تصدير نفطها للخارج عن طريق بحر العرب، وذلك تفاديِّا لأي مشكلات تهدد طريق النقل الحالي التي تمر عبر مضيق هرمز، وهي طريق عرضة للابتزاز والضغط والتهديد من قبل عدو السعودي التقليدي "إيران" وهذا المطمع السعودي مركزي ومسنود بعشرات الوثائق السرية والإفادات لمتخصصين وخبراء حول الموضوع.
* نقلاً عن صفحة الكاتب في (فيسبوك)