آخر الأخبار
السلام اليمني الموثوق.. أمل اليمنيين من سلطنة عُمان
طوال سنوات الحرب، فقد اليمنيون ثقتهم بكل الأطراف، داخليًا وخارجيًا، شعروا أن الجميع يتلاعب بهم. ليس فقط الأطراف المتصارعة داخليًا أو الأقطاب الإقليمية. بل حتى الوسطاء الدوليين. مبعوث الأمم المتحدة، المبعوث الأمريكي. بدأ كما لو أن الجميع، عاجز عن صناعة شيء لتخفيف مأساة الشعب اليمني. إما عاجز أو فاقد للحيلة وفي الحالتين الأمر سيان.
ثمان سنوات، صار اليمنيون يشككون بكل خطوات السلام والتصالح، ولم يعد لديهم الدوافع للتفاعل مع أي نبأ أو حديث عن سلام أو تشاور مرتقب. فكلها بنظرهم جهود ميئوس منها. ليس هذا تشاؤم أو لا مبالاة إعتباطية من قبل اليمنيين. بل لديهم كامل الحق بهذا التعاطي الباهت والمرتاب من دعوات السلام. ذلك أن الأطراف التي تتزعمها، فقدت كل قدرتها على شد انتباههم كما لم تعد تحظى بثقتهم.
وحدها عمان، ظلت الدولة الوحيدة المحتفظة بقدرتها على تحريك الأوضاع المسدودة وفتح آفاق جديدة في واقع معقد. لهذا مع كل دعوة سلام تحضر فيها عمان كوسيط، تجد منسوب تجاوب اليمنيين مرتفع. لكأنهم بوعيهم الفطري، يدركون أن السلطنة هي نافذة الأمل الوحيدة والجادة. المعبر الوحيد القادر أن يعدهم بشيء ويتبع الوعد واقعـا حقيقيًا. ظلت عمان تشتغل في الظل، بصدق وبنزاهة حتى تجلت الثمرة أمام الجميع. ورأينا الطرف المركزي في الصراع، المملكة وسفيرها يخوضان نقاشات مباشرة في قلب العاصمة صنعاء، بصرف النظر عن تفاصيل تلك المشاورات الأولية.
من الواضح إذًا، أن هذه النتائج لم تصعد للسطح فجأة ومن العدم. فطوال سنوات الحرب، لم تكن عمان تحرث في الماء، كان الجميع يهرع نحو مخازن السلاح، ويطلق النار في كل اتجاه، وكانت عمان، تكرس نفسها لمزيد من التفكير بطرق جديدة لتطفئ النيران وها هو الجهد يثمر. حيث الجميع يؤوب ليؤمن بما آمنت به عمان منذ البداية. أن يلتقي رئيس المجلس السياسي لأنصار الله مع سفير المملكة العربية السعودية، فهو حدث يستوقف اليمنيون لينظروا بإجلال نحو السلطنة.
والحال هذا، لن يكون حديثنا الممجد لصانعة السلام، نوع من المحاباة الفارغة. بل سأقولها بثقة وتجرد تام، إن كان هناك من يستحق تمثالا وسط العاصمة صنعاء ووسط الرياض وإيران، فهو السلطان قابوس وربما من وراء السلطان هيثم. هؤلاء هم صناع الحياة ولن يستطيع أحد أن يفتح فمه مشككًا في هذه الحقيقة.
ولا أستبعد، أن يومًا ما سيهتف اليمنيون بصوت عال، هذه الدولة صديقتنا حتى الأبد. لقد كانت عمان أخر الأسوار المدافعة عن حياة مسالمة لليمنيين، وظلت ترافع عن حقهم بحياة مثل كل شعوب الأرض. حتى وقد بدأت الحرب تتزحزح، سيحتاج المتحاربون، أن يتعلموا من الدرس العماني جيدا.
أعود وأكرر، الوفد السعودي في صنعاء، لكن البشارة ولدت في عمان. ليس هذا وقت الفرز، والتفريق في الأوصاف، فالنغمة كلها تؤشر للسلام. لكن حتى ونحن نفتح ذراعينا للجميع، يجب وضع الحقائق في نصابها. الجهد العماني لأجل السلام، يرقى لمستوى النشاط التاريخي الخالد والجدير بالتمجيد.
طوال سنوات الحرب حاول الجميع تشويش الموقف العماني، بهدف الإنتصار لهذه الرؤية أو تلك، غير أن الغوغائية سرعان ما تتلاشى وتظل الحقيقة المؤكدة. أن عمان كانت الدولة الوحيدة المحتفظة بعقلها السياسي محصنا من الطيش، ثابتًا وسط منطقة متزعزعة. والنتيجة، نجاح في صناعة الحياة.
منذ البداية كنت مؤمنًا بنهج عمان، وبخطها السياسي تجاه أحداث المنطقة، أقولها وبشجاعة، مهما اتخذت من مواقف هنا وهناك، لكن صوتًا بداخلي ظل يقول لي. نهج السلطنة هو الباقي، وكل المواقف المتوترة سيخجل أصحابها منها يوما. ترقبوا الجميع وهم يوجهون كلمات الشكر نحو صلالة ومسقط.
الخلاصة: لدي ثقة أن مفاوضات تتقدمها عمان، لا بد أن تتلافى كل الصعوبات وتفضي نحو مصير ممكن لكل الأطراف، أقول هذه الخلاصة بعيدا عن كل التفاصيل المعيقة والصعوبات المحتملة. غير أننا أمام دولة ماهرة بتفكيك العقد وتحظى باحترام الجميع، وهذا الرصيد من الطمأنينة تجاهها، كفيل بتقليص مخاوف الأطراف جميعها من بعض والدفع بهم نحو سلام مأمول. هناك دولة بكامل دوافعها المكثفة، لديها إرادة حقيقة لوقف مأساة اليمنيين. مستعدة لدفع كل شيء من أجل خلق فسحة للتهدئة وإعادة مياة الحياة اليمنية نحو مجراها الطبيعي. دولة تبذل كل ما. بوسعها. دون أن تكون لديها طمع بشيء. وسيط بهذه الصفات لا بد أن ينجح. ولدى اليمنيين الحق أن يأملوا بها. ويحفظوا لها مودة ومكانة فارقة للأبد. والشعوب بحسها الفطري وعفويتها تعرف كيف تُكرِّم من بذل جهدا حقيقيًا، لحماية حياتها من الانهيار.
تعظيم سلام لسلطنة عمان وكل فرد فيها وكل مسؤول ومفاوض قضى جهدا ونهارات وليال، كي يزيل الأشواك ويُعبِّد الطريق نحو مآل يليق بشعبنا اليمني المثخن بالأوجاع، الشعب الذي لم يتذوق الحياة بعد، الشعب الذي شعر بأن الجميع خذله ما يزال يشعر بأمل خفي قادم من الجهة الشرقية الشمالية من حدوده، من هناك من سواحل عمان العزيزة على قلب كل يمني.
*رئيس مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية.