آخر الأخبار

على قارعة طريق المعاناة

الإثنين, 18 يناير, 2021

على قارعة طريق المعاناة، كغيره ممن فقدوا كل شيء وما زالوا يتغنون بالوطن الحبيب، يفترش الأرض ويلتحف السماء، لاشيء يمكن أن يكون رفيقًا له في هذا المساء.

 في هذه الليلة الشتوية الباردة، لاشيء يؤنسه سوى نجوم السماء، تلك النجوم الكثيرة التي باتت تداعب عينيه، كلما نظر إليها ازدادت بهاءً، نورها يشع في الأفق، بين البرد القارس الذي يأكل العظم، هناك وحده يحلق في السماء وصفائها يبث حزنه لها يشكو إليها جوعه والبرد الذي كاد أن يحيله إلى قطعة ثلج ملقية على الرصيف.

عندما ينظر للسماء يتذكر أمه التي أخذتها الحرب منه بقذيفة شريرة، تلك اللعينة وذلك الملعون الذي أطلقها هما الاثنان اللذان تسببا في جعله وحيدًا تذروه الرياح ويأكله الصقيع.

الآن يتذكر حديث أمه عندما كانت تخبره أن الله الذي يملك هذا الكون بجله  هو في السماء يسمع دعاء الداعي إذا دعاه  ويجيب المضطر، ينصر المظلوم ويزيل الظالمين.

هاهو يحلق في السماء الملبدة بالغيوم في بعض جهاتها، يحلق فيها ثم يقول: يا إلهي أعد إلي أمي فقد كانت  هي السند الوحيد لي بعد أبي، لما يارب أخذتهما كليهماوتركتني وحيدًا أعاني المرارة كلها، وتنقشع تلك الغيوم ليتظهر السماء أمامه صافية جميله تتسابق فيها النجوم كما تتسابق الغزلان، والصغير يفهم من ذلك أن الله قد أخذ والديه ليعيشا حياة أجمل من الحياة الكئيبة التي عاشوها في هذه الأرض.

يضم كفيه تحت إبطيه عله يشعر بقليل من الدفء لكنه يتفاجأ بارتعاش جسده كاملًا فالجسد كله بحاجة ماسة إلى الدفء حتى يستعيد قواه التي خارت.

هل من لقمة تحمل القليل من الحرارة بين جنبيها؟، هل من فنجان قهوة شديد الحرارة الآن يمكن أن يدفئ هذا الجسد الشاحب النحيل؟، ثم يبتسم الصغير  لأنه شعر للحظة أنه وصل إلى سن الشيخوخه فقد وصل إلى مرحلة العجز الكبير وفقد القوى، يتذكر جده الذي كان كثيرًا ما يعشق القهوة في الصباح بعد صلاة الفجر، ثم يتمتم الصغير قائلًا: الآن فقط عرفت سر عشقك للقهوة ياجدي فهل كنت تشعر وقت ذاك بما أشعر به الان؟.

آهٍ أيها البرد ما أقساك وما أقبح أفعالك، بالله كن ذا قلبٍ رحيم ولو مرة واحدة، هؤلاء الفقراء الذين يفترشون الشوارع ليسوا أهلًا لتحمل كل هذا الهجوم الخبيث عليهم طوال هذه الليالى، يكفيهم أنهم يتحملون الجوع والعطش لساعات طوال خلال اليوم الواحد، يكفي أنهم يتحملون الفقد الكبير الذي هم فيه الآن إذْ لا بيت ولا أهل ولا جوار سوى أصوات مواء القطط وهي تبحث هي الأخرى عن ملجأ لها وصوت نباح الكلاب كلما دوى انفجار في المكان.
ليس لهم ما للأغنياء من وقاية فاذهب لأولئك الذين صعدوا إلى المناصب على أشلاء هؤلاء واعتلوا الكراسي بهدف أن ينقذوهم فما زادوهم إلا خذلانًا وتناسيًا.

المقال خاص بموقع المهرية نت

المزيد من إفتخار عبده